في دول الجنوب، بعده ولدت العديد من المهرجانات وتناسلت الكثير من التظاهرات لكنها أبدا لم تقدر على منافسة أيام قرطاج السينمائية ولم تستطع أن تسرق منه الأضواء بالرغم من مراهنة بعضها على قوّة المال بكل بساطة لأن هذا المهرجان أعلن منذ بدايات التأسيس النضال مشعلا والمقاومة شعارا والالتزام قضيّة... إلى بيت السينما العربية والإفريقية أصبح يحّج كل عام صناع السينما إلى بلد طاهر الشريعة الذي لا يحفظ له التاريخ فقط مبادرة التأسيس ليكون مفخرة بين الدول بل يصفّق له طويلا لقدرته على بعث مهرجان له من خصوصية الهوّية ما أبقاه صامدا ومتواصلا ومستمرا...
عاصمة للسينما كانت تونس ولا تزال وهي تحتفل بدورة جديدة من أيام قرطاج السينمائية وتحتفي بفن الصورة والحياة وتنتصر للقضايا العادلة و تدافع عن مبادئ الإنسانية... السينما في كل مكان حولنا في الشوارع والقاعات والجهات والسجون ... و»إذا كنا نحب الحياة... فلنذهب إلى السينما» !
«بلا وطن» من المغرب يفتتح المهرجان:
خصام الجارتين المغرب والجزائر والتمزق بين وطنين
بعد أن كان افتتاح الدورة الفارطة من أيام قرطاج السينمائية بنكهة فلسطينية على إيقاع مشاهد فيلم «كتابة على الثلج» للمخرج رشيد مشهراوي، منح المهرجان هذا العام شاشة افتتاحه للفيلم المغربي «بلا وطن» للمخرجة نرجس النجار.
وقد سبق لهذا الفيلم أن قدم عرضه العالمي الأول في الدورة 68 لمهرجان برلين السينمائي، واختير في قسم «نصف شهر المخرجين» لمهرجان كان السينمائي 2018، و شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان السينما الإفريقية...
ويتناول فيلم «بلا وطن» قضية 350 ألف مغربي تم طردهم من الجزائر سنة 1975 مما تسبب في معاناة إنسانية لا تزال تلملم جراحها وتكفكف دمعها في بحث عن حقوقها المنتهكة وذاكرتها المفقودة ... واختارت المخرجة أن تكون بطلتها هنية، شابّة بلا موطن، تحاول جاهدة البحث عن عائلتها المشتتة على الحدود والممزقة بين وطنين منذ سنة 1975 في الأثناء قصّة حبّ تربك قوانين اللعبة وتحدث الفوضى...
وإن عرف مهرجان أيام قرطاج السينمائية فترات قوّة ودورات تراجع وحياد عن المبادئ فقد أعلن مدير الدورة 29 نجيب عياد الرجوع إلى الثوابت التي تأسس عليها المهرجان سنة 1966 من خلال تأصيل البُعد الثقافي العربي والإفريقي وتعزيز الانفتاح على سينما دول الجنوب باستضافة أربعة بلدان ضمن قسم «سينما تحت المجهر»، وهذه البلدان هي السينغال (إفريقيا) والعراق (الوطن العربي) والهند (آسيا) إلى جانب البرازيل (أمريكا اللاتينية).
9 أفلام تونسية في المسابقات الرسمية:
هاجس اجتماعي وطرح إنساني
في السنوات الأخيرة شهدت السينما التونسية طفرة في الإنتاج ليست فقط على المستوى الكمي بل كذلك على الصعيد النوعي وهي التي كثيرا ما تعود بألقاب التتويج وجوائز التكريم من على منصات أكبر المهرجانات العالمية. وفي مهرجانها وعلى أرضها تخوض الأفلام التونسية غمار المنافسة على التانيت الذهبي لأيام قرطاج السينمائية، وذلك بوجود 9 أفلام في قائمة مسابقات المهرجان من جملة 61 ترشحا.
في صنف مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، تسجل تونس حضورها بثلاثة أفلام وهي «في عينيا» للمخرج نجيب بلقاضي من إنتاج «بروباغندا» ويسرد قصة الأب لطفي الذي يجد نفسه مضطرّا للعودة من فرنسا إلى تونس حتى يعتني بابنه الذي يعاني من مرض التّوحّد، وكذلك «فتوى» للمخرج محمود بن محمود من إنتاج «آر للتوزيع» ويتحدث الفيلم عن أب يعود إلى أرض الوطن لحضــور جنــازة ابنــه مــروان الــذي لقــي مصرعــه فــي حــادث دراجــة ناريــة فإذا به يكتشــف أن ولده الفقيد كان ينشــط فــي خليــة إســلامية متشــددة، فيســعى لفهــم الأســباب التــي دفعتــه إلــى التطــرف... ، أما فيلم «ولدي» للمخرج محمد بن عطية من إنتاج «نوماديس» فيتطرق إلى قصة زوجين اتخذا من ابنهما الوحيد محورا لحياتهما واهتمامهما لكنه يختفي فجأة ليلتحق بالجماعات الإرهابية في سوريا.
أما مسابقة الأفلام الروائية القصيرة، فتضم أربعة أشرطة وهي فيلم «بائع الزهور» للمخرج شامخ بوسلامة (إنتاج خاص) ويتحدث عن بائع ورود يقرّر إحداث تغيير في حياته بعد شعوره بضغط كبير من العالم الخارجيّ ، وفيلم «إخوان» للمخرجة مريم جوبار من إنتاج «سيني تيلي فيلم» حيث يعود مالك شاب الثامنة عشرة ذو الشعر الأحمر إلى قريته مصطحبا زوجة منقبة بعد التحاقه بصفوف المقاتلين في سوريا ليواجه أباه الذي تربطه به علاقة معقدة وفي فيلم «على الخط» للمخرج فوزي الجمل من إنتاج «ماد بوكس» يعود بنا المخرج إلى زمن يومين بعد ثورة 14 جانفي، حيث تتفاقم مشاكل الشابة رملة بسبب اضطراب الأجواء وحالة حظر التجوّل، في حين يتحدث فيلم «أسترا» للمخرجة نضال قيقة من إنتاج «نوماديس»عن اهتمام الأب دالي بابنته التي تعاني من متلازمة داون. ذات يوم، يقرّر الأب اصطحاب ابنته إلى حديقة ملاهي رغم رفض زوجته. هناك، سيجدان عالما غريبا وغير مألوف بانتظارهما. ...
ورشحت لجنة التحكيم فيلما تونسيا وحيدا في مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة وهو «لقشة من الدنيا» للمخرج نصر الدين السهيلي من إنتاج «ديونيسوس» حيث تغوص الكاميرا في أحد أحياء باب الجديد لتسرد قصة رجلين (رزوقة وفانتا) علاقة ممزّقة بين الرومنسيّة والمخدرات والعنف، فيقرّر رزوقة أن يترك فانتا بعد الكثير من النّزاعات بينهما، إلّا أنّه يتراجع عن قراره حين يكتشف مرض صديقه... كما تم انتقاء فيلم وحيد أيضا في مسابقة الأفلام الوثائقية القصيرة وهو «صوف Isme» للمخرج يونس بن حجرية وهو إنتاج خاص يصــوّر مراحــل إعــداد الصــوف لتحويلــه إلــى خيــوط تصنــع منهــا الألبسة تحــت إيقــاع أصــوات الآلات...
ولعل من أهم ملامح هذه الأفلام التونسية اشتغالها على تيمة القضايا الإنسانية والهواجس الإجتماعية ومحاولة تفكيكها لتركيبة الأسرة التونسية الآن وهنا...
ندوة دولية تبحث في أشكال جديدة للتمويل السينمائي
كثيرا ما يقف إشكال التمويل حاجزا وعائقا أمام كاميرا الإبداع السينمائي فيقبر أحلاما فنية ويقتل آمالا إبداعية... وفي دول الجنوب تشكّل هذه المعضلة المنتجين والمخرجين سيفا مسلطا على رقابهم. وفي تونس مثلا لا تتجاوز نسبة مساهمة الدولة من خلال منح الدعم التي تقدمها وزارة الشؤون الثقافية الـ35 % رغم أن هذه الصناعات السينمائية تساهم في تشغيل حوالي 5000 شخص بطريقة مباشرة و25000 شخص بطريقة غير مباشرة. وفي هذا السياق تقترح أيام قرطاج السينمائية يوم 5 نوفمبر 2018على المنتجين والمستثمرين وصنّاع السينما ندوة دولية بعنوان «نحو أشكال جديدة للتمويل السينمائي: S Tax Shelter مثالا» وهذه الآلية الضريبية تمنح امتيازات استثنائية للشركات التي تستثمر في السينما حيث ستهتم هذه الندوة التي يرأسها وزير المالية السابق حكيم بن حمودة ويحضرها كبار المختصين في التمويل السينمائي في العالم بالتعريف بالتجارب الناجحة التي اعتمدت هذا الشكل في دعم صناعات الفن السابع على غرار تجربة بلجيكيا التي تمكنت بفضل هذه الآلية في مضاعفة إنتاجها السينمائي في أقل من 15 سنة.
من شارع الحبيب بورقيبة انطلقت الاحتفالات بأيام قرطاج السينمائية في استهزاء بالإرهاب وصمود في وجه دعاة ثقافة الموت، في المكان ذاته الذي شهد منذ أيام حادثة التفجير الإرهابي رقص الفن وزغردت السينما وأنشدت عصافير الشارع الرمز أن تونس عصية على الأعداء والظلام وستبقى دائما وأبدا بلد الفن والسلم والانفتاح وأنشودة الحياة.
الأيّام في أرقام
• الميزانية: حوالي 4 مليون دينار
• عدد القاعات: 19 قاعة في العاصمة
• عدد البلدان: المستضافة: 47
• عدد العروض: أكثر من 200 فيلم
• عدد الأفلام المشاركة في المسابقات: 44 فيلما
• نقاط بيع التذاكر: 47 نافذة
• سعر التذاكر: 3 دنانير للعموم و1.5 دينار للتلاميذ والطلبة
من هم أعضاء لجان تحكيم المهرجان؟
• مسابقة الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة
المخرج التونسي رضا الباهي
المخرجة والممثلة اللبنانية ديامون أبو عبود
المخرج البرازيلي ليشينو آزيفيد
الناقدة السينمائية ديبورا يانغ
الممثلة السينمائية والمسرحية ميمونة ندياي
المخرجة الفلسطينية مي نصري
المنتجة والباحثة بيتي إليرسون
• مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة والقصيرة
المخرجة التونسية كوثر بن هنية
الناقد السينمائي جيونا أ نزارو
المخرج والمنتج لازا
الفلسطيني رائــد أنضوني المنتج
الباحث والصحفي تيرنو ابرهيما ديا
• مسابقة العمل الأول الطاهر الشريعة
المخرج السينمائي النرويجي هشام زمان
الممثلة الجزائرية نادية قاسي
المخرج بالافو باكوبا-كانيندا
بيان استنكار من جمعية المخرجين السينمائيين
ساعات قبل الافتتاح الرسمي لأيام قرطاج السينمائية أصدرت أمس جمعية المخرجين السينمائيين التونسيين التي يرأسها المخرج مختار العجيمي بيانا جاء فيه ما يلي : «على هامش انعقاد الدورة 29 لأيام قرطاج السينمائية وعلى إثر تلقي الجمعية للعديد من التشكيات وإيمانا منها بضرورة توظيف فعاليات المهرجان لخدمة صانعي الأفلام التونسية تعبر الجمعية عن استياءها للتهميش الحاصل في التعامل مع المخرجين التونسيين و تطالب بتدارك التقصير لضمان حضور فعال للمخرج التونسي وأسفها لعدم تمكينها من تنظيم اللقاء المعتاد بين المخرجين التونسيين وزملائهم العرب والأفارقة والذي اعتادت على تنظيمه خلال المهرجان وتعتبره إقصاء لا مبرر له.
وتأمل أن تتظافر الجهود لتوفير فضاءات للاهتمام بمشاغل المخرج التونسي و التي من أهمها البطالة المتواصلة بسبب قلة فرص الإنتاج و التمويل.»
افتتاح مهرجان أيام قرطاج السينمائية: وتبقى تونس عاصمة سينما المقاومة وكاميرا القضايا العادلة
- بقلم ليلى بورقعة
- 11:34 05/11/2018
- 990 عدد المشاهدات
53 سنة هو عمر أوّل مهرجان سينمائي في تونس وإفريقيا وأعرق مهرجان للفن السابع