بعد أن أثار الجدل وأسال الحبر وصار حديث الشارع السينمائي وأصبح قضية المجتمع المدني تخوّفا من عودة الرقابة على الفن وتنديدا بانتهاك حرية التعبير والإبداع وتحذيرا من خرق مبادئ التصوير...
ردّا على قرار والي قبلي سامي الغابي بمنع تصوير بعض المشاهد من فيلم «عزيز» للمخرج مهدي البرصاوي في قرية قصر غيلان وبدعم من الائتلاف المدني للدفاع عن الحريات والمنظمات المهنية وممثلين عن المجتمع المدني عقدت «مؤسسة سينيتيليفلم» وشركاؤها ندوة صحفيّة يوم أمس في مقر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين للتوضيح والكشف عن ملابسات القضية...
مغالطات وروايات مجانبة للصواب
بعد أن حطّ فريق فيلم «عزيز» الرّحال في منطقة قصر غيلان بولاية قبلي وأمضى أسبوعين في تجهيز الديكور تحضيرا لتصوير بعض المشاهد التي قد لا تستغرق أكثر من يوم واحد فقط، وجد أصحاب الفيلم أنفسهم في التسللّ بعد أن منع والي قبلي التصوير بحجة احتواء الفيلم على مشهد «إنزال الراية الوطنية ورفع علم داعش».
وبعد أخذ وردّ ومراسلات وبيانات... لم يتغير شيء ولازال قرار الوالي بمنع التصوير قائما إلى حدّ اليوم. وهو ما دفع أصحاب الفيلم إلى عقد ندوة صحفية للتوضيح والتنديد ... وفي هذا السياق قال المنتج حبيب عطية: «جبنا عدّة مناطق للتصوير في عديد الولايات على غرار تونس وبن عروس وأريانة وتطاوين... ولم نتعرّض إلى أية صعوبات أو عراقيل إلا في قبلي. لم ننتقل إلى هناك دون تحضير أو استعداد بل تحصلنا على تراخيص قانونية للتصوير من وزارة الشؤون الثقافية أوّلا باعتبارها سلطة الإشراف ثم من وزارتي الصحة والتعليم باعتبار أننا اخترنا التصوير في مدرسة ابتدائية ومركز للصحة الأساسية في قصر غيلان من معتمدية دوز الشمالية في صحراء قبلي. كما راسلنا والي قبلي لإعلامه بموعد التصوير
ولطلب تسهيل مهمتنا فطلب منا الإمضاء على محضر نلتزم فيه بالحفاظ على المكان وإرجاعه كما كان قبل التصوير فلم نر مانعا في ذلك... ولكن في الموعد المحدد للقاء تغيّب الوالي وتجنّب الرد على مكالمتنا لأيام حتى كانت المفاجأة المحبطة للعزائم والمخيّبة للآمال ! لقد تأخر الوالي في الرد ليأتي جوابه في مراسلة مقتضبة عن طريق الفاكس اكتفى فيها بالقول: «يتعذّر الاستجابة لطبلكم»! هكذا دون تفسير أو الإعلام عن سبب الرفض. وبعدها فاجأنا مرّة أخرى بالظهور في وسائل الإعلام ليعلن عن السبب الذي حجبه عنا ألا وهو «عدم السماح بإنزال العلم التونسي ورفع علم داعش الارهابي» ولكن هذا الادعاء خال من الصحة ومجانب للصواب فلا وجود لهذا المشهد مطلقا في سيناريو الفيلم باعتبار أن أحداثه تعود إلى سنة 2011 أي قبل ظهور داعش الارهابي!».
خسائر مالية وأضرار معنوية
مثّل تعطل مسار تصوير فيلم «عزيز» بسبب قرار والي قبلي خسارة كبرى لمنتجي الفيلم تقدّر بالملايين حسب المنتج حبيب عطيّة الذي كشف أن ميزانية الفيلم تبلغ 4 مليون دينار. كما اعتبر أن هذا القرار بمثابة الضربة الموجعة لسمعة السينما التونسية التي تحصد نجاحا وتتويجا في كبرى المنصات والمهرجانات السينمائية سيّما وأن فرنسا هي شريك في إنتاج الفيلم وقد استغرب شركاء الفيلم من الأجانب أن يكون التصوير في تونس صعبا لهذه الدرجة وهي التي كانت في الثمانينات قبلة المخرجين ومقصد الأفلام العالمية !
وفي لهجة استغراب واستنكار أضاف مدير إنتاج الفيلم خالد البرصاوي بالقول : «من العار أن تقصف بعض الأطراف أحلام الشاب المبدع وتقف عائقا دون طموحهم بدل تشجيعهم والأخذ بيدهم لما فيه خير السينما التونسية. وكيف لمسؤول أن يمنع تصوير بعض المشاهد في منطقة صحراوية مهمشة قد تصبح مشهورة ووجهة مطلوبة بعد بث الفيلم في تونس وخارجها؟ أليس حلول فريق الفيلم بقصر غيلان من شأنه أن يكون قادحا لتنشيط الحركة الاقتصادية والسياحة بالمنطقة؟ إذا بأي حق يمكن لوالي قبلي أن يكون ضد التنمية والسياحة والثقافة؟».
صمت غير مبرّر... ولجوء إلى القضاء
منذ أن تكلّم والي قبلي ليعلن بنفسه عن قراره في منع تصوير فيلم «عزيز» حتّى قبل أن يكشف أصحاب الفيلم ذلك وتتالت التنديدات والاستنكارات بمثل هذه القرارات التي تعيدنا إلى خانة الصنصرة و تحلينا على ممارسات انتهاك حريات التعبير والإبداع... وقد سارع الائتلاف المدني للدفاع عن حرية التعبير بدعوة رئاستي الجمهورية والحكومة للتدخّل لأن «هذه الممارسات تحدّ من حرية التعبير والإبداع التي يكفلها الدستور التونسي سيما وأن الشريط قد سبق أن حصل على الرخصة القانونية للتصوير من قبل الجهات المُختصّة حسب الإجراءات الرسمية الجاري بها العمل، كما انتفع بدعم ماليّ من الدولة». وبالرغم من كثافة المراسلات في الغرض إلى وزارتي الشؤون الثقافية والداخلية ورئاستي الحكومة والجمهورية... فلا من مجيب !
وأثناء الندوة الصحفية جدّدت كل مكونات المجتمع المدني والمشهد السينمائي استنكارها لتعنّت والي قبلي في منع تصوير بعض المشاهد من فيلم «عزيز» رغم محاولة مدير الإنتاج خالد البرصاوي في الوصول إلى حل توافقي وتبديد شكوك الوالي ... واعتبرت أن ما أتاه الوالي «يمثّل مؤشرا واضحا لضرب حرية التعبير و إرباك الإنتاج الثقافي و الفني والإبداعي كما يعتبر سابقة خطيرة يأتيها مسؤول عن الدولة مُؤتمن على التنمية ورعاية المسار الديمقراطي والالتزام بمبادئ دستور الجمهورية.»
وقد كشف المنتج حبيب عطية أنه تم رفع قضيتين ضد والي قبلي، الأولى استعجالية لإيقاف قرار منع التصوير والثانية للتعويض عن الخسائر المادية و الأضرار المعنوية التي تكبّدها فريق الفيلم محذرا من مغبّة انتشار حدوث مثل هذه الممارسات مع أفلام أخرى أو أعمال فنية في المستقبل لأنها تهدّد الفن وتتربّص بالثقافة والإبداع.