بيت الشعر التونسي: الشعر الشعبي مطية للحلم والمقاومة

انفتح البيت على كلّ الشعراء، اعطى الفرصة لكل عشاق الكلمة ليبدعوا ويمتعوا المستمع بأجود الكلمات، «كلمات»

في دورتعها الثانية تقدم الفرصة للشعراء الشعبيين ليمتعوا اذن المستمع ويصاحبوه في جولة في ربوع الشعر الشعبي وسحر كلمته، كلمات باللهجة الدارجة كلمات مختلفة اختلاف شعرائها وقوالتها وجهاتهم، كلمات غزلية وأخرى سياسية وثالثة نقدية واخرى تصف لواعج المحبّ ورابعة تصف الوطن وتقدم جماله.
في رحاب بيت الشعر كانت الرحلة مع الكلمة الشعبية وجمالها، رحلة شعرية اشرف على تقديمها الاعلامي حاتم الغرياني تقديم لذيذ ومختلف اعتمد فيه على ما تجود بيه قريحته من الشعر لتكون الامسية تونسية الروح والكلمة تلقائية وبسيطة تخاطب وجدان الحاضرين جميعهم.

الشاعر الشعبي تلقائي وصادق
هنا المدينة العتيقة بكل زينتها وبهائها مساء شتوي زادته الوان المدينة سحرا، جولة من سوق الشواشين وصول إلى نهج التريبونال، لكل باب حكاية لكل لون قصته، هنا باب ازرق كبير جمع لوني السلام و السماء ليكون بيت الشعر كما السماء منفتحا على كل محبيه ومحبّي الكلمة، هنا بيت الشعراء بيت الحالمين بيت محبي الكلمة و الحالمين بتفوقها، في بهو بيت وضعت الكراسي لتستقبل محبّي الشعر الشعبي فاليوم الثاني من «كلمات» اهتم بالشعر الشعبي بمحبيه وقائليه و المتميزين في بحوره وأوزانه.

كلمات موجعة وأخرى رقيقة كلمات تنبع من تلقائية صاحبها وارتباطه بالأرض و المكان، فالشعر الشعبي يولد اساسا من فطرة القوال فهو تعبيرة تلقائية وصادقة عن خلجات النفس و ما تعانيها تقال لمرة ثم تنسى، لذلك هي اكثر التصاقا بالذات البشرية ومتماهية تماما مع ما يعيشه صاحبها فلحظات السعادة لها شعرها الخاص وللترح وجيعته .
ويعرف الشعر الشعبي أنه « الشعر الذي لهجته العاميّة وموضوعاته شواغل النّاس اليومية مع ارتباطه بالغناء، وهو ثمرة الارتجال، وينتسب عمليا إلى نوع من الأصل المشترك، تغنيه أجيال الشعراء والمغنين، ولكن بإمكان أي واحد استلهامه.وهو ينتقل أساسا عن طريق الرواية الشفوية، وتبقى الذاكرة الشعبية أهم ما يحفظ لنا التراث الشعري».
وقديما لم يكن للشاعر الشعبي وظيفة، فهو بدوي مغمور او فلاح او جبلي من بيئته يقول اجمل الكلمات وارقها واعذبها، تلقائي في التعامل مع الاحداث و المكان ومن تلقائيته تولد اجود القصائد التي تردد في الاعراس والاهازيج قصائد شفوية يحتاجها صاحبها ليفرج كربه ويعبر عن خلجات الذات احتياج بشير عبد العظيم للكلمة في قوله:

نحتاجلك زي ما احتاج الليل للنجمات
ونحتاجلك زي ما احتاج القلب للنبضات
ونحتاجلك زي ما احتاج الغصن للورقات

فالشاعر الشعبي كلماته تلقائية، كلمات تنبض بالحب وتحدثك عن خلجات الروح بعيدا عن الكلمة الاكاديمية و الاوزان لذلك تنعكس مباشرة على المستمع وتخترق الروح فكلمات الحب عادة ما تصبح اجمل الاغاني كتلك التي يقول فيها احمد البرغوثي:

يا بنت زينك غلب من ايقايس
وغثيث مايس

مظلّم يماثل ظلام الغلايس
يا بنت زينك غلب من ايوصّف
لباسك منصّف

ومضحك إذا بان للشّمس تكشف
تحلف كما عقد جوهر مرصّف»

وجاء في موسوعة الادب الشعبي ان للشعر الشعبي التونسي أوزانه الخاصة، وهي تختلف عن الأوزان الخليلية، ويعود ذلك إلى اللّهجة العاميّة، فالتفاعيل القديمة بنيت على لغة تشتمل على أسباب وأوتاد وفواصل، أي «حركة وسكون - أو حركتان وسكون، أو ثلاث حركات وسكون». أما اللهجة التونسية الدارجة فلا تشتمل إلاّ على الأسباب والأوتاد، أي «حركة وسكون - أو حركتان وسكون»، ولذلك لا نستطيع أن نضبط أوزانه إلاّ بالايقاع، واهمّ اوزان الشعر الشعبي المعروفة هي القسيم و الملزومة و المسدس والموقف.

جولة مع الكلمة في ربوع الوطن
الشعر الشعبي ميزته كلمة بسيطة تخترق الروح لتعانق السماء في انفتاحها، في كلمات كان اللقاء مع قراءات لعدد من الشعراء الشعبيين الذين ساهموا في اثراء موسوعة الشعر الشعبي بتونس، لقاء مع شعراء اختلفت انتماءاتهم الجغرافية شعراء صنعوا من بيئتهم ملحمة قدموها بالكلمة، من بني خداش وجبالها حدثتنا عائشة الجباهي عن الشهامة وقساوة الجبل ومن جبال مدنين خاطبت الشعانبي و السلوم وسمامة، ومن رحم رمال الصحراء ولدت كلمات بلقاسم عبد اللطيف مناشدا شمس الحرية الا تغيب محدثا الحضور عن امتداد الصحراء وبهائها.
من الجنوب ايضا حديث عن الشهامة عن الوطن عن جبنيانة وبيئتها المتمردة والثائرة التقى الجمهور مع كلمات عادل الجبراني، من جبنيانة الى حاجب العيون وسحر كلمات حليمة بوعلاقي وكلمات تعارض فيها الكبير احمد البرغوثي ، في رحاب القيروان ايضا كلمات متمردة رافضة للظلم صارخة بكل تباشير الحرية، صرخات نفس عزيزة ترنو الى الشهامة شربت حليب العزة منذ النعومة كلمات قالها الشاعر القيرواني جابر المطيري فعودة الى الجبال واهازيجه الحب فيها رحلة في المناطق الحدودية وقصص الحب في ماجل بلعباس يقولها احمد العباسي.

الوطن مقدس والكلمة كذلك
كلماته تنبع من حلّ ذاتي للشعر والكلمة الصارخة والمتمردة، من حب الوطن يصنعون قصائد جميلة جمال عقد لؤلؤ يزين عنق شامة، في حبّ الوطن و نقد ما يعانيه يقول عادل الجبراني
ليام دارت عالعرب الكل، كل يوم منها نشوفو غرايب، تاملت شفت الوضع وين وصل، وبحثت نلقاش للفشل اسبايب، نلقى الي كنت مصنفه محتل/ صرنا معاه اليوم عز حبايب، والجهل هو سبب كل مصايب، الي تكون دولة تصير زوز دول، في بلادنا كل شيء محتمل، بعد الوحم تزيد تولد شايب».
قصيد نقدي ينقد فيه الشاعر حال البلاد بعد الثورة، يستغرب من سرقة الشيوخ لاحلام الشباب وطموحهم، قصيد ينقد فيه كلّ ماسي الشعب التونسي بعد الثورة محمّلا الطبقة السياسية مسؤولية مايعيشه الوطن من هنات.
من يقول الصحراء ودوز يقول «طبة وماقريناش الطب» القصيد الذي يحفظه محبو الشعر الشعبي وفي رحاب بيت الشعر أطلق بلقاسم عبد اللطيف العنان للسانه ليقول اجمل الكلمات، بلباس عصري ومحافظة على اللحفة الجنوبية قال عبد اللطيف ونادى شمس الحرية الا تغيب في قوله:

بالله يا شمس لا تتركينا و لا تهجرينا عالزهو و النور رانا خذينا
بالله يا عالية يا بعيدة وحدك فريدة ما طال ليلمسك حد بيده
تضوي على الكون ونتي سعيدة بنورك وقيدة تجلي ظلام الليالي الكسيدة
فيك الأمل و الرجاء و العقيدة و ما تفارقينا و لا تغيبي يوم وجهك علينا.
الشمس هنا هي الضمائر التواقة الى الحرية، الشمس ترمز الى الثورة و الكرامة و الصدق، الشمس هي وطن منشود يدعو اليه بلقاسم عبد اللطيف في شعره.

عائشة الجباهي شامة
في الشعر الشعبي
تلقائية كطفلة صغيرة، تحادث الجميع وتخاطب الكل دون وجل، لباسها مميز حافظت فيه على هويتها وموروثها، بحرام برتقالي اللون وضفائرها الجميلة وغطاء الراس التقليدي «البخنوق» جاءت من هناك، من جبال بني خداش الى مدينة الشعر لتقول اجمل الكلمات، عائشة الجباهي اسن او علامة في الشعر الشعبي في الجنوب الشرقي يعرفها كل عشاق الشعر ومحبيه هناك، جاءت الى العاصمة مشحونة بكل كلمات الحب لتقول الشعر وتغني كما تفعل في بيتها دون خجل او ارتباك، سيدة تونسية امراة زادها وشامها بهاءا حافظت على الخرس في اذنيها و حافظت على هويتها في لباسها وكلمتها، عايشة الجباهي الام والشاعرة هي رمز للوطن ولقداسة المرأة التونسية المتمسكة بكل تفاصيلها وتقاليدها، هي شمعة للابداع غنت للحب و قالت اجمل الكلمات النابعة من جبال بني خداش مخاطبة جبال الشعانبي والسلوم وسمامة، في بيت الشعر كانت عايشة الجباهي سيدة المكان وسيدة الكلمة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115