تهشيم رخامة تحمل إسم الشاعر أولاد أحمد بمدرسة في سيدي بوزيد: خبطة «عروشية» أم جريمة إيديولوجية؟

إلهي أعنّي عليهم لقد عقروا ناقتي وأباحوا دمي في بيوت أذنت بأن لا يراق دم فوق سجّادها... إلهي أعوذ بك الآن

من شرّ أهلي...» أبيات صدح بها الراحل محمد الصغير أولاد أحمد في واحدة من أروع قصائده وكأنه كان على علم بأن من أفتوا بهدر دمه في حياته سيظلون ينصبون المشانق لاسمه وذكراه في مماته. ومن الغرائب والعجائب أن يصدر هذا العداء عن بعض من أهل مسقط رأس أولاد أحمد وموطن مهده وصباه، ألم يقل الشاعر طرفة بن العبد: «وظلـم ذوي القربـى أشــدُّ مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند»؟ 

يوم 5 أفريل من سنة 2016 غادرنا محمد الصغير أولاد أحمد مودعا إيّانا وصيته الأخيرة
وتونس الشاعرة التي أحبّها «صباحا ومساء ويوم الأحد» بعد كرّ وفرّ مع النظام وتجار صكوك المغفرة الذين حملهم الحقد والجبن على محاربة اسم شاعر ميّت وانتهاك حرمة الموت !

أرملة الشاعر تتهم... وترفع قضية عدلية
هي مجرّد رخامة تحمل اسم الشاعر الصغير أولاد أحمد في مدرسة بقرية النوايل من معتمدية بئر الحفي بولاية سيدى بوزيد استفزت بعض المستلمين إلى الجهل والقابعين في ظلمة العصور القروسطية فإذا بهم ينهالون بسيوف التخلف على لافتة تحمل ذكرى «شاعر البلد» تحت غطاء «العروشية» وعن تفاصيل الحادثة روت لـ «المغرب» أرملة الراحل زهور أولاد أحمد مايلي :»إثر رحيل محمد الصغير أولاد أحمد ارتأى وزير التربية السابق ناجي جلول أن يطلق اسم الشاعر الكبير على المدرسة الابتدائية التي زوال فيها تعليمه بقرية «النوايل» بولاية سيدي بوزيد تكريما للفقيد وتثمينا للذاكرة... ولم أكن أتصوّر أن يصل الكره والحقد ببعض النفوس المريضة إلى الاعتداء على حرمة ميّت في حركة جبانة يندى لها الجبين حيث أقدم بعض الأهالي على إزالة اللافتة التي تحمل اسم الشاعر محمد الصغير أولاد أحمد وتكسير الرخامة التي نحت عليها اسمه! أما عن السبب فهو «ربّ عذر أقبح من الذنب» حيث قيل لي بأن الأهالي رفضوا أن يطلق على مدرستهم اسم شاعر ليس من عرش»النوايل» في عودة مقيتة لعقلية القبيلة ومنطق العروشية ولكني أكاد أجزم بأن السبب الحقيقي لمعاداة أولاد أحمد واقتراف هذه الجريمة في حقه منطلقه إيديولوجي وإن تخفّى بقناع العروشية».

وتوجهّت زهور العربي باللوم إلى المندوبية الجهوية للتربية بسيدي بوزيد والسلط المحلية بمعتمدية بئر الحفي لصمتها عند وقوع هذه الحادثة فقد طالبت وزارة التربية ووزارة الشؤون الثقافية والاتحاد العام التونسي للشغل والمجتمع المدني بما في ذلك اتحاد الكتاب التونسيين ونقابة الصحفيين التونسيين ورابطة الكتاب الأحرار وبيت الشعر التونسي والأحزاب السياسية والعقلاء من أهالي سيدي بوزيد بالتصدّي إلى مثل هذه الحركات التي تؤجج الصراع والفتن بين أفراد المجتمع التونسي. 
وقد أكدت أرملة الشاعر الراحل أولاد أحمد أنها لن تصمت على الإهانة التي لحقت بشاعر البلد وسترفع قضية عدلية في الغرض.

 هل أن مدرسة «النوايل «خارج سيطرة الدولة!
في الوقت الذي كان فيه من المفروض أن تفتخر فيه سيدي بوزيد وترفع رأسها عاليا لأنّها أنجبت شاعرا خالدا بقيمة محمد الصغير أولاد أحمد، يتعمّد البعض الإساءة إلى التاريخ والشعر والذاكرة في جهل تضحك منه الأمم. وبعد أن استخسرت أطراف ما على «شاعر البلد» لافتة ورخامة تحمل اسمه وانتهكت حرمة مؤسسة تربوية لتفتي وتحرّم وتحلّل على كيفها ... اتصلت «المغرب» بالمندوبية الجهوية للتربية بسيدي بوزيد مستفسرة عن حيثيات الحادثة وسبب الصمت عن هذا الاعتداء الخطير، فأوضح المكلّف بالإعلام بالمندوبية عبد الحكيم خصخوصي بالقول: « من الغريب أن أهالي منطقة النوايل استقبلوا تسمية المدرسة باسم الشاعر الراحل محمد الصغير أولاد أحمد بالترحاب سيّما وقد تمتّعت المدرسة بمساهمات وتجهيزات من طرف المجتمع المدني إكراما لروح أولاد أحمد، فإذا بهم بعد أشهر يتحوّلون في موقفهم من القبول إلى الرفض بحجة أن الفقيد غريب عن عرشهم ولعل بعض الأطراف أوعزت إليهم بذلك. ولم يكن في وسعنا كمندوبية سوى إبلاغ الوحدات الأمنية بما حدث سيّما وأننا نعاني من ويلات العروشية التي عطّلت التحاق معلمين نواب بمدرسة النجاح ببئر الحفي بحجة عدم انتمائهم إلى المنطقة ولعل الحلّ في الاجتماع بـ»كبار» المنطقة للوصول إلى حلّ سلمي !».

محاربة ذكرى الشاعر من القيروان إلى سيدي بوزيد
هي ليست الحادثة الأولى التي يحارب فيها البعض الشاعر محمد الصغير أولاد أحمد حتى بعد موته فقد سبق وأن كشف لـ»المغرب» الأستاذ الهادي إسماعلي عن حادثة جدت يوم السبت 19 أوت 2016 تتمثل في أن المكلّف بتوزيع كتابه الأخير «أولاد أحمد شاعر البلد» قد أعلمه أن هذا الكتاب النقدي الذي حاز على إعجاب المهتمين بالشأن الثقافي وروجت له جل وسائل الإعلام باعتباره أول كتاب نقدي يعيد الروح إلى الإبداع التونسي من خلال لفتة خاصة لشاعر البلد أولاد أحمد، لم يجد له مسلك رواج في مدينة القيروان عاصمة الثقافة التونسية. وذلك بعد أن رفض صاحب أهم مكتبة لبيع الكتب الثقافية في وسط القيروان التزود ولو بنسخة واحدة من هذا الكتاب وأشاح بوجهه وازور من صورة أولاد أحمد التي كست صفحة الغلاف الخارجي رافضا قبول هذا الكتاب أو حتى لمسه بيده أو النظر في محتواه، قائلا بأنه لا يتعامل مع هذا النوع من الكتب وأن هذا الشاعر كافر لا يؤمن بالله سبحانه وأنه غير مستعد لترويج الآثام التي يكتبها».

ويعود الفضل في كشف حادثة مدرسة سيدي بوزيد إلى كاميرا المخرج التونسي فوزي شلبي الذي يعكف منذ 3 سنوات على إعداد فيلم حول سيرة محمد صغير أولاد أحمد من المهد إلى اللحد . وفي هذا السياق صرحت لنا لنا أرملة الفقيد بالقول : «كنت أنا آخر المحطات وخاتمة الشهادات التي يجمعها المخرج فوزي شلبي فإذا به يحدثني في الساعات الأخيرة عن واقعة مدرسة النوايل التي اكتشفها بنفسه أثناء تصويره للمدرسة الابتدائية التي تعلّم فيها أولاد أحمد ويا ليتني ما سمعت هذا الخزي والعار».

ويستوحي فيلم المخرج فوزي شلبي عنوانه من قصيد أولاد أحمد «اللهم أعنّي عليهم».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115