تحتية مهترئة وفضح تلاعب بعض المسؤولين بصفقات الطرقات والأرصفة بل أيضا في إماطة اللثام عن المستور في أعماق النفوس وخفايا الذوات... الكتب في نابل كما المهندس بالمعهد الوطني للرصد الجوي عبد الرزاق الرّحال كانا أيضا من «ضحايا» الأمطار الطوفانية الأخيرة في ولاية نابل.
خلّفت فيضانات ولاية نابل ضحايا وخسائر مادية وأضرار فلاحية، كما سجلت هذه السيول الجارفة حادثتان سرقتا الاهتمام ومحاور الحديث... وإن اختلفت المواقع وتباينت المواقف ما بين الواقعتين.
منذ سنوات كبرت الأجيال على صوت المهندس عبد الرزاق الرحال متحدثا باسم المعهد الوطني للرصد الجوي ومنبئا عن أحوال الطقس ... وإن كان الرجل قد برع في توظيف أبيات الشعر العربي و اللعب على أوتار «الطرافة والظرافة» فقد خانه لسانه هذه المرة وعادت عليه محاولة التدخل الرشيق بالوبال!
لا أحد يدري أي «مسّ» أصاب المهندس عبد الرزاق الرّحال فإذا به يهنئ على موجات إذاعة «راديو ماد» عائلات الضحايا الذين جرفتهم الأمطار بأن أمواتهم شهداء عند الله، بل انبرى يردد في هوس «هنيئا لهم...هنيئا لهم» ويكرر ويعيد أن الفتاتين الراحلتين بما هما «نوّارتين» لا تليقان بالأرض بل مكانهما حوريات في الجنة! وفي لحظة تخمّره بالشهادة والحوريات تمنّى المهندس لو كان فقد أحد أبنائه ليكون له شرف الموت غرقا!
وبعد أن خلع هذا المهندس عنه صفة رجل العلم والهندسة ولبس جبّة الداعية والمبّشر بالجنة فقد كان قرار إيقافه عن العمل أمرا متوّقعا حتى لا تحيد بوصلة النشرة الجوية عن آلياتها وأدوارها العلمية البحتة.
كانت الصورة أبلغ من التعبير بالكلمات عن حرقة أمينة مكتبة عمومية اعتنت بكتبها لسنوات كما تهدهد الأم صغارها ما بين حلم وعمر... فإذا بمطر يأخذهم إلى موت ! لقد بكت بسمة الزياني بلوعة «موتاها» من الكتب التي أغرقتها الفيضانات بمكتبة سليمان من ولاية نابل ، وفي وجع أحصت أمينة المكتبة حوالي 5000 كتابا كان التلف مصيرها وقد شوّه الوحل ملامحها وغيّب عناويها... في زمن صار فيه الكتاب بدوره يموت «شهيدا» بذنب سياسات وحكومات !
أمام دموع هذه المرأة التي بكت بصدق كتب سهرت على العناية بها في حنو وعطف لسنوات وأجيال، أطلق الأستاذان الجامعيّان محمد حمزة ونادر الحمامي حملة «لتمطر كتبا» قصد جمع تبرعات من الكتب تعيد الحياة إلى المكتبة العمومية بسليمان. وقد حصدت هذه الحملة تفاعلا كبيرا لأنها تطمح إلى بناء الإنسان وتعمير الأرض بالعلم والمعرفة ولم تستدع حوريات الجنة ولم تستعجل الشهادة ولم تستنقص الحق في الحياة.