مدير أيام قرطاج الثقافية للإبداع المهجري محمد أحمد القابسي لـ«المغرب»: الثقافة هي الطريق لتوطين الديمقراطية

في المهجر أدباء وشعراء ورسامون وفنانون... غادروا الديار وبدّلوا المقام ولكن بقي الوطن

مقيما عندهم وساكنا فيهم، فإذ ا به يلوّح لنا بكلتا يديه من وراء ألوان لوحة تائهة في الزحام وإذا به يطلّ علينا في صورة الأم والحبيبة والثورة من بين سطور رواية لبست غلاف البلد الآخر... هو هذا الوطن البعيد - القريب الذي يفوح عطر ياسمينه من القصائد المغتسلة بالعطور الباريسية وتتصاعد أنفاسه مع أوتار الموسيقى المنبعثة من الآلات الغربية. لولا فسحة الفنّ لكان للغربة عن الوطن والاغتراب عن الجذور طعم أمرّ ووقع أقسى ... وفي هذا السياق يأتي ميلاد الدورة التأسيسية لأيام قرطاج الثقافية للإبداع المهجري ليكون همزة وصل بين تونس ومبدعيها بالمهجر تحت إدارة الكاتب والشاعر والمستشار الثقافي بوزارة الشؤون الاجتماعية محمد أحمد القابسي الذي باح لـ«المغرب» بفلسفة هذه الأيام ومحطاتها وضيوفها... فكان الحوار التالي:

• أيّة فلسفة كانت وراء بعث أيام قرطاج الثقافية للإبداع المجهري وما هي دواعي بعث هذه التظاهرة التي ستتواصل من 13 إلى 19 أكتوبر 2018 بمدينة الثقافة ؟
يأتي الإعلان عن ولادة أيام قرطاج الثقافية للإبداع المهجري في إطار البعد التشاركي للثقافة الذي هو رهان جديد جاء به وزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين. كما آمن به وزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي الذي أدخل مقاربة جديدة في وزارته تراهن على دور الثقافة في التنمية الاجتماعية مستحدثا خليّة ثقافية تسهر على وضع إستراتيجية لتحريك المؤسسة من الداخل ومنحها إشعاعا أوسع وعطاء أكبر، وحث العامل على الخروج من طور الآلة إلى مرحلة الخلق والإبداع ضمن ما سمّى بثقافة المدن العمالية. وعلى صعيد آخر فإن من دوافع تأسيس هذه «الأيّام» ترجمة المقاربة الجديدة للدولة التونسية في التعاطي مع ملف الهجرة. فلا شك أن مهاجر اليوم لم يعد ذاك المرتحل من بلده في سنوات الستينات والسبعينات بل تغيرت المعادلات في ظل التحولات التي تعرفها ظاهرة الهجرة فصرنا نشهد هجرة الكفاءات والأدمغة. كما أصبح لنا جيل ثان وثالث من المهاجرين ممن ولدوا خارج الوطن ولكنهم للأسف يفتقدون إلى الروابط الوجدانية واللغوية مع البلد الأم ويتخبّطون في أزمة هوية. في هذا الإطار، تخلت مراكز الشؤون الاجتماعية بالخارج عن وظائفها التقليدية وغيرت من تسميتها لتصبح المراكز الاجتماعية الثقافية والتي تحتوي على أقسام لتعليم اللغة العربية وفضاءات لاحتضان التظاهرات الثقافية.

على ضوء كل هذه المعطيات، فإن أيام قرطاج الثقافية للإبداع المهجري تأتي تتويجا لاتفاقية الشراكة بين وزارتي الشؤون الثقافية والشؤون الاجتماعية بتاريخ 22 ماي 2017، وتنفيذا للمبدأ الدستوري الذي ينص على الحق في الثقافة لكل التونسيين بما في ذلك 12 % منهم يعيشون في الخارج. هناك في المهجر رموز إبداعية ساطعة وأسماء فنية لامعة من حقهم علينا الاعتراف بهم وتكريمهم و ربط الصلة بينهم وبين أبناء وطنهم ...

• من هم المبدعون والفنانون الذين سيحلّون ضيوفا على «الأيّام» وعلى أيّ أساس تمّ انتقاؤهم ... وماذا عن ملامح البرمجة وتفاصيل التظاهرة؟
لقد أعلنا عن فتح باب الترشح لأيام قرطاج الثقافية للإبداع المهجري عن طريق هياكل وزارة الشؤون الاجتماعية بالخارج والبعثات الديبلوماسية وعبروسائل الاتصال الحديثة . فتلقينا 300 ترشيحا في مختلف مجالات الفنون من كلّ القارات. فكانت معاييرنا محاولة التنويع على مستوى التوّزع الجغرافي لتشمل الأيام أكثر عدد ممكن من البلدان. طبعا كان لابد أن يكون الاختيار لأسماء الفنانين والمبدعين على أساس توّفر شرط الكفاءة والمسيرة الثرية نجاحا وانتشارا وتتويجا ... ثمّ لم يكن أمامنا سوى التصرف في إطار ميزانية مضبوطة لذلك استحال علينا مثلا استقدام الفنان التونسي الشهير «غالي» أما عجزنا عن تلبية شروط عقده المجحفة وهو الذي طلب 90 ألف أورو مقابل حفله بتونس !

واستثمارا لخبرتي الطويلة في المنظمات الإقليمية والعالمية وبعد أن قضيت ثلاثين عاما في منظمة الألكسو، كان طموحي تنظيم تظاهرة غير تقليدية وغير كلاسيكية في عناوينها ومضامينها... من ذلك عدم الاقتصار على محور واحد بل الاتساع لأكثر من مسار والانفتاح على أكثر من فنّ. وستشهد الدورة الأولى للأيام حفلات موسيقية غنائية ولقاءات أدبية وشعرية ومعارض للفنون التشكيلية والنحت إلى جانب عروض سينمائية تناولت ظاهرة الهجرة. كما ستحتفي الأيام بفن الموضة الذي يصنع مجده مصممون تونسيون في الخارج على غرار الراحل عزالدين عليّة...

وبإمضاء الفنانة المهاجرة بأمريكا آمال المثلولي سيكون الافتتاح اعتبارا لرمزية هذه الفنانة التي اقترن اسمها بالغناء للثورة والتي رافقت الرباعي الراعي للحوار عند تسلمه لجائزة نوبل للسلام بأوسلو، أما الاختتام فسيكون على إيقاع حفل ثنائي بإمضاء كل من عماد العليبي وخالد بن يحيى. ولن يقتصر المهرجان على العروض بل سيكون منبرا لتطارح ثلاث ندوات فكرية تهتم بمواضيع: «الإبداع من البلد الأم إلى المهجر» و«أن تكون إعلاميا في البلد الآخر» و «الاستثمار الثقافي».
على منصة التكريمات ستمنح أيام قرطاج الثقافية للإبداع المهجري الورود والأوسمة إلى مبدعين من مختلف المجالات على غرار درة زروق وشوقي الماجري وأحمد الحفيان والكاتبة فوزية الزواري والأديب الطاهر بكري وغيرهم ...

• هل من فكرة عن ميزانية أيام قرطاج الثقافية للإبداع المهجري، وهل تفي هذه الموارد المالية بالغرض؟
من الطبيعي أن الدورة التأسيسية لن تكون كاملة الأوصاف في مواجهة عراقيل مادية وصعوبات تنظيمية لكن يكفينا شرف التأسيس ووضع حجر الزاوية ليكمل من بعدنا أولادنا الطريق ويحملون المشعل بدلا منا. أما بخصوص ميزانية المهرجان فلا تتجاوز 300 ألف دينار متأتية أساسا من وزارة الشؤون الثقافية التي منحتها مبلغ 200 ألف دينار فيما خصصت لنا وزارة الشؤون الاجتماعية مبلغ 100 ألف دينار... ولكن أحيانا يكون الخيال والحسّ الإبداعي أهمّ من رأس المال.

• ماذا عن مساعيكم لتغيير وجه الدبلوماسية الثقافية لتكون بحق جسرا لإرساء دعائم «القوة الناعمة»؟
نحن في اشتغال حثيث على موضوع الدبلوماسية الثقافية بالتعاون مع منظمات الاتحاد الأوروبي، فقد أصبحت الثقافة معطى هاما في منوال التنمية والعلاقات بين الدول لم تعد تربطها مجرد روابط اقتصادية محضة بل أصبح الرهان اليوم على هذه «القوة الناعمة» باعتبارها الأبقى والأقوى.

• ما بين وزراتي الشؤون الثقافية والاجتماعية مسؤولية مشتركة في حفظ كرامة المبدع ومكانة الفنان، فهل من جديد في هذا الملف الملح والمؤرق؟
هذه المسألة من أهم أولوياتنا في هذه المرحلة ... ونحن بصدد الاشتغال على الملف ليس فقط على مستوى التشريعات والقوانين بل وكذلك على صعيد تهيئة الأرضية المناسبة لتطبيق هذه النصوص القانونية وهو الأهم.

• كيف ينظر رجل القلم والفكر محمد أحمد القابسي إلى تونس اليوم، الآن وهنا...؟
لازلت على قناعة راسخة بأننا في حاجة أكيدة إلى ثورة ثقافية وأنه لا يمكن أن نحقق انتقالا ديمقراطيا دون تحوّل ثقافي وحضاري. وكل الثورات في العالم انبنت على خلفية ثقافية بالأساس وكل مشروع مجتمعي جديد لا يمكن أن يبنى بتغيير الدساتير فقط.
أرى أن وضع تونس لا يختلف عن مسار نشأة الديمقراطية في البلدان الأخرى والتجارب السابقة وحتى في أعتى الديمقراطيات لا زال السياسيون يتراشقون بالكــــراسي ويتقاذفــون بالشتائم...» إن الانتقــــــال الديمقراطي ليس مسارا تقنيا بل هو توطين لا يتم إلا بالثقافة والتربية على الديمقراطية. قد لايزال الدرب أمامنا طويلا ولكن كل شيء يهون في سبيل معانقة الديمقراطية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115