عمل مع علي بن عياّد ومثّل في السينما التونسية: جميل راتب يوّدع الحياة بابتسامة انتصار

بعد عمر من الفن وسنوات من العطاء والإبداع حفظت اسمه في قلوب الجماهير وذاكرة الأيّام،

لملم الفنان المصري الكبير جميل راتب شتات النجاحات وبقايا الذكريات في حقيبة السفر الأبدية وارتحل إلى عالم ما بعد الحياة. غادر ابن القاهرة صباح أمس الأربعاء الحياة عن عمر يناهز 92 بعد أن ترك بصمة لا تمحى في الدراما وحجز له مكانة خاصة على الأركاح والمسارح واقتطع تذكرة في الصف الأول أمام شاشة السينما وفي قلوب جمهور الفن السابع.
هي رحلة فنّ وقصة شهرة نحتها جميل راتب بملامح تجيد التلاعب بمشاعرنا في أدوار الشر و دغدغة بسماتنا في أدوار الكوميديا... من المسرح إلى السينما إلى التلفزيون يظل جميل راتب ملك الشخصيات المركبة وسيّد اللحظات الصعبة.

الرّاحل في زيارة أخيرة إلى تونس
آخر زيارة للفنان جميل راتب إلى تونس كانت سنة 2016 بحلوله ضيف شرف لمهرجان أيام قرطاج السينمائية. وبالرغم من تدهور حالته الصحية والتي أجبرته على استعمال كرسي متحرّك فإنه لم يبخل على بلدنا بالزيارة كما لم يبخل على «المغرب» بحوار به من التفاؤل وحب الحياة الشيء الكثير... ومن بين ما قال في هذا اللقاء ما يلي: «في الحقيقة لم أكن أنتظر هذه الدعوة من مهرجان أيام قرطاج السينمائية، ولما تم استدعائي كضيف شرف في الدورة 27 من المهرجان كانت سعادتي كبيرة بالحضور إلى تونس، هذا البلد الذي أحبّه كثيرا ولديّ فيه أصدقاء وذكريات جميلة...ولا زلت أذكر تفاصيل لقائي بالزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الذي واكب عرض مسرحية «عطيل» التي كنت مشاركا فيها ولما انتهت المسرحية أعجب بأدائي ودعاني صحبة المخرج «علي بن عيّاد» للغداء عنده في القصر... كما أفتخر كثيرا بظهوري في عدد من الأفلام التونسية على غرار فيلم «صيف حلق الوادي» للمخرج فريد بوغدير وفيلم «شيشخان» لمحمود بن محمود...».
قبل رحلته الأخيرة وغيابه النهائي ، أوصى جميل راتب بألاّ يقام له عزاء.

البدايات ورحلة نحت الذات
بالرغم من أصوله الاستقراطية فإن جميل راتب يبدو أقرب إلى البسطاء منه إلى الأثرياء وهو الذي تحدث لـ«المغرب» عن البدايات فقال :» عندما سافرت إلى فرنسا لإكمال دراستي في الحقوق قررت أن أدرس التمثيل أيضا... وهناك، لم أترفع عن الاشتغال في مهن بسيطة حيث عملت في مقهى وفي سوق للخضار... مما مكنني من التواصل مع وسط اجتماعي متواضع لم أكن أعرف شيئا عن معاناته وهو ما غيّر نظرتي إلى الحياة وعمّق نظرتي للمجتمع بمختلف فئاته...كما أغبط نفسي كثيرا لقرابتي الأسرية بالمناضلة النسوية هدى شعراوي التي كانت عمة والدتي، حيث تأثرت بأفكارها التحررية ودفاعها عن حقوق المرأة وهو ما علّمني التسامح وقبول الاختلاف واحترام الأشخاص والديانات والأقليّات ...».
في القاهرة كانت ولادة جميل راتب في أسرة غنية ومحافظة من أب مصري وأم فرنسية. البداية الفنية لجميل راتب كانت في فرنسا من خلال خشبة المسرح، أما في مصر فكانت انطلاقة جميل راتب كممثل موهوب بمشاركته عام 1946 في بطولة الفيلم المصري «أنا الشرق» الذي قامت ببطولته الممثلة الفرنسية كلود جودار مع نخبة من نجوم السينما المصرية في ذلك الوقت.
وفي عالم الفن السابع، قدّم جميل راتب أكثر من 70 فيلما مصريا و7 أفلام فرنسية، و3 أفلام تونسية ...كما شارك في الفيلم الأمريكي الشهير «لورانس العرب».

السينما التونسية في عيون جميل راتب
وقد لعب أدوارا في أفلامها واحتل مكانا مرموقا في عدد من أشهر عناوينها... تحدث جميل راتب بفخر وحب عن السينما التونسية فقال عنها: «أعتقد أن السينما التونسية تملك ميزة منفردة وخاصة بها بالمقارنة مع بقية البلدان العربية. فهي من جهة تتوّفر على شيء من البصمة الأوروبية في الصناعة السينمائية في استثمار جيّد لأبعاد الطرح السينمائي زمن الاحتلال الفرنسي ومن جهة أخرى فإن السينما التونسية حافظت على هويتها وخصوصيتها المحليّة حيث لا تغيب «الرائحة التونسية» عن جلّ الإنتاجات السينمائية لمختلف الأجيال من المخرجين.وشخصيا، أتابع بشغف شديد أخبار السينما التونسية ويسعدني كثيرا مشاركتها في مهرجانات عالمية والفوز بجوائز مرموقة ... كما أبهرني فيلم «زهرة حلب» للمخرج التونسي رضا الباهي الذي شاهدته مؤخرا في افتتاح أيام قرطاج السينمائية لما احتواه من حرفية في انتقاء الموضوع وطرح المضمون بلغة سينمائية جميلة... وقد شدّني إلى هذا الفيلم أداء الممثلة الرائعة هند صبري التي نفتخر بها نحن المصريون كما تفتخرون أنتم «التوانسة» بها»...
وعن دور الفنان زمن ما بعد «الثورات العربية» صرّح الراحل جميل راتب في آخر حواراته بتونس بالقول:» أعتقد أن مسؤولية الفنان في هذا الوضع الحرج الذي تمر به منطقة العالم العربي تتمثل في لعب أدواره الثقافية والاجتماعية وتبنّي قضايا شعبه...فأنا أؤمن بأن الفنان موقف أو لا يكون».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115