الفضاءات الثقافية شحيحة العدد وبخيلة الحياة على هذه الأرض التي قست عليها الطبيعة والدولة. وكمن يتمسك بقشة النجاة، لم يكن من السهل على أهل الجهة سيّما من الفنانين والمثقفين التفريط في «دار الشعب» التي يحلمون بتحويلها إلى منارة تشع بالفن والإبداع...
بثمن افتتاحي يبلغ مليونا وثلاثمائة وواحد وسبعين ألف وثمانمائة دينار تمّ الإعلان عن بيع «دار الشعب» بالمزاد العلني لفائدة لجنة تصفية الأموال والقيم الراجعة لحزب التجمع المنحل.
أهمّ من عقار وأكبر من فضاء
في موقع استراتيجي تمتد «دار الشعب» على مساحة ثلاثة آلاف متر مربع مما يجعلها صفقة رابحة تسيل لعاب المستثمرين والمضاربين في سوق العقارات. وبمجرد الإعلان عن نيّة التفويت في «دار الشعب» بالمزاد العلني حتى انطلقت حملة التنديد ونداءات الاستغاثة خشية أن تفتك التجارة هذا العقار المهم من حضن الثقافة. وقد اعتبر مدير مركز الفنون الدرامية والركحية بتطاوين علي اليحياوي في تصريح لـ«المغرب» أن الإعلام عن بيع «دارالشعب» بالمزاد العلني وبهذه الطريقة هي في حد ذاتها إهانة لهذا المكان الرمز الذي يختزل ذاكرة المدينة وتاريخ الجهة وهوية تطاوين الثقافية.واعتبر أن الثقافة هي الأحق والأولى بهذا الفضاء والحال أن كل من مركز الفنون الدرامية والركحية والمعهد الجهوي للموسيقى بالجهة يفتقران إلى مقرّ وعنوان قار.
وكان الفنان علي اليحياوي قد علّق على هذا الموضوع بما يلي:»
كانت صدمتنا كبيرة لما قرأنا في الصحف إعلان بتّة عمومية لبيع «دار الشعب» بتطاوين باعتبارها من الأملاك المصادرة. وبهذا الموجب يمكن أن تصبح «سوبر ماركت» مثلا أو مأوى سيارات أو قاعة أفراح ...
هكذا وبمجرد قرار غير واع وأرعن نمسح تاريخ أجيال من المسرحيين والموسيقيين والكتاب والفرق الشعبية والشعراء... لقد كانت هذه الدار بمثابة الكُليّة التي تخرّج منها هؤلاء جميعا. «دار الشعب» أيها السادة ليست مجرد عقار - ولو أننّي أدرك قيمته المالية - هي ذاكرة هذه المدينة ووجدانها الحي... بها نشأ علي الرباع وعلي دب وبوبكر خلوج وكمال بوعجيلة ومنير هلال وحسين المحنوش وعواطف الهروسي ولزهر بوطبة وغيرهم. أجيال أسالت العرق العزيز على ركحها وشيّدت أفقا آخر من الأحلام لتطاوين».
بلدية تطاوين خصم أم حكم ؟
لاقى الاعتراض على بيع «دار الشعب» تفاعلا واسعا ومساندة كبرى وصل صداهما إلى وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية. وردا على سؤال «المغرب» بخصوص مدى تدخل الوزير مبروك كورشيد للحيلولة دون التفويت في «دار الشعب» بالمزاد العلني، صرّح الفنان علي اليحياوي بالقول: «سبق وأن التقيت بالوزير باعتباره ابن الجهة واقترحت عليه تحويل «دار الشعب» إلى مقر لمركز الفنون الدرامية والركحية بتطاوين فوعدني بالمساعدة في تعهد شفوي. وقد بلغني أن نيّة الوزارة تتجه نحو بيع العقار إلى بلدية تطاوين ولكن أخشى ألاّ تكون البلدية بدورها غير أمينة على هذا العقار على خلفية الإيديولوجيا السياسية للمجلس البلدي الجديد الذي قد يتهاون في الوعي بأهمية الثقافة ويفوّت في «دار الشعب» لصالح جمعيات قد تتعدّد مسمياتها ولكنها بعيدة كل البعد عن الفعل الثقافي...»
وفي صيحة فزع أطلقها الفنان علي اليحياوي صدح بما يلي:» دار الشعب» ليست مجرد عقار أهيب بكم ومستعد للصياح والنواح في كل ركن من أركان تطاوين لتبقى دار الشعب لأهلها لتجد الأجيال القادمة فضاء يتعلمون فيه معاني الإنسانية. يمكن أن تحصّلوا بعض الملايين بالتفريط فيها ولكنكم تربحون الحاضر والمستقبل لو تحافظون على هذا المعلم في صيغته الثقافية».
8 سبتمبر افتتاح مركز الفنون بتطاوين
بلا مقر رسمي ولا عنوان قار، يستعد مركز الفنون الدرامية والركحية بتطاوين إلى حدث افتتاحه يوم 8 سبتمبر المقبل وهو الذي يتقاسم مع المركب الثقافي بالجهة الفضاء. وكان وزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين قد أعلن تباعا عن بعث عدد من مراكز الفنون الدرامية والركحية في بعض الولايات دون توفير مقر لها مسبقا.
وعلى امتداد أيام 8 و9 و10 سبتمبر 2018 يتواصل الاحتفال بالافتتتاح الرسمي لمركز الفنون الدرامية والركحية بتطاوين في لمسة وفاء وتقدير لرواد المسرح بالجهة وتوثيق للذاكرة المسرحية المشتتة مابين العرفان والنسيان. وإلى جانب تربص في الرقص المسرحي المعاصر تحت إشراف فريال الرمادي، يحتفي مركز الفنون الركحية والدرامية بتطاوين بمناسبة افتتاحه بالعرض المسرحي «قم» من إنتاج مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف ومسرحية «أخطى راسي..» من إنتاج التياترو والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وسفارة سويسرا في تونس.
وبعد دوره المتميز في فيلم «بنزين» للمخرجة سارة العبيدي، توّجهت «المغرب» بالسؤال للفنان علي اليحياوي عن جديده المسرحي أو السينمائي... فأجاب:»أبدا لا يمكن أن تبعدني الإدارة عن الركح والكاميرا وقد قبلت بالتسمية على رأس مركز الفنون الدرامية والركحية بتطاوين وفاء مني لجهتي التي أدين لها بالكثير. ونظرا لالتزامي السابق مع مركز الفنون الدرامية والركحية بمدنين فأنا بصدد الاشتغال على مسرحية جديدة مقتبسة عن رواية «الورم» للكاتب الكبير إبراهيم الكوني. أما بخصوص إنتاجات مركز الفنون الدرامية والركحية بتطاوين فقد يجد إنتاج مسرحي في شراكة مع المسرح الوطني طريقه إلى النور في قادم الأيام».