جديد تهاليل «نوفمبرية» من قبيل «جانا الماء... جانا الضوء» أمام أزمة ظمأ تتواصل لأيام و أسابيع في عزّ الحرّ وعتمة تغرق الكثير من المدن وتلقي بها في جوف الظلام والهلاك بسبب وطأة اللهيب ... وما بين ماء مفقود ونور منشود، احتار المواطنون «المعذبون في الأرض» في أمر هذه البلاد التي ضاقت عن العباد واستشاطوا عضبا وغيضا من دولة تنفق المليارات على المهرجانات!
لم يكن من الغريب أن تصرخ هنا وهناك عشرات الأفواه احتجاجا على دولة تغدق المليارات على الحفلات وتستنزف مخزون العملة الصعبة لخلاص الفنانين الأجانب في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية خانقة.
400 ألف دينار لكل من ماجدة الرومي وكاظم الساهر
بعيدا عن أضواء المهرجانات الصيفية وبهرج المسارح الكبرى، تغرق البنية التحتية الثقافية في وضعية رثة وفي أرذل الأحوال. هنا وهناك، عشرات من دور الثقافة تفتقد إلى أبسط مقومات الحياة وفضاءات ثقافية تقاوم شبح الإفلاس... وفي الزوايا وفي الركن البعيد يعزل التهميش والإقصاء المبدعين الحقيقيين والفنانين المغمورين والمواهب الصاعدة التي لا تجد من يأخذ بيدها..
فلم يكن من المستبعد أن تستفز ميزانية مهرجان قرطاج الدولي في دورته 54 المقدرة بـ 5 مليون دينار صمت المواطنين وكذلك أهل الفن والثقافة سيّما بخصوص تكاليف حفلتي كل من ماجدة الرومي وكاظم الساهر التي حددت بـ 400 ألف دينار لكل سهرة في ظل أزمة الدينار التونسي و انهيار الاقتصاد التونسي ووضع اجتماعي على حافة الانفجار !
توفيق الجبالي: لا لتبذير المال العام على حفلات صدئة
إن كان المثل الشعبي يقول: «كي قنديل باب منارة ما يضوي كان على البّراني»، فقد تحوّل هذه المقولة إلى استدلال وبرهان على لسان العديد من الفنانين ممن يشعرون بالضيم والحيف في بلدهم بسبب تجاهل وزارتهم في الوقت الذي تنفق فيه بسخاء على الفنانين الأجانب وإن كانوا من أشباه المطربين وأنصاف المبدعين !
وبعد الصدام بين وزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين وصاحب فضاء التياترو توفيق الجبالي على خلفية التخفيض في منحة الدعم المخصصة للفضاءات الثقافية الخاصة وتعلل الوزير بضرورة التقشف مراعاة لوضع البلاد ، فقد علّق المسرحي توفيق الجبالي بعد الكشف عن ميزانية مهرجان قرطاج بالقول: «في الوقت الذي تعاير فيه وزارة الثقافة المسرحيين ببعض الفتات من الدنانير.. هاهي تفتح تكيتها الحقيقية لتبذر المال العام وتغدق المليارات على العرابنية وتجار الحفلات الصدئة و تجتر برامجها المستنسخة عديمة الطرافة والفائدة في انتحال ما تسميه مهرجاناتها الصيفية...».
الجزائر توقف التعامل مع الفنانين الأجانب
في تونس العطشى والقاحلة والجائعة والمحبطة، تستمر مهرجاناتنا الكبرى في فتح أبوابها على مصراعيها للفنان الأجنبي والخضوع لكل طلباته وشروطه... في المقابل كان لوزير الثقافة الجزائري عز الدين الميهوبي شجاعة القرار بإيقاف دعوة الفنانين من الخارج لإحياء حفلات في الجزائر مؤكدا في تصريحات إعلامية «أن المؤسسات الثقافية والفنية التابعة لوزارة الثقافة لم يعد مسموحا لها دعوة فنانين عرب أو أجانب للمشاركة في المهرجانات التي تنتظم بالجمهورية لأنه مكلف بالنسبة إلى الدولة».
واعتبر الشاعر عزالدين ميهوبي أنه «حتى إذا ما وجدت شركات تموّل العملية فالأمر سيّان، لأن الأمر يتعلق بتحويل العملة الصعبة إلى الخارج، وهذا في وقت تعيش فيه البلاد أزمة حقيقية».
في المقابل أكد وزير الثقافة الجزائري أن الأموال التي كانت ستصرف على بعض الفنانين الأجانب ستخصص لدعم عشرات الفنانين الجزائريين الذين اشتكوا كثيرا من التهميش وتقاضي مبالغ زهيدة.
وإذا كانت تونس تشكو من أزمة الدينار فإنها لا تعاني فقرا في المواهب والأصوات وهي التي صنعت كبار الفنانين والمطربين والملحنين... فلمَ التجاهل للمواهب التونسية والارتماء في أحضان «نجوم» ومنحهم فرصة الصعود على أعرق مهرجاناتنا واستنزاف مالنا ظلما وبهتانا وضحكا على الذقون !؟