تربية الصوم

الصوم شأنه شأن سائر العبادات والقربات، له معانٍ وأسرار عظيمة،

يمكن تلمسها والوقوف عندها لمعرفة الحكمة من مشروعية هذه العبادة الجليلة.

أول هذه المعاني والتي تشترك فيها جميع العبادات, أن الصوم فيه تربية على العبودية والاستسلام لله جل وعلا, فعندما تغرب الشمس يأكل الصائم ويشرب؛ امتثالاً لأمر الله, وإذا طلع الفجر يمسك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات, فهو يتعبد الله عز وجل في صيامه وفطره, فإذا أمره ربه عز وجل بالأكل في وقت معين أكل, وإذا أمره بضد ذلك في وقت آخر امتثل، فالقضية إذن ليست قضية ذوق ومزاج, وإنما هي قضية طاعة واستسلام وانقياد لأمر الله.

والصوم كذلك يربي في النفس مراقبة الله عز وجل, وإخلاص العمل له, والبعد عن الرياء والسمعة, فهي عبادة بين العبد وبين ربه جل وعلا, ولهذا جاء أن الصوم عبادة السر, فإن بإمكان الإنسان ألا يصوم, وأن يتناول أي مفطر من المفطرات من غير أن يشعر به أحد من الناس, بل إنه بمجرد تغيير النية وقطعها يفطر، ولو لم يتناول شيئاً من المفطرات طوال يومه, فامتناعه عن ذلك كله على الرغم من أنه يستطيع الوصول إليه خفية, دليل على استشعاره اطلاع الله على سرائره وخفاياه, ومراقبته له, ولأجل هذا المعنى اختص الله جل وعلا عبادة الصوم من بين سائر العبادات, ولم يجعل لها جزاء محدداً

والصوم يربي العبد على التطلع إلى الدار الآخرة, وانتظار ما عند الله عز وجل, حيث يتخلى الصائم عن بعض شهوات النفس ومحبوباتها؛ تطلعاً إلى ما عند الله عز وجل من الأجر والثواب, وفي ذلك توطين للنفس على الإيمان بالآخرة, والتعلق بها, والترفع عن عاجل الملاذ الدنيوية, التي تقود إلى التثاقل إلى الأرض والإخلاد إليها.

والصوم يربي النفس على الصبر, وقوة الإرادة والعزيمة, فإن الصبر لا يتجلى في شيء من العبادات كما يتجلى في الصوم, والمقصود من الصوم إنما هو حبس النفس عن الشهوات, وفطامها عن المألوفات , ولهذا كان نصف الصبر , والله تعالى يقول: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب الزمر:10

وفي الصوم كذلك تربية للمجتمع، وتنمية للشعور بالوحدة والتكافل بين المسلمين, فالصائم حين يرى الناس من حوله صياما كلهم, فإنه يشعر بالترابط والتلاحم مع هذا المجتمع, فالكل صائم, والكل يتذوق لذة الجوع في سبيل الله، والكل يمسك ويفطر دون تفريق أو امتياز, لا يستثنى من ذلك أحد لغناه أو لجاهه أو منصبه, فأكرمهم عند الله أتقاهم, وأفضلهم أزكاهم.
فما أعظمها من صورة معبرة عن وحدة المجتمع في ظل العبودية لله جل وعلا.

ومن معاني الصوم أن يتذكر الصائم بصومه الجائعين والمحتاجين, فيتألم لآلامهم, ويشعر بمعاناتهم, فالذي لا يحس بالجوع والعطش قد لا يشعر بمعاناة غيره من أهل الفقر والحاجة, وإذا كان أحدنا يجد ما يفطر عليه من الطعام والشراب , فغيرنا قد لا يجد شيئا من ذلك.
تلك هي بعض معاني هذه العبادة العظيمة, وقد جمعها الله عز وجل في قوله: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون البقرة:183
فينبغي للمسلم أن يستحضر هذه المعاني وهو يؤدي عباد ة الصوم, حتى لا تخرج العبادة عن مقصودها, وحتى لا تتحول إلى عادة يؤديها مسايرة للبيئة والمجتمع.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115