في هذا القول ثلاث مسائل :
الأولى :
قوله تعالى : فقلت استغفروا ربكم أي سلوه المغفرة من ذنوبكم السالفة بإخلاص الإيمان . إنه كان غفارا وهذا منه ترغيب في التوبة . وقد روى حذيفة بن اليمان عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال : الاستغفار ممحاة للذنوب .
وقال الفضيل : يقول العبد أستغفر الله; وتفسيرها أقلني .
الثانية :
قوله تعالى : يرسل السماء عليكم مدرارا أي يرسل ماء السماء ; ففيه إضمار . وقيل : السماء المطر ; أي يرسل المطر .
و«مدرارا» ذا غيث كثير . وجزم « يرسل» جوابا للأمر . وقال مقاتل: لما كذّبوا نوح زمانا طويلا حبس الله عنهم المطر ، وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة ; فهلكت مواشيهم وزروعهم ، فصاروا إلى نوح عليه السلام واستغاثوا به . فقال استغفروا ربكم إنه كان غفارا أي لم يزل كذلك لمن أناب إليه .
ثم قال ترغيبا في الإيمان : يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا . قال قتادة : علم نبي الله (صلى الله عليه وسلم) أنهم أهل حرص على الدنيا فقال : هلموا إلى طاعة الله فإن في طاعة الله درك الدنيا والآخرة .
الثالثة :
في هذه الآية والتي في «هود» دليل على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار . قال الشعبي : خرج عمر يستسقي فلم يزد على الاستغفار حتى رجع ، فأمطروا فقالوا : ما رأيناك استسقيت؟ فقال : لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر . ثم قرأ : استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا . وقال الأوزاعي : خرج الناس يستسقون ، فقام فيهم بلال بن سعد فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : اللهم إنا سمعناك تقول ما على المحسنين من سبيل وقد أقررنا بالإساءة ، فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا ؟ !
اللهم اغفر لنا وارحمنا واسقنا !
فرفع يديه ورفعوا أيديهم ، فسقوا . وقال ابن صبيح : شكا رجل إلى الحسن الجدوبة فقال له : استغفر الله . وشكا آخر إليه الفقر فقال له : استغفر الله . وقال له آخر : ادع الله أن يرزقني ولدا ; فقال له : استغفر الله . وشكا إليه آخر جفاف بستانه ; فقال له : استغفر الله . فقلنا له في ذلك ؟ فقال : ما قلت من عندي شيئا ; إن الله تعالى يقول في سورة «نوح» : استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا وقد مضى في سورة «آل عمران» كيفية الاستغفار ، وإن ذلك يكون عن إخلاص وإقلاع من الذنوب . وهو الأصل في الإجابة .