المخرج الفلسطيني الكبير محمد بكري لـ «المغرب»: مهمّتي في الحياة أن أحرّر بالفن الإنسان

هو من هناك... من بلد الزيتونة المعمّرة والملحمة الخالدة، من فلسطين أم البدايات والحكايات.

وحدها الصدفة شاءت أن يكون هذا اللقاء مع المخرج الفلسطيني محمد بكري متزامنا مع حدثين معلّقين ما بين فرح التتويج ونزف الذكرى... ففي الساعات الأخيرة حاز هذا الفنان العالمي على هامش مهرجان «كان» السينمائي على جائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم «واجب»، واليوم تحيي فلسطين ذكرى النكبة ما بين قهر النكسة وأمل العودة. فكيف يكتب محمد بكري القضيّة فنا؟ وكيف تتحوّل بين يديه الكاميرا إلى سلاح مقاومة في وجه فوهة البندقية؟

• بينك وبين تونس، قصة سينما وعشق للكاميرا... وبعد أن عانقت التانيت الذهبي في أيام قرطاج السينمائية ها أنت تحلّ ضيفا على المكتبة السينمائية بمدينة الثقافة، حدثنا عن هذه الزيارة؟
صدقا لا مجاملة أقول بأن تونس هي وطني كما فلسطين موطني، ولها في القلب محبة خالصة. وقد زرت تونس لأول مرة في حياتي سنة 1987 عندما استضافني المسرحي الكبير توفيق الجبالي لعرض مونودراما «المتشائل» في اقتباس عن رواية إميل حبيبي. وبعد أن سجلت حضوري في أيام قرطاج السينمائية مشاركا وضيفا... ها أنا أعود مجددا إلى تونس بدعوة من أخي وصديقي محمد شلوف والعزيز هشام بن عمار وأصدقائي السينمائيين في هذا البلد الحبيب في ضيافة المكتبة السينمائية التونسية بمدينة الثقافة. هذا الصرح العظيم الذي أباركه وأدعو كل التونسيين إلى زيارته واحتلاله، فالبيوت تموت إذا غاب أصحابها...

• هل يتابع الفنان محمد بكري السينما التونسية مشاهدة أو أخبارا أو أصداء عن الجوائز المشرفة؟
أعتبر أن السينما التونسية هي في مقدمة السينما العربية. ويسعدني جدا أن أراها اليوم في مصاف التتويجات في أكبر المهرجانات العالمية بفضل ما تملكه من مواهب فذة وطاقات شبابية واعدة... وقد سبق لي العمل مع سينمائيين تونسيين في فيلم «عيد ميلاد ليلى» ففوجئت بقدر عال من الحرفية ومهنية تعانق العالمية.
ولن أبالغ إن قلت بأن تونس أنجبت أكثر الشعوب ثقافة في الوطن العربي. وفي كل الأزمنة والمحطات كان الاستثناء التونسي يصنع العجب ويثير الإعجاب...

• كان التتويج العالمي نصيبك من آخر أفلامك «واجب»، فماذا يمثل لك هذا الفيلم في مسيرة تقاطعت دروبها وتعدّدت وجوهها...؟
في فيلم «واجب» للمخرجة الفلسطينية «آن ماري جاسر» قدمت أصعب وأفضل الأدوار في حياتي لسبب بسيط وهو تقمص شخصية «أبو شادي» المتناقضة حدّ التصادم مع شخصيتي الحقيقية. في هذا الفيلم الذي تدور أحداثه في «الناصرة»، أتقاسم مع ابني البكر أدوار البطولة في دور أب وابن يتجوّلان على متن سيارة بين بيوت الجيران والأحباب لتوزيع يدا بيد دعوات حفل زفاف ابنة العائلة. وكما تتجلى من بيت إلى آخر هواجس سكان الناصرة فإن العلاقة ما بين الأب والابن تتوّضح أكثر فأكثر لتكشف عن خلاف وصدام بين جيلين يحملان مواقف سياسية مختلفة من القضية الفلسطينية.

• كما يحيا شعب فلسطين تحت الحصار فلا شك أن السينما الفلسطينية ضحية لهذا التطويق... هل من السهل العثور على مصادر تمويل لأفلامكم أمام هذا التضييق؟
لا أبدا ليس الأمر بالهيّن... إنها معاناة لا يدركها سوى الفنان الفلسطيني ومشقة لا يعرفها سوى المبدعون تحت سماء الاحتلال ! وأمام هذا الحصار يضطر المنتجون إلى اللجوء إلى مصادر تمويل عربية وأوروبية، وهو طبعا ما يفرض الخضوع إلى شروط الجهات المموّلة من حيث فريق التمثيل أو الطاقم التقني... ويبقى هذا الصنف من التمويل بكلّ ما يشكوه من سلبيات ضرورة لابد منها خصوصا بالنسبة لنا نحن الفلسطينيون المحاصرون في كل شيء... في الرغيف، في الفن، في الحياة!

• تشهد منّصة التتويج على مسيرة مشرقة لفنان عانق العالمية ولامس سماء الإبداع في السينما، فأيهما الأقرب إلى محمد بكري الفيلم الوثائقي أم الروائي؟
أفضّل الفيلم الروائي... ربما لأن العمل يكون فيه أحلى وعنصر التشويق أكبر والانتشار أوسع وإقبال الجمهور أكثر.

• إلى أي مدى يمكن للفن أن يكون سلاح مقاومة في فلسطين وعنوان نضال في كل زمان ومكان؟
أعتقد اعتقادا راسخا بأن السينما الجيّدة تخدم القضية الفلسطينية أفضل من السفراء ورؤساء الدول... وهو ما لمسته من خلال جلّ أدواري في كل أفلامي. وأبدا لن يمحى من ذاكرتي ذلك التأثير الكبير لفيلم «من وراء القضبان» حيث جسدت شخصية الفلسطيني المتمسك بأرضه ولا يقبل التنازل عن قضيته... وكل أعمالي تخدم بشكل أو بآخر القضية الفلسطينية. وقد لا أذيع سرا بالاعتراف بأن فنّي هو ردّة فعل منّي على الاحتلال بسبب غشّه لي وأنا طفل صغير في المدارس بتزييفه تاريخ بلدي ومحاولته طمس الهوية الفلسطينية والسطو على الحقيقة في دروسه باللغة العبرية... ولما كبرت صار تحديا لي وواجبا عليّ أن أصحح هذه الأكاذيب وأعيد ترتيب الذاكرة لتستعيد الوطن من المحتل وتتخلص من سمومه إلى الأبد.

• وهل بوسع الفنّ أن يحرّر الإنسان؟
إلى مدى بعيد يقدر الفن على تحرير الإنسان من قيود الجهل وجرم البشر وزيف الواقع... أولا وأخيرا يبقى الإنسان أهمّ ما في الكون ويجب أن يكون حرّا لا محتلا ! وطالما أنه إنسان فهو يستحق الحياة... والفن حياة.

• منذ فيلمك «جنين، جنين» وأنت ملاحق من إسرائيل ولكن في المقابل يحدث أن تتهم بالتطبيع... فأين أنت من قصفين، الأوّل من العدو والثاني من نيران صديقة؟
يقول الشاعر:»وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند» وليس اتهامي بالتطبيع سوى خناجر غدر تغرس ظلما في جسدي. قلتها مرارا وأعيدها أنا ضد التطبيع مع إسرائيل وأبدا لن يحدث هذا. وإلى اليوم مازلت ملاحقا ومطلوبا من المحاكم ومعرضا لكل أصناف التضييق والتشويه من الاحتلال. ومن يقذفني بمثل هذه التهمة الزائفة لا يفقه شيئا،  وأفضل رد على هذا الجهل هو تجاهله!

• في خضم معركتك بالصورة والكلمة... هل للفنان محمد بكري انتماء سياسيّا؟
أنا مع اليسار أينما كان وأي كان... لا أستطيع أن أكون مع اليمين. وعلى كل
أرض تشهد حركة مقاومة فأنا أساندها وأدفع حياتي ثمنا للحرية.

دون مجاملة
• هل حققت أهمّ أحلامك؟
أحلامي الصغيرة نعم... ويبقى تحرير فلسطين حلمي الأكبر.
• دور تتمنى أن تلعبه؟
شخصية أب تونسي في فيلم تونسي.
• ما هو أفضل أفلامك ؟
هو ذلك الذي لم أنجزه بعد...
• أقرب الزعماء إليك ؟
الحبيب بورقيبة لأنه أكثرهم عقلانية ومسؤولية...
• ماذا تعني لك تونس؟
أشتاق إلى تونس وأنا فيها...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115