كان الملتقى الدولي «الحمامات: مدينة الأنوار واللقاءات المتوسطية للفن والثقافة الحية» لقاء حرّا بلا قيود ولا حدود وحوارا مفتوحا بين اللوحات والثقافات. في هذا الملتقى خرج الكلّ بلوحاته وألوانه وأدواته... إلى العلن لاقتسام لحظة الرسم ونشوة الفن. على ضفاف بحر ملهم وفي حضن طبيعة ساحرة التقى 20 فنانا من كل الدروب والمدارس والعواصم تحت سماء واحدة ليرسم كل منهم على طريقته وحكايته...
جاء تنظيم ملتقى «الحمامات: مدينة الأنوار واللقاءات المتوسطية للفن والثقافة الحية» ببادرة من «جمعية الحضارات دروب متقاطعة» بباريس التي ترأسها الإعلامية وداد عثماني بالاشتراك مع كل من «جمعية تأمل وانسجام بتونس» برئاسة أحمد أمين التركي وجمعية «دون صوت» بسترازبورغ التي ترأسها الفرنسية صوفي روزنزفايغ. ويشرف على إدارة هذا الملتقى الفنان العالمي المقيم بباريس التونسي أحمد الحجري بحدائق فضاءات نزل «صدر بعل» بياسمين الحمامات من 15 إلى 30 أفريل 2018.
تونس ملهمة الفنانين
كثيرا ما يأتي العمل الفني انعكاسا لذات الفنان وترجمة لأحاسيسه ونبضا لوجدانه... وفي ملتقى «الحمامات: مدينة الأنوار واللقاءات المتوسطية للفن والثقافة الحية» لم يخف الفنانون المشاركون في هذه التظاهرة انبهارهم بتونس ومناخها وجمالها... ممّا أجبرهم على تغيير كل المواضيع الجاهزة والانصهار في لحظة فريدة وهبتها لهم تونس. وفي هذا السياق صرّح لـ «المغرب» الفنان الكبير أحمد شهاب الدين من بنغلاداش والمقيم في باريس بالقول:» صدقا انبهرت بسحر تونس وجمالها... منذ وطأت أقدامي أرضها. ولا أذيع سرا أني كنت في سري أتساءل ماذا عساه أن يشبه هذا البلد الذي لا أعرفه. ولكن كانت المفاجأة بأني وجدت هنا أمامي هذا البحر وهذا المناخ وهذه الطبيعة مصدر إلهام للوحاتي».
في ورشة الخط كانت الفنانة الفرنسية من أصول تونسية حميدة رزاق تناجي خطوطها وألوانها ... وهي التي اعترفت بأنها أتت إلى الملتقى وفي ذهنها فكرة واضحة عن العمل الذي ستقدمه وعن المقاييس والأشكال ... فإذا بها تلقي بكل التحضيرات المسبقة لتعيد إنتاج فكرة لوحتها وقد أثرّ فيها جمال تونس وأثار المكان فيها ثورة من الأحاسيس...
وقد أجمع الفنانون المشاركون في ملتقى «الحمامات: مدينة الأنوار واللقاءات المتوسطية للفن والثقافة الحية»على أن هذا اللقاء وهبهم مناخ إبداع فريد من نوعه في لحظة استثنائية.
نحت ورسم... وفن شارع
أمام لوحات تنتظر انتهاء لمساتها الأخيرة ومنحوتات بصدد اكتمال ملامحها ... وقف الفنانون في ورشات مفتوحة للعموم ومتاحة لزيارات الجمهور وطلبة وأساتذة الفنون الجميلة. وما بين الألوان والفرشاة، الحجارة والمنحوتة... تنوّعت الفضاءات وتعدّدت الورشات... وكان ملتقى «الحمامات: مدينة الأنوار واللقاءات المتوسطية للفن والثقافة الحية» فرصة جيدة لالتقاء حوالي 20 فنانا من مختلف القارات ضمن ورشة للنحت مع النحاتة الايطالية انتونيلا تيوزو وأخرى للرسم مع رسامين من بنغلاداش وتونس وفرنسا وسوريا، وورشة لفن الخط مع خطاطين من فرنسا و تونس، وورشة للتصوير الفني مع مصورين فنيين من فرنسا وتونس وورشة في «فن الشارع» ، ووورشة فن التصوير الفوتغرافي مع فنانين من تونس واليونان إلى جانب ورشات إبداع حرة لكل الفنانين المشاركين.
وكانت لكل الفنانين حرية اختيار مواضيع أعمالهم موادهم و ألوانهم... في ترجمة لشيء من الحياة.
محاضرات علمية ورحلات ثقافية
لا يكتفي الملتقى الدولي «الحمامات: مدينة الأنوار واللقاءات المتوسطية للفن والثقافة الحية» « بسبر أغوار الفن واستفزاز الفنان كي يبوح بأسرار إبداعه وتحريض الرسام على تحريك ألوانه... بل هو يمثل منبرا للخوض في عدد من المحاور المتعلقة بالفنون والثقافة. وفي هذا السياق تم تنظيم محاضرة حول»فن الخط عبر التاريخ» من تقديم الفنان الفرنسي كلود ماديافيلا وأيضا محاضرة بعنوان»مدخل الى الوساطة الفنية» من تقديم المدير الفني لمجمع زمكان بباريس أشرف بن أبي زيد. كما كان الملتقى منصة لمائدة مستديرة حول» استراتجيات التناول الإعلامي لقضايا التراث والحفاظ عليه» بمشاركة أستاذ التاريخ المعاصر حبيب القزدغلي والصحفية بقناة «أرتي» صوفي روزنسفايغ و الاعلامية والمخرجة التونسية مبروكة خذير. وبعنوان «طريق الفنان» كان اللقاء مع الفنان و»كوميسار» الملتقى أحمد الحجري في استعراض لمسيرته الفنية وتعريف بالفنانين المشاركين في الملتقى الدولي «الحمامات: مدينة الأنوار واللقاءات المتوسطية للفن والثقافة الحية».
وكما كانت الحمامات مصدر إلهام وفن عبر التاريخ فعشقها «بول كلي» واختارها «سيباستيان» سكنا ومستقرا ... فقد قدمت المصورة الفوتغرافية والشاعرة اليونانية ماريان كتزارس خلال أيام الملتقى قراءة مسرحية بعنوان «حدائق المنازل البيضاء للحمامات» مرفوقة بعرض صور لمدينة الحمامات كما نعرفها ولا نعرفها...
وحتى يعود الفنانون إلي أوطانهم وبحقائبهم شيئا من عبق تونس وفي وجدانهم بعضا من معالمها وصورها... فقد أتاح الملتقى الدولي «الحمامات: مدينة الأنوار واللقاءات المتوسطية للفن والثقافة الحية» فرصة اكتشاف تونس لضيوفه من خلال تنظيم ثلاث رحلات ثقافية وترفيهية تحت عنوان «اكتشاف وأصالة» إلى كل من مدينة كركوان الأثرية ومغاور الهوارية ومتحف باردو والمدينة العتيقة والمدينة الأثرية بقرطاج وإلى سيدي بوسعيد.
صاحبة المبادرة وداد عثماني:
هاجسي الترويج لتونس الفن والتسامح
لم يكن تنظيم الملتقى الدولي «الحمامات: مدينة الأنوار واللقاءات المتوسطية للفن والثقافة الحية» في دورته الأولى بالأمر الهيّن في ظل انعدام الدعم وصعوبة إيجاد التمويل لمثل هذه التظاهرات الكبرى ذات المستوى الدولي... ولكن إصرار صاحبة المبادرة ورئيسة «جمعية الحضارات دروب متقاطعة بباريس» وداد عثماني» لم تقطع الأمل بالرغم من الأخذ والرد... وبعد جهد جهيد تم التوصل إلى تنظيم الدورة التأسيسية لهذا الملتقى. وأفادت وداد عثماني أن هدفها الأساسي هو الترويج لصورة تونس الثقافة والفن وأرض الحوار والتسامح من خلال لقاءات بين كل الثقافات وتقاطع لكل الحضارات تحت سماء الفن. كما أكدت نجاح الملتقى في استقطاب أسماء فنية مهمة على مستوى عالمي بفضل اقتراحات الفنان التونسي المقيم في باريس أحمد الحجري. وأبرزت سعادتها لاهتمام الإعلام الأجنبي بهذا الحدث الثقافي كدفع للسياحة الثقافية بتونس ودعمها.
وعن مصادر تمويل ملتقى «الحمامات: مدينة الأنوار واللقاءات المتوسطية للفن والثقافة الحية» توجهت وداد عثماني بالشكر إلى الشركاء والداعمين لهذه التظاهرة على غرار نزل صدر بعل تلاسا بياسمين الحمامات ووزارة السياحة والصناعات التقليدية وسفارة تونس بفرنسا والقنصلية العامة التونسية بباريس والبعثة التونسية لمنظمة اليونسكو والبعثة التونسية للمنظمة الدولية للفرنكفونية والديوان الوطني للسياحة بباريس وتونس الجوية بباريس.
وعن دور وزارة الشؤون الثقافية في دعم هذه التظاهرة الثقافية بالأساس، صرحت وداد عثماني أنه تم لقاء الوزير ومراسلته لأكثر من مرة دون تلقي الردّ سواء بالايجاب أو الرفض!
كوميسار الملتقى أحمد الحجري
الفنّ موهبة أوّلا وأخيرا
كان الفنان العالمي أحمد الحجري يتجوّل بين الورشات ويتحدث إلى الفنانين عن المعنى واللون والرمز ... وهو الذي طوّع الخطوط وروّض الأشكال ليصبح واحدا من كبار الفنانين بالرغم من مستواه التعليمي المتواضع. سافر هذا الفنان من مواليد 1984 بتونس إلى فرنسا كعامل مختص في الكهرباء. وهو ما مكنه من التعرف على المهندس المعماري والرسام الفرنسي رولان موران (الذي اكتشف موهبته وشجعه على صقلها... لتتالى سلسلة المعارض ومحطات النجاح في مسيرة ثرية لفنان عصامي التكوين. في حديث مع «المغرب» يقول الفنان أحمد الحجري إن قبوله الإشراف على اختيار ضيوف الملتقى الدولي «الحمامات: مدينة الأنوار واللقاءات المتوسطية للفن والثقافة الحية» كانت غايته استقطاب الأسماء الهامة لتكون على ذمة الفنانين التونسيين للاكتشاف وتبادل الخبرات وتقاطع التجارب...
ويؤكد هذا الفنان الكبير أن سر النجاح في الفن لا تصنعه المعاهد والمدارس بقدر ما تبدعه موهبة الفنان . ومن كان غير موهوب فسيظل فنه محدودا وغير مثير للجدل والتفاعل والسؤال... أما عن طقوسه الخاصة في الرسم ومحاورة اللوحة فقد وشى لنا الفنان أحمد الحجري بأنه لا يرسم إلا وهو حزين النفس وضيق الصدر في سفر بخياله على إيقاع أغاني أم كلثوم والطرب الأصيل متبنيا القول بأن «الفن مأساة أو لا يكون».