واكبت كواليس تصوير فيلم «القيرة» للمخرج فاضل الجزيري بقصبة الكاف وعادت بالروبرتاج التالي:
من الكاف كانت البداية، ليحطّ فريق فيلم «القيرة» الرّحال بأرض الخصوبة التي لا تجف والعذوبة التي لا تنضب في محاولة لسرقة قبس نور الطبيعة ووحي اللحظة الرائقة في تصوير المشاهد ورسم الحركة السينمائية...
أجواء التصوير وكواليس الإخراج
لم يكن المكان يحتاج إلى البذخ في الديكور، فالطبيعة وهبته جمالا طبيعيا وبهاء أخاذا لهذا لم يعمد فريق التصوير إلى إغراق الفضاء بالمتممات الركحية والمحسنات التقنية. وفي هذا المناخ الساحر العابق بعطر التاريخ والحضارة وعلى وقع سمفونيات زقزقة العصافير، كان المخرج فاضل الجزيري منشغلا بتصوير مشهد «المحاكمة». وقد وشت كواليس التصوير بخفايا شخصية المخرج فاضل الجزيري في تعامله مع فريقه من الممثلين والتقنيين فلم يكن الرجل حادّ الطباع وعصبي المزاج بل بدا هادئ البال وليّن المعاملة... بالرغم من أن ظروف التصوير لم تكن مريحة 100 ٪. ولكنه كان خيار المخرج منذ البداية أن يضع مولوده السينمائي من رحم الكاف وبين أحضان الجهات الثرية تراثا وآثارا، والخصبة بالمشاهد الطبيعية والمناظر الخلابة... أمّا عن دوافع اختيار مدينة الكاف لتصوير مشاهد فيلم «القيرة» فقد صرّح فاضل الجزيري لـ»المغرب» بأن الكاف تعز عليه كثيرا لأنها احتضنت بدايات غرامه بالفن والمسرح في فترة الفنان منصف السويسي... ولهذا فهي ستكون المنطلق والخاتمة، حيث ستحضن الكاف العرض الأوّل من فيلم «القيرة».
وإن أقر فاضل الجزيري بأن عدم نجاح مسرحية «صاحب الحمار» التي أخرجها بعد الثورة جعله يفكر في تحويل هذا النص المسرحي إلى عمل سينمائي، فإنه قد أكد على أن فيلم «القيرة» ليس قراءة خطية للتاريخ بل هو اشتغال على أحداث تاريخية وإعادة كتابتها وفق مستجدات العصر. كما أشار إلى أن العلاقة بين «ثورة صاحب الحمار» قديما وثورة تونس الحديثة هي علاقة تقاطع حيث تتشابه الأسباب وتتقارب النتائج... لهذا فإن فيلم «القيرة» يتحدث عن التحذير من الاستبداد والتنبيه إلى الديكتاتورية التي يمكن أن تقلب رأسا على عقب مسار الثورات.
وفي خضم انشغاله بتصوير فيلمه الجديد «القيرة»، كشف المخرج فاضل الجزيري هوّية فيلمه القادم الذي ستدور أحداثه حول اغتيال الشخصية النقابية فرحات حشاد.
شخصيات صاخبة وأحداث مثيرة
بين المسرح والسينما، حافظ المخرج فاضل الجزيري على جلّ الشخصيات التي جسدت مشاهد مسرحية «صاحب الحمار» ليستعين بها في تصوير أحداث فيلم «القيرة». وقد أكد طاقم التمثيل عدم وجود أي رابط أو تشابه بين المسرحية والفيلم. وفي هذا السياق صرّح الممثل «معز بن طالب» الذي يجسد شخصية «يونس» أحد أبناء بوزيد قائلا: «أبدا لا يشبه فيلم «القيرة» مسرحية «صاحب الحمار ولا يكرّر أفكار أي من أفلام الجزيري السابقة. إنه تجربة سينمائية جديدة ومبتكرة ستكون مفاجأة الموسم وحديث الساحة. وفي كلمة هو فيلم ضدّ الظلاميين من مختلف الأطياف والأصناف...».
ومن جهتــه، أعرب فنان الأوبرا «هيثم الحضيري» الـــذي يلعـــب دور»خليفة» (الابن الثاني لبوزيد ) عن ارتياحه لتقمص دور الابن الغامض وقليل الكلام الذي سيصنع الحدث في نهاية الفيلم معتبرا أن الفيلم هو اقتباس من الماضي للإشارة إلى الحاضر في كل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية...
وفي دور الشخصية السلبية والشريرة، يجسد الممثل «خالد بعلوش» شخصية «أيوب» الابن الثالث لبوزيد، تلك الشخصية المعقدة والمجرمة والمتطرفة في الشر والتي سيكون قتلها مطيّة «بوزيد» لإسكات الشعب وامتصاص غضب الرعيّة ...
وإن اختار المخرج فاضل الجزيري الفنان «طاهر عيسى بن العربي» للعب الدور الرئيسي في الفيلم وتجسيد شخصية «بوزيد»، فإن دور «عمّار» شقيق بوزيد قد آل إلى الفنان « علي الجزيري» الذي تحدث بحماس كبير عن انضمامه لفريق التمثيل في دور الشخصية المتعطشة للدم والقتل والثأر... مؤكدا أن حضوره في « القيرة» سيكون مختلفا شكلا ومضمونا ...».
تحت سلطة جائرة تستبيح الدم والعرض وتعيث فسادا في البلاد، كان من الطبيعي أن يحيد القضاء عن العدل ويطيع السلطان... وفي هذا السياق كشف الفنان»محمد كوكة» أنّ اضطلاعه بدور «الشيخ التميمي» في فيلم «القيرة» يعكس تزلف القاضي وتملقه للحاكم فزاغ عن الحق إرضاء للسلطان، مشيرا أن رسالة الفيلم هي استشراف المستقبل وتحذير التونسيين الآن وهنا من الغد الآتي...
3 أسابيع مرّت و2 من الأسابيع تبّقت في عمر تصوير مشاهد فيلم «القيرة» الذي سيكون جاهزا للعرض أواخر سنة 2016. وإن تَعِد كواليس تصوير هذا العمل السينمائي الجديد للمخرج فاضل الجزيري بفيلم من النوع «الجيّد» و»مذهل» ... فإن الثابت أن الجزيري يستحق الثناء لمغامرة التصوير في ربوع الشمال الغربي وأريافه تجسيما لمبدأ اللامركزية الثقافية ومساهمة في الترويج للسياحة التونسية. فكيف ستبدو جبال الكاف العالية وآثار مكثر الخالدة وغابات جندوبة الساحرة... وجمال تونس الخضراء في فيلم «القيرة»؟