الافتتاح الرسمي لـ 24 ساعة مسرح دون انقطاع» بالكاف: المسرح لا ينام على ركح يصل الليل بالنهار

ما بين شروق وغروب، غسق الدجى وتباشير الصبح... لا ينام المسرح على ركح تظاهرة

«24 ساعة مسرح دون انقطاع» بالكاف، وهي التي تصل الليل بالنهار احتفاء بالفن والحياة. في لقاء مفتوح بلا فواصل زمانية تنوّعت فقرات الدورة 17 وتوّزعت على فضاءات مكانية في التقاء لتجليات الإبداع من مسرح وموسيقى ورقص... في حضرة «أب الفنون».
على وقع زخات المطر وإيقاع الفرح، كان الافتتاح الرسمي لتظاهرة «24 ساعة مسرح دون انقطاع» بالكاف مع عرض لكرنفال تنشيطي احتفاء بالمعلم التاريخي والطبيعي «مائدة يوغرطة» بعد إعلانها رسميا من طرف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة على اللائحة التمهيدية للتراث العالمي لليونسكو.

«الأجنة» عرض في 24 ساعة مسرح دون انقطاع
من أوجه الطرافة والتجديد في الدورة 17 من تظاهرة «24 ساعة مسرح دون انقطاع» بالكاف إنتاج عرض مسرحي في ظرف 24 ساعة متواصلة دون انقطاع في رمزية لعنوان التظاهرة ومفهومها وأبعادها... فكانت ولادة عرض «الأجنة» من إخراج عاطف بن حسين. هذا العرض ينتمي إلى المسرحيين وإليه يعود، حيث كان موضوعه معاناة أهل الفن الرابع خصوصا والفنان عموما مع لجان الدعم التي تتوخى معايير ضبابية ومقاييس غير واضحة ومنطقية لتقييم الملفات المترشحة للحصول على منح العم من وزارة الشؤون الثقافية. وقد دعا هذا العمل المسرحي إلى مراجعة أسلوب عمل لجان الدعم باعتبار أنه «من غير المقبول تقييم المشروع المسرحي على أساس نص على الورق والحال أنه صورة وحركة وفن حيّ...» وقد كانت هذه الفكرة المبتكرة نابعة من واقع الوضع المسرحي ومنبثقة من هواجس الفنان المسرحي لتقدم في النهاية الحل والبديل.

إبداع في «ليالي البوقڤرعون»
في محاولة لانتقاء لأفضل العروض المسرحية الوطنية والأجنبية، كانت خشبة تظاهرة «24 ساعة مسرح دون انقطاع « بالكاف شاهدة على أجساد تتقارب وتتباعد، حركات صامتة وناطقة، خطوات واثقة ومترنحة... فلم تكن جنسية المسرحيات تعني الكثير للجمهور طالما أن المسرح لغة كل إنسان في كل مكان.
ومن بين العناوين المسرحية التي شدت المتفرجين ونالت كما هائلا من التحية والتصفيق كانت مسرحية «ليالي البوڤرعون» من إخراج نور الدين الورغي وتمثيل ناجية الورغي ومحمد توفيق الخلفاوي ومهذب الرميلي ورضوان الهنّودي و هاجر غرس وعبد الرحمان محمود.
في شاعرية مغرقة في الرمزية، ورمز مغلف بالشعر.. قدمت مسرحية «ليالي البوڤرعون» فرجة ممتعة على ضفاف القصيدة والثورة والحرية. على الركح تجتمع ست شخصيات من أوساط اجتماعية مختلفة ومستويات ثقافية متباينة، لكن يبقى الرابط بينها هو ذلك التقاطع في الاحتفاء بالفن والشعر والحياة والتوق إلى الحرية باستثناء ذلك المتدين المتزلف ورفيقه المتاجر بالدين حيث يلتقيان في الرغبة في اغتيال شاعر ثائر استفز «الجماعة» تمرده وتحرر شعره وشعوره...

في «ليالي البوڤرعون» تلتقي المومس التي تجد في الشعر بلسما وخلاصا، والموسيقي المغرم بتلحين قصائد امرؤ القيس والمعلمة التي فقدت ابنها شهيدا للرأي والموقف تحت التعذيب في برج الرومي، وعامل النظافة الذي يقتفي في تنقله بين أكوام القمامة أثر ابنه الذي ضاع وتاه بعد ثورة خانته، والسلفي الذي يقتل بمقابل، والشاب الذي استقطبه السلفيون وظل ممزقا بين تناقضات فكرية وفلسفية وإيديولوجية... كلّ هذه الشخصيات يلفها ظلام حالك يتمنّى «البوقرعون» أن يشقّه.
في «ليالي البوڤرعون»، شهد الركح لوحات مسرحية نابضة بالشعر والموسيقى والفلسفة... مستفزة المتفرج للسفر معها في عوالم أخرى يسكنها وجع السؤال وقهر المصير.

نفض الغبار عن الموروث الفني
إن كانت الكاف قلعة من قلاع المسرح الحصينة وركحا من أركاحه التليدة... كان من المهم نفض غبار النسيان عن الموروث الفني لأرض «سكا فينيريا» سيما وأن الفرقة المسرحية القارة بالكاف تحتفل بمرور نصف قرن على تأسيسها ... وفي هذا السياق اهتمت ورشة «الرقص والأغنية الفلكورية «من تأطير دومينيك روبو بتجميع الموروث الفني الكافي من أغان ورقصات بما في ذلك المتناثر في الأرياف وأعماق الكاف .ويتمثّل هذا العمل في معاينة وجمع وتحليل نوعيّة الرّقصات وكلمات الأغاني ثم تسجيلها وحفظ هذه التّعابير الشّعبيّة بهدف اكتشاف الآخر وأشكال ثقافته توثيقا لذاكرته وهويته الموسيقية.

كما كان لجمهور تظاهرة «24 ساعة مسرح دون انقطاع» بالكاف موعد مع التراث الغنائي بالجهة حيث تفاعل الحضور مع العرض الموسيقي الفرجوي «غنّايا» للفنان والمسرحي عبد الرحمان الشيخاوي. وقد اعتمد هذا العرض الأغنية الشعبية الكافية مرجعا ومنطلقا لنسج دلالات جمالية وفيّة للتاريخ والهوية.
لم تهدأ الحركة في تظاهرة «24 ساعة مسرح دون انقطاع» بالكاف التي انطلقت يوم 23 لتختتم اليوم 28 مارس 2018 وقد تنوعت مضامينها وتنوعت فقراتها من عروض مسرحية للكهول والأطفال، وورشات تدريبية وندوات فكرية، وعروض تنشيطية وموسيقية... لتوّدع الدورة 17 ضيوفها وجمهورها وعشاقها على أمل اللقاء بهم في موعد قادم مع الوعد بالأفضل وأفق أجمل...

مسرحيون على منصة التكريم
في تحية عرفان ووقفة وفاء وعرفان، قدمت تظاهرة 24 مسرح دون انقطاع بالكاف أوسمة التكريم إلى أسماء مسرحية قدمت الكثير للفن وكانت لها صولات وجولات على الركح. فكان أن استهلت الدورة 17 من التظاهرة محطاتها الفنية بتكريم كل من لطيفة القفصي وكمال التواتي ومحمد توفيق الخلفاوي وأيضا رؤوف بن يغلان.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115