الكاتبة والشاعرة فاطمة بن محمود لـ«المغرب»: هناك حملة ممنهجة لجعل المبدع كائنا هشّا ومنعزلا...

في دروب القص والقصة تتجوّل الكاتبة فاطمة بن محمود في اقتناص للحظة السردية فكتبت:

»من ثقب الباب» و»امرأة في زمن الثورة»... وما بين الحرف والسطر تمتطي الشاعرة فاطمة بن محمود سفينة الشعر لترسو على شواطئ المجموعات الشعرية التالية: «« رغبة أخرى لا تعنيني»، «ما لم يقله القصيد»، «الوردة التي لا أسمّيها «،» لا توقظ الليل «... وقد اختار المجمع التونسي للآداب والعلوم والفنون ( بيت الحكمة) أستاذة الفلسفة فاطمة بن محمود كواحدة من أبرز الشخصيات التونسية والأدبية في النصف الثاني من القرن العشرين.

• في الأيام الأخيرة أعلنت عن بعث جمعية الكاتبات المغاربيات، كيف كان خلق هذه الجمعية الأدبية مرورا من الفكرة، وصولا إلى الولادة؟
تعيش تونس مرحلة هامة اعتبرها حارقة، نلاحظ ربما انه منذ مرحلة حكم بن علي هناك تهميش للثقافة ولا اهتمام إلا بواجهة ثقافية تقودها أسماء أدبية تخدم السياسي ومنذ أحداث ما يسمى بالربيع العربي نلاحظ ان هناك حملة ممنهجة لضرب الثقافة بقوانين تهمش المبدع وتقصيه وهو ما يجعله كائنا منعزلا وبالتالي هشّا و لذلك يسهل تكفيره مثلا... ولعلنا جميعا نلاحظ غياب الكاتب عن المنابر السياسية والاجتماعية كأن لا حاجة له ولا دور يقدمه للبلاد و من يفعل الاستثناء ويحضر يكون حضوره لصفته الإعلامية وليست الأدبية ولأن « الطبيعة تخشى الفراغ» وغياب الكاتب سيمنح الفرصة لبعض الكائنات المهرجة للظهور لذلك يجب على المبدع ان يفرض نفسه ويتموقع بشكل فعلي ليكون له دور يساهم في إخراج البلاد من الوضع المتردي الذي عليه الآن لأنه لا يجب أن نراهن فقط على السياسي ولا على الاقتصادي لإنقاذ البلاد مما هي فيه بل للمعطى الثقافي دور رئيسي لا يقل قيمة.

• هل من لمحة عن أهداف هذه الجمعية، كيف ستمارس نشاطها، ماذا عن مصادر تمويلها؟
من أهداف الجمعية دعم المرأة المبدعة بخلق فرص تواصل وتفاعل وأنشطة متنوعة تمنحها فرص إثبات قدراتها الإبداعية وأيضا العمل على جعل الكاتبة المغاربية وثيقة الصلة بالمشهد الثقافي المغاربي العربي والعالمي إلى جانب تكريس التنوّع الثقافي كأحد مكوّنات الهوية المغاربية من أجل الانفتاح على الثقافات المغايرة..
لكن هذا لا يعني أن الجمعية نسوية لأننا لن نقتصر على الاهتمام بالمنجز الأدبي للكاتبات بل سنعمل على تحقيق هذه الأهداف في سياق عام ننتصر فيه لكل النصوص الجديّة والمختلفة والمميزة ولذلك ينضم معنا في الهيئة المديرة للجمعية الشاعر كمال حمدي.
أما عن التمويل من المؤكد أن أكثر من جهة ستساهم في دعمنا معنويا وأدبيا بما يمكننا من أداء دورنا كما يجب لأني أعتقد أن لنا خصوصيتنا وإضافتنا للمشهد الأدبي التونسي.

• لماذا استقلت، مؤخرا، من اتحاد الكتاب التونسيين، وهل لتأسيس جمعية الكاتبات المغاربيات علاقة ما بهذه الاستقالة؟
صدقا لم اعد أرغب في الحديث عن اتحاد الكتاب التونسيين. وكما أن انضمامي إليه لم يضف لي شيئا فان استقالتي منه لم تنقص شيئا لي سوى أني تخلصت من معايداته السخيفة في المناسبات الدينية ومن مجلة هزيلة تكرر نفس الأسماء، طبعا كل أعضاء هيئته أصدقائي وسيظلون كذلك ولكن أنا أتحدث عنه كهيكل تنظيمي واستقالتي من اتحاد الكتّاب لا علاقة لها إطلاقا بتأسيس الجمعية. فقد ولدت فكرة تأسيس الجمعية عندما كنتُ ضيفة على الملتقى الرابع لرابطة الكاتبة المغربية في الرباط في 2015 عندما التقيت برئيسة الرابطة الصديقة «عزيزة يحضيه عمر» ومن خلال أحاديثنا تطرقنا إلى هذه الفكرة واتفقنا أن أتولى تأسيس جمعية ثقافية في تونس كما تكفلت الكاتبة الموريتانية عزيزة البرناوي بتأسيس جمعية في موريتانيا.. و هكذا كانت الفكرة تقوم على تأسيس جمعيات في البلدان المغاربية على ان يتم التواصل مع رابطة الكاتبة المغربية واعتبارها المركز بالتنسيق على مستوى الأهداف الكبرى من أجل تطوير المنجز الأدبي النسوي المغاربي.

• وأنت تكتبين القصيد وتنظمين الشعر، ما هي انتظاراتك من الدورة الأولى لأيام قرطاج الشعرية ؟
الفكرة جيدة ولكن ينقصها الكثير لتتحول إلى علامة أدبية تغيّر في تاريخ الأدب في تونس وتفرض الشاعر التونسي عربيا حتى لا أقول عالميا، لذلك أجد هذه الأيام بدون رؤية واضحة وهذا ما يجعلها حدثا شعريا عابرا بمعنى انه مجرد ملتقى شعري باسم رنّان يصنع له بهرجا صوريا تشارك فيه نفس الأسماء الشعرية في تونس وتستدعى له أخرى دولية يمكن أن يأتي بمثلها أي ملتقى في أي مدينة صغيرة في تونس.
أتوقع أن ينجح إعلاميا كملتقى تدعّم وتسوّق له ماكينة ضخمة ولكن أدبيا هل سيغيّر شيئا في تاريخ الشعر في تونس هل سيصنع حركة شعرية ونقدية تفرض أسماء شعرية تونسية في العالم العربي هل سيساهم في تسويق الديوان التونسي وينشره بلغات مختلفة في كل جهات الأرض ؟

• قريبا، تحتفل تونس بالافتتاح الرسمي لمدينة الثقافة، هل تجد المبدعة فاطمة بن محمود مكانا لها في هذه المدينة الموعودة؟
أرى مدينة الثقافة بناء فخما وجميلا جدا، طبعا الروائي يمكن أن ينجز إبداعه في غرفته والتشكيلي في مرسمه ويمكن للشاعر أن يصطاد قصيدته في ركن في مقهى آو في عربة المترو .. الإبداع في حد ذاته لا يحتاج هذا القصر الفخم الذي تصبح له قيمة فعلية فقط عندما تكون له خطة وإستراتيجية ثقافية واضحة بكل أبعادها وفق أهداف صغرى و متوسطة وبعيدة..
بمعنى يحتاج المبدع في هذه المدينة الفخمة من يفكر من أجله من يتصور ويخطط و ينظم و يعمل من أجل خلق شروط لضمان حريته الإبداعية من جهة ومن أجل متابعته نقدا وترجمة والترويج له بقوانين نشر تحفظ قيمته المادية والاعتبارية والتعريف به إعلاميا في تونس وخارجها.. ما أريد أن أقوله أن مدينة الثقافة يجب أن ترافقها استراتيجية للثقافة تجيب فيها على أسئلة محددة ما الثقافة التي نريدها وكيف نحققها.. لعل ما ينقصنا في تونس دائما هو رسم استراتيجية ثقافية تماما مثل ما يفترض ان نفعل في الاقتصاد مثلا.
نحن لدينا مهرجان قرطاج السينمائي الذي يعتبر منارة فعلا لكنه لم ينجح في تطوير السينما التونسية ولا تجذيرها اجتماعيا و بعد عقود عديدة لا يزال المنجز السينمائي هزيلا.
منذ عقدين لم نكن نسمع بالدراما التركية لكنها الآن تغزو العالم العربي والدراما ليست قصصا يتابعها الناس بل هي تقدم ثقافة و نمط تفكير وأسلوب حياة وهنا تكمن خطورة المسألة بالنسبة لنا لأنها تصبح ثقافة «غازية»، قريبا من الحي الذي أقطن ثمة امرأة فتحت متجرا سمته « حريم السلطان » وهي ربما تفعل ذلك بسذاجة تماهيا مع جماهيرية هذه الدراما التركية و لكنها لا تدري ربما انها تروج لفكرة خطيرة تجعل الوعي السائد يتقبل لاشعوريا وبعفوية فكرة الحريم بكل ما تعنيه من استعباد للمرأة و حطّ من قيمتها.
ما أريد قوله أن مدينة الثقافة في تونس ستكون منجزا حقيقيا في حالة واحدة فقط ان كانت ستشتغل وفق استراتيجية ثقافية و رؤية استشرافية للعملية الثقافية وتقبل أن تطور قوانينها في صالح المبدع و ايصال صوته عاليا و بعيدا كما ستصبح منارة حقيقية عندما تجعل من المسألة الثقافية رهانا حقيقيا يجذّر الثقافة في النسيج الاجتماعي ويصالح التونسي مع بيئته كما يرفع من مكانة تونس المبدعة عربيا و دوليا، بهذا فقط تصبح هذه المدينة نقطة تمفصل في تاريخها الأدبي .

• هل من ديوان شعري أو إصدار أدبي بإمضاء فاطمة بن محمود في الأفق ؟
اخترت هذه السنة أن أتخلص من بعض مخطوطاتي بنشرها حتى يسهل عليّ تجاوزها أدبيا لذلك أتوقع أن يصدر لي هذه السنة أكثر من كتاب من ذلك انه لي تحت الطبع كتاب نقدي سينشر مع إحدى دور النشر البارزة في المغرب كما لي ديوان شعري سينشر في الجزائر.
غير هذا أسعى أن أقرأ باستمرار الكتب الأدبية و خاصة النقدية لتكون لي رافدا مهما يساعدني على تطوير كتاباتي وإثرائها...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115