أيام «منيرفا» لمسرح خيال الظل: هنا نحلم نعمل والفكرة تصبح مشروعا

تجّملوا بالفنون، زينوا الحيطان بأجمل الالوان وعشقوا المسرح حتى اصبح دينهم وديدنهم،

تماهوا في مسار مسرحي مقاوم يقدم الفرجة والحلم لاطفال الريف والهامش، اخذوا على عاتقهم مهمة اسعاد اطفال «حي الملاجي» و كان «منيرفا تياتر» هو سلاحهم لتحقيق هذه السعادة.
«منيرفا تياتر» فضاء ثقافي خاص في مدينة سبيطلة، فضاء يقدم للاطفال مجموعة من التظاهرات والورشات واخرها تظاهرة ايام منيرفا لخيال الظل، تظاهرة كغيرها هي نبراس امل و رذاذ ينعش ارواح الاطفال العطشى للفنون.

«منيرفا» تياتر...للحلم بقية
هناك قرروا ان ينحتوا في صخر التصحر الثقافي، قرروا نثر رمال لامبالاة السلطة وانشاء فعل ثقافي بديل ومقاوم، هناك في «الملاجي» من مدينة سبيطلة وفي حي شعبي لا يعرف سكانه من الثقافة غير ما يشاهدونه في التلفاز قرر الثنائي مقداد الصالحي وزينة مساهلي خوض غمار التجربة وانجاز فضاء ثقافي خاص تشبّع بجمال فريدويت، فضاء سموه «منيرفا تياتر» فضاء كما طائر المنيرفا كلما احترق ينهض من رماده كذلك الفضاء كلما اغلقت سبل العمل الا وعاد اجمل وأقوى، منيرفا تياتر عرف العديد من التحسينات في المدة الأخيرة.

و إيمانا منه بقدسية الفن ورقي أهدافه النبيلة وبدعم من وزارة الثقافة عمل الفنان مقداد الصالحي على تهيئة فضاء مينرفا تياتر حتى يكون ملائما للعروض المسرحية وغيرها من الفنون.. فكان الفضاء نقطة الإبداع والبناء حيث دفعه شغفه بهذا المكان إلى نحته ليكون مطابقا للحلم الذي راوده لسنوات خاصة وأن هذا الفضاء يقع في حي شعبي « الملاجي « وكان بذلك هذا الحلم بمثابة التحدي لحواجز التصحر و الإقصاء في هذه المنطقة خاصة وأنها قد عانت لسنوات من الإقصاء والتهميش المركزية الثقافية .

فضاء «مينرفا» تياتر تجاوز حدود المكان ليتجسد في طموح فناني المنطقة وليصبح قبلة لمحبيه ومشروعا لكل مبدع في سبيطلة وفي القصرين عموما ..جداريات عملاقة وألوانا زاهية بالحياة والحب هكذا نحتها الفنان التليلي بالخير وهكذا أرادها أصحاب الفضاء أن تكون ..
مكان حميمي يصنع الإلهام ويطابق الحلم تتعدد أركانه بتعدد الأنشطة والورشات مسرح رقص موسيقى غناء ... فسيفساء من الفنون حملها هذا المكان الجميل ليرسم حكاية عشق للفنان مقداد الصالحي والفنانة زينة مساهلي حيث أراد كل منهما أن يتزامن اعادة افتتاح الفضاء بافتتاح تظاهرة أيام مينرفا لمسرح خيال الظل في دورتها الخامسة التي دامت من 27 جانفي الى حدود 30 جانفي ...

تظاهرة بلغت من العمر خمسة اعوام وعن اهداف التظاهرة وماتحقق منها تقول زينة مساهلي لـ«المغرب»: «يمكن أن اقول أننا حققنا البعض من الأهداف بما في ذلك انتاج أعمال مسرحية للكهول والأطفال و تكوين ورشات مختلفة تهتم بصقل مواهب الناشئة هذا اضافة إلى جعل هذا الفضاء نقطة استقطاب محلية ودولية ولكن يبقى الطموح واردا في تكثيف العروض المسرحية خاصة وأنها تشهد هذه الفترة احتشاما ملحوظا».
منيرفا تياتر الموجود في حومة الملاجي اعاد فتح ابوابه لكل الحالمين، فضاء من اول الفضاءات الثقافية الخاصة صنع للحي بريقه وصنع لأطفال الهامش فرصة للحياة.

انتهت التظاهرة والحلم لازال متواصلا
لثلاثة أيام عاش الفضاء مع فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان مسرح خيال الظل، وقد اختلفت هذه الدورة لتظاهرة أيام مينرفا لمسرح خيال الظل في دورتها الخامسة عن غيرها من الدورات على أنها كانت الأكثر استقطابا للجمهور
حيث ساهمت الإصلاحات والتحسينات في الفضاء في استقبال المزيد من الرواد وعشاق فضاء مينرفا تياترعلى حد تعبير الممثلة زينة مساهلي.

.. في الدورة الخامسة حضور مكثف وتبادل للأفكار والحلم بمشاريع فنية هكذا كانت أجواء الافتتاح في اليوم الأول حيث تم اختيار عرض من انتاج الفضاء مونولوق الساحرة تمثيل غفران الصالحي نص زينة مساهلي اخراج مقداد الصالحي .. عمل مسرحي يعتمد على قدرات الممثل الواحد.. ففي جو من العتمة والغموض تخرج الساحرة عن صمتها الأبدي بصرخة غريبة ...« ابحثو لنا عن كوكب آخر غيرهذا الكوكب الهش» «لوكان عندي أجوبة لما أرهقتني الأسئلة » « فقط أردت أن أسقط قيم الشر وأعيد للإنسان ماهو للإنسان» .. أسئلة وجودية ومفارقات انسانية صارخة وغريبة غزت كوكب الأرض مما دفع بالساحرة للبحث عن كوكب غير هذا الكوكب الهش الذي أضحى يحتضر لما يعانيه من تداخل صارخ في القيم كالخيروالشر والأنانية والحب السلم والحرب..ليضيق المكان والزمان بهذه الساحرة وكأن الألم غزى المجرة الكونية ليطال جسدها العقيم «الخواء يلد الخواء» صورة مطابقة لتدهور القيم في هذا العصر توحي بعبثية الوجود الإنساني.
وقد كان للشعر نصيب في هذا المهرجان الفني حيث قرأ الشاعر فتحي النصراوي الذي صدح بباقة من الأشعار الرائعة والتي احتوت صورا شعرية حملتها قريحته الراقية والثرية بالنضال «الحب» المرأة والطبيعة ... ولم تخل هذه الأجواء من الطرب حيث قدم كل من الثنائي الرهيب محرز العبيدي «زرياب القصرين» والفنان صاحب الصوت الجبلي الجميل عدنان الهلالي باقة من الوصلات الغنائية مما أضفى على أركان الفضاء لمسات من السحر والحميمية..

وفي يوم 28 جانفي وبمهرجان من الألوان والفرح تم عرض مسرحية موجهة للأطفال بعنوان «الساحر» لمركز الفنون الدرامية والركحية بمدنين اخراج حمزة بن عون والذي شهد حضورا مكثفا لجمهور الأطفال حيث استمتعوا بأجواء العرض لما فيه من فسيفساء جميلة من الموسيقى والضوء .

وعلى امتداد أيام التظاهرة تم عرض ورشات مخصصة للأطفال تفرعت على مختلف أرجاء الفضاء بما في ذلك ورشة خيال الظل حيث يشرف على هؤلاء الأطفال مكونون عملوا على صقل مواهبهم والرقي بها نحو سبل النجاح والإبداع .. حيث قاموا بصنع العرائس الجميلة وتحريكها من وراء الشاشة البيضاء حتى ينعكس ظلها ومن ثمة يقومون بعرض مسرحي يكون من وحي خيالهم الثري وبالتالي تمكينهم من تجربة الكتابة المسرحية ..هذا اضافة إلى ورشة فن المهرج حيث تختص في اطلاع الطفل على شخصية المهرج المضحكة ولباسه الطريف ومن ثمة دمجه في عالم الخلق والأبداع من خلال صنع قناع المهرج المتعدد الألوان والملامح وبالتالي تقليد حركاته المضحكة والطريفة ...
أما اليوم الثالث للتظاهرة فقد استفاق الأطفال ليصطفوا كعادتهم أمام مقر الفضاء متعطشين لمشاهدة عرض مسرحية « حكمة أرنب « انتاج شركة القبعة الحمراء إخراج فارس سعداوي .. حيث تدور أحداث هذه المسرحية في الغاب أين تعيش الحيوانات تحت بطش الأسد الظالم الذي يؤسس ديمقراطيته المغلوطة في الغاب حيث يفترس منهم كل يوم واحدا تقع عليه

القرعة .. تتالى المعاناة مما يدفع بالأرنب إلى البحث عن حيلة تمكنهم من النجاة من بطش الملك الظالم .. وأخيرا يهلك الأسد بفضل ذكاء الأرنب الذي استغل نرجسية ملك الغاب ليوقع به في البئر نتيجة غبائه وعدم اعتماده ملكة العقل والتفكير... حكمة هادفة خاطبت العقول وداعبت القلوب وأشركت الأطفال في العرض حيث انتصروا للأرنب الذكي ونددوا بالأسد الجائر..رسائل فنية هادفة تشير إلى ما تعانيه مجتمعاتنا اليوم من ظلم السلطان وجحوده ..
وفي اليوم الموالي تم عرض مسرحية من إنتاج الفضاء بعنوان «منقذة تحب الأرض» أنتاج شركة «مينرفا للفنون الركحية» نص وتمثيل زينة مساهلي اخراج مقداد الصالحي تمثيل عبد الله الشبلي, هنيدة الصالحي , غفران الصالحي ... مسرحية راوحت بين الفن والعلم لتناولها لظاهرة الإنحباس الحراري وتأثيرها السلبي على كوكب الأرض .. أغاني موسيقى وفرح

هكذا كانت أجواء العرض حيث شاهد الأطفال العرض بكل شغف وفضول مهللين بالبطلة « منقذة » التي أعادت الحياة لكوكب الأرض وأنقذت مستقبل الأطفال ..

وفي حفل الإختتام تم عرض انتاج الورشات بحضور الأولياء والأهالي الذين عبروا عن امتنانهم وحبهم لهذا الفضاء وأنشطته الفنية المختلفة مطالبين بالمزيد من العروض ومساندتهم على تطوير المواهب الناشئة ..وفي أجواء من التشويق و الفرح لبس الأطفال زي المهرج وجالوا بألوانهم الزاهية على الأرصفة وفي شوارع حي «الملاجي» تحت تهليل الأهالي ودعمهم ليكون حافزا لهؤلاء الأطفال يدفعهم نحو سبل النور وينتشلهم من قيود الحرمان والتهميش ..

دورة قدمت لاطفال الملاجي، هناك يختلف مسرح الطفل من حيث الإمكانيات والإستقطاب ولكننا عملنا جاهدين على توفير البعض منها حتى نمكن هذا المتلقي الصغير من الفرجة الممتعة . هذا اضافة لكثافة العروض التي تبقى غير كافية ولا تلبي نهم المتعة عند الطفل، متعة الفرجة. ولكن تبقى هذه النقائص مجرد جاجزا بسيطا أمام لهفة الأطفال وتعطشهم للمشاهدة والمتعة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115