وبعد ماراطون من الاجتماعات والدراسات والمقترحات، وصل أخيرا مشروع قانون الفنان والمهن الفنية إلى مصالح مجلس نواب الشعب في انتظار المصادقة عليه ودخوله حيز التنفيذ. فهل جاء هذا القانون في نسخته الأولية في مستوى الانتظارات والآمال؟
احتضنت قبة مجلس نواب الشعب، أول أمس، جلسة استماع لوزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين صلب لجنة الشباب والشؤون الثقافية والتربية والبحث العلمي بخصوص مشروع القانون المتعلق بالفنان والمهن الفنية.
6 أبواب و41 فصلا
في فصله الأول جاء في مشروع قانون الفنان والمهن الفنية ما يلي:»يهدف هذا القانون إلى وضع إطار قانوني يضبط حقوق الفنان وواجباته وكيفية ممارسة المهن الفنية ويحدد آليات النهوض بالأنشطة الثقافية ودعم منتسبيها».
وقد عرّف هذا القانون الفنان بأنه «كل شخص طبيعي يبدع أو يشارك، من خلال أدائه، في إبداع أو إعادة إبداع مصنفات فنية، يعتبر عمله الفني عنصرا أساسيا في حياته، ويسهم بذلك في تطوير الفن والثقافة، ويكون معترفا به كفنان أو يسعى إلى هذا الاعتراف.»
6 أبواب و41 فصلا ضمّها مشروع قانون الفنان والمهن الفنية في صيغته المعروضة على لجنة الشباب والشؤون الثقافية والتربية والبحث العلمي في انتظار مصادقة مجلس النواب.
وكانت وزارة الشؤون الثقافية قد اعتمدت مشروع قانون الفنان والمهن الفنية الذي اقترحه المجتمع المدني.
الفصل 37 يثير الجدل
إن كانت الكثير من فصول مشروع قانون الفنان والمهن الفنية محلّ اعتراض واحتجاج من طرف أهل الفن والمعنيين بالأمر فقد أثار الفصل 37 الجدل والاستنكار لما تضمنه من رقابة على ممارسة الفن وعقوبة جائرة وغير منطقية ...
وقد ورد في الفصل 37 ما يلي: «يعاقب بخطية تتراوح بين 1000 و5000 دينار كل من يمارس نشاطا فنيا بصفة محترفة دون الحصول على البطاقة المهنية المستوجبة قانونا وذلك بالرغم من التنبيه عليه من المصالح المختصة بوزارة الشؤون الثقافية. وكل من يمارس نشاطا فنيا بصفة محترفة دون عقد مكتوب. وكل من يعمد إلى عدم وضع طابع المساهمة الفنية على العمل الخاضع لها. في صورة العود تضاعف العقوبةس.
«مهزلة وعودة إلى الوراء»
إن تعتبر وزارة الشؤون الثقافية استئناسها بالمشاريع المنجزة من طرف ممثلي المجتمع المدني تكريسا للمقاربة التشاركية في سبيل إثراء مشروع قانون الفنان والمهن الفنية، فقد تساءل المسرحي ونائب مجلس نواب الشعب «عماد أولاد جبريل» عن هوية هذا المجتمع المدني مشككا في درايته بالشأن الفنّي وخصوصية مهن مختلف قطاعاته... وأضاف في تصريح لـ«المغرب»: باعتباري فنانا ومسرحيا بالأساس حضرت جلسة الاستماع لوزير الشؤون الثقافية صلب لجنة الشباب والشؤون الثقافية والتربية والبحث العلمي حول مشروع القانون المتعلق بالفنان والمهن الفنية. ولم أتردد في الكشف عن موقفي المناهض لهذا المشروع الذي كان بمثابة المهزلة والعودة إلى الوراء وكأننا به من وضع اختصاص القانون الصرف أو بمشاركة بعض «اللوبيات» المقتنصة لفرص التمعش والابتزاز لأهل الفن».
وأكد عماد أولاد جبريل خصوصية كل قطاع واختلاف كل مهنة فنية عن الأخرى مناديا باستشارة كل قطاع على حدّة وعدم الجمع بين الكل في سلة واحدة حتى يستجيب مشروع القانون المذكور إلى كل التطلعات والانتظارات.
واعتبر أستاذ المسرح عماد أولاد جبريل أن مشروع قانون الفنان والمهن الفنية يشكو من عديد التناقضات في فصوله وأحيانا في الفصل الواحد على غرار القسم الثالث الذي تضمن أحكاما خاصة بالأطفال حيث نص الفصل 17 على أنه يمكن «إسناد البطاقة المهنية لمن يقل سنه عن الثمانية عشر سنة شرط الحصول على ترخيص من وليّه» ليرد في الفصل الذي يليه مباشرة «يمنع القيام بكل إشهار يهدف إلى استقطاب الأطفال لممارسة الأنشطة الفنية من خلال إبراز طابعها المربح».
اعتراض من اتحاد الفنانين التشكيليين
تم إعداد مشروع قانون الفنان والمهن الفنية بالاستئناس بنتائج الدراسة المنجزة سنة 2015 والمموّلة من طرف الاتحاد الأوروبي وأيضا بتجارب مقارنة من دول المغرب العربي والدول الأوروبية. إلا أن الصيغة المعروضة على أنظار لجنة الشباب والشؤون الثقافية والبحث العلمي بمجلس النواب لم تكن في مستوى انتظارات اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين الذي توجه إلى رئيس مجلس نواب الشعب بالمراسلة التالية: «بعد اطلاعنا بصفتنا هيئة مديرة لاتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين الهيكل الأعرق والأكثر تمثيلية لمجموع الفنانين التشكيليين التونسيين منذ تأسيسه سنة 1968، وأمام ما لاحظناه من نقائص واخلالات بالقانون المعروض على اللجنة المختصة تحت عنوان مشروع قانون يتعلق بالفنان والمهن الفنية، نرجو منكم تحديد موعد لجلسة استماع لممثلين عن هيئة الاتحاد، فقد نتمّكن على إثرها من تسجيل بعض التحفظات وإقناع اللجنة بمقترحات تعديلية من شأنها تحسين محتوى هذا القانون لما فيه من فائدة للفنانين التونسيين».
يبدو أن مشروع قانون الفنان والمهن الفنية لم يبلغ نقطة النهاية بعد ومازال أمامه طريق طويل من إعادة التشاور والاقتراح والاتفاق على الصياغة... فهل يطول المسار أكثر ممّا طال؟
نصوص قديمة تعود إلى أكثر
من 30 سنة
تتسم النصوص القانونية في مجال تنظيم المهن الفنية في تونس بالتشتت وعدم مواكبة العصر ويرجع البعض منها إلى أكثر من ثلاثين سنة على غرار القانون عدد32 لسنة 1969 والمتعلّق بإحداث بطاقة مهنية للاحتراف الفني والذي لم يعد يواكب التطورات التي تعرفها هذه الميادين سواء من حيث بروز أنماط فنية مستحدثة أو من حيث آليات إسناد بطاقات الاحتراف الفني التي تقوم على مبدأ الامتحان المهني الذي يحدّ من حرية الممارسة الفنيّة.