ونسبه إلى أنفسهم ظلما وبهتانا، زورا وكذبا... ولعل السرقة الثانية أخطر من الأولى بكثير وأشد وقعا وهي تستولي على تعب وحبر وعرق وحده الورق يعلم حجم إرهاق صاحبه وهو يخط السطر تلو السطر ويتلو الفكرة تلو الفكرة ...
في حادثة جديدة ليست بالأولى ولن تكون بالأخيرة في زمن عربدة لصوص الفكر، كان الكاتب التونسي كمال الرياحي - والذي فاز مؤخرا بجائزة ابن بطوطة في أدب اليوميات - ضحيّة عملية سطو على مقال نقدي له حول أدب اليوميات من طرف كاتب من اليمن. فما هي تفاصيل الحكاية؟
«عمشوش» يسطو على فكر «الرياحي»
سنوات من البحث والجهد وقع السطو عليها بكبسة زر واحدة وفي لحظة خاطفة، عن حيثيات الواقعة التي وصفت بـ «الجريمة الأكاديمية» تحدث كمال الرياحي كما يلي:» تفاجأت وأنا أقلّب في محرك البحث غوغل، وجود مادة مقال لي كنت قد نشرته على جزأين في موقع «ضفة ثالثة» تحت عنوان «اليوميات أسلوب حياة» بتاريخ 20 سبتمبر2017. وهو خلاصة بحث انكببت عليه منذ سنوات محاولا سد الفراغ في المكتبة النقدية العربية بخصوص هذا الجنس. وقد راعني أن المقال جاء منسوخا ومنشورا باسم شخص يحمل اسم مسعود عمشوش بتاريخ 6 جانفي 2018 بموقع صحيفة «الرأي براس» اليمنية بعنوان: «علي أحمد باكثير وفن اليوميات (1/2)». وزاد استغرابي عندما وجدت أن هذا الشخص يرفق اسمه بألقاب جامعية «أ د» وتأكدت من وجود هكذا اسمٍ وبحثت عنه في وسائل التواصل الاجتماعي، فراعني أني وجدت صفحته على الفايسبوك وقد نشر فيها المقال نفسه ورابطه، ويتقبل في التهاني على قيمة المقال، فراسلت أصدقاء من كتاب اليمن وصدموا بفعلته وكاتبت الصحيفة التي نشرت المقال أستفسر، فلم تَرد لغاية هذا التاريخ كتبت له تعليقات على صفحته أشير فيها إلى مقالي المنشور بـ «ضفة ثالثة» وأذكره بأخلاقيات البحث العلمي الذي لا يسمح حتى بالاقتباسات الطويلة، فما بالك باختلاس مقال كامل دون أي إشارة لصاحبه... فرّد السيد مسعود عمشوش بردود هيستيرية يتمسك فيها بمقالي مدعيا أنه له ولن يتراجع عن فعلته...»
اتحاد الكتاب التونسيين وجبن الموقف!
إن كانت الكتابة بمثابة الولادة العسيرة، فلاشك أن تحبير مقال نقدي مؤيد بالمراجع، ثري بالمصادر... يحتاج إلى جهد إضافي وطاقة مضاعفة. ولاشك أن السطو على هذا المقال بكل ما يحمله من فظاعة الاعتداء على الملكية الأدبية والفكرية حزّ كثيرا في نفس كمال الرياحي صاحب المقال الأصلي. وفي الوقت الذي سارع فيه اتحاد الكتاب اليمنيين إلى إصدار بيان يدافع فيه عن الكاتب مسعود عمشوش بمنطق انصر أخاك ظالما أو مظلوما ويتهجم فيه على كمال الرياحي بالرغم من أنه ضحية هذه الجريمة الأكاديمية... التزم اتحاد الكتاب التونسيين الصمت وكأنّ الإهانة التي لحقت كاتبا تونسيا لا تعنيه لأنه ليس من منخرطيه !؟ أليس اتحاد الكتاب يتلقى الدعم من مال الشعب ومن واجبه التصدي لأي اعتداء مادي أو معنوي يلحق أهل الفكر والقلم في بلادنا؟
موقع «ضفة ثالثة» يطالب بالاعتذار لكمال الرياحي
مقابل هذه العطالة لاتحاد الكتاب التونسيين وانزوائه في ركن الصمت المطبق، هبّ موقع «ضفة ثالثة» إلى الرد على بيان اتحاد الكتاب اليمنيين والمطالبة بالاعتذار إلى كمال الرياحي والدفاع عن ملكيته لمقال «اليوميات». ومن بين ما جاء في بيان موقع «ضفة ثالثة» ما يلي :»انخرط الاتحاد اليمني في الدفاع عن المتهم بحجج ضعيفة جدا... فيما كان زميلنا الكاتب التونسي يطلب منهم بكل لطف النظر في المقالين والتثبت من تواريخ النشر وأسبقية مقال الرياحي الزمنية، التي ترقى إلى أشهر في بحثه الأصيل حول فن اليوميات (اليوميات أسلوب حياة)، ومقال الجامعي اليمني الذي جاء متأخرا جدا، وبدا استنساخا لكل مواد الدراسة التي قدمها كمال الرياحي، ولم يفعل الكاتب اليمني إلا سلخها أو تخفيفها مما يتعلق بالإحالات على المدونة التونسية. ولئن تعرض كمال الرياحي لأشكال السرقة في مداخلته من الانتحال الكامل إلى التلخيص إلى السلخ، فإن ما هو مستغرب أن اتحاد الكتاب اليمنيين، الذي يفترض أنه دقق في الواقعة، لم ينتبه إلى تسرّب خطأ مطبعي في مقال كمال الرياحي تمثل في كتابة عنوان كتاب الرسامة الميكسيكية فريدا كاهلو RK والحال أن عنوان الكتاب FK ولكن الرياحي الذي تعود أن يمضي بأول حروف اسمه سها عن ذلك، فإذا بالأستاذ الدكتور عمشوش، خريج السربون، ينسخ اسم الكتاب من مقال الرياحي كما هو، ويورده في مقاله الذي هو عبارة عن عملية سلخ شامل لأفكار مقال الرياحي منزوعة المقاطع التحليلية، وكثيرة هي الأمثلة للنسخ الحرفي أو محاولة تغيير الأسلوب فتظهر جمله متقطعة، أو معترضة، للإيهام، في رأينا، باختلافه عن مقال الرياحي. ونبقى في انتظار رد اتحاد الكتاب اليمنيين على ما لحق بكاتبنا وبمقاله المنتحل من هذا الموقع...»
هل يكون القضاء هو الفيصل؟
قدّم الروائي كمال الرياحي أكثر من دليل يوّرط المنتحل اليمني لملكية المقال المثير للجدل. كما عدد مواطن السرقة الموصوفة بالبراهين التي لا يرقى إليها الشك... وهو ما جعل الرياحي يحصد كمّا هائلا من المساندة العربية وحتى من طرف كتاب ومثقفين شرفاء من اليمن انتصروا لصاحب القضية العادلة وطالبوا ابن بلدهم بالاعتذار درءا للفضيحة المدوية... وأمام تضييق الخناق عليه سعى اليمني مسعود عمشوش في رقصة الديك المذبوح إلى عديد المحاولات في التخفي وتبرئة نفسه من ذلك التنصل الضمني من المقال مقرّا بأنه «حذف ما كتب» ، إضافة إلى تحريف المقال في أكثر من مرة لمحو آثار الجريمة... لكن إلى اليوم لم يعتذر «عمشوش» من الكاتب والناقد التونسي كمال الرياحي. فهل تكون الملاحقة القانونية هي الحل ويكون القضاء هو الفيصل؟