الحصاد الثقافي لسنة 2017: انتكاس في الداخل... إشعاع في الخارج

تلملم سنة 2017 أشياءها وصورها وذكرياتها في حقيبة السفر استعدادا للرحيل واللّحاق بذاكرة الماضي، وقد انطلق العد العكسي لاستقبال سنة جديدة.

وما بين سنة تلفظ أنفاسها الأخيرة على سرير الحاضر وأخرى أوشكت على الولادة بين يدي المستقبل، قد يكون من المشروع تقييم الحصاد الثقافي لسنة 2017 في استدعاء لأهمّ محطاته واسترجاع لأبرز أحداثه بعد عام من الحياة الثقافية التي لم تكن بمعزل عن حال البلاد وهاجس العباد ...
تصافح السنة الجديدة القطاع الثقافي بخيبة التقليص في نصيب وزارة الشؤون الثقافية في ميزانية 2018 لتمثل نسبة 0.73 % من الميزانية العامة للدولة بعد أن كانت 0.79 % سنة 2017.

المسرح والحيرة على الركح
على خشبة الركح يبدو المسرح التونسي تائها ومضطربا بسبب تذبذب أحوال الوطن وضبابية النظرة إلى المستقبل... لكن هذا لم يمنع الفن الرابع في بلادنا من السعي لخلق القوّة من الضعف والقفز أشواطا على درب التجديد ومحاولة الابتكار في تطلّع إلى سماوات أبعد وآفاق أرحب... فكان حصاد هذا الاجتهاد تتويجات وأوسمة في المهرجانات المسرحية والمحافل الدولية على غرار تتويج مسرحية «أو لا تكون» لأنور الشعافي بـستة جوائز في المهرجان الدولي «مسرح بلا إنتاج» بالإسكندرية... كما تحصل مدير المسرح الوطني فاضل الجعايبي على تنويه خاص بمناسبة منح الجائزة الأوروبية للمسرح لسنة 2017. وبالرغم من معاناة الفضاءات الخاصة في الحصول على تمويل فإن ذلك لم يمنع الفنانة زهيرة بن عمّار من ركوب قارب المغامرة وافتتاح فضائها الثقافي الخاص «مسرح السنديانة»...

ولعل من أهم ما علق بالذاكرة من «هزائم» قد لحقت بالمسرح التونسي سنة 2017 هو الاحتجاج على عنوان مسرحية نجيب خلف الله الأخيرة بدخول نقابة الأئمة على الخط مما تسبب في الاعتداء على المخرج وحجب عنوان المسرحية باللسان العربي:» ألهاكم التكاثر».
وأخيرا، كانت أيام قرطاج المسرحية بمثابة «الرّجة» التي تدعو إلى وقفة تأمل في انتاجات المسرح التونسي والعربي عموما حيث تم حجب الجائزة الكبرى لأفضل عرض متكامل وذلك لانعدام المستوى المطلوب في الأعمال المتنافسة على تانيت المهرجان.
ويبقى المسرح التونسي، اليوم، نقطة إشعاع على خارطة المسرح العربي الممزق الأوصال كالأوطان ...

السينما تكتسح مهرجانات العالم
نجاح متواصل وإشعاع كبير رافقا السينما التونسية في كل مرّة تصافح فيها جمهور المهرجانات العالمية. وإلى جانب الطفرة في عدد الانتاجات السينمائية والتي تجلّت في الرقم القياسي لحضـــور السيــنما التونسية في الدورة الأخيرة من أيام قرطاج السينمائية، فقد حمل الشباب مشعل هذه «الثورة» السينمائية الواعدة بجيل جديد من صنّاع السينما ممن يحملون رؤية مغايرة ويتسلحون بأدوات مختلفة ويستعينون بتقنيات جديدة...

ومن أبرز الأسماء في حقل السينما التي اقترن ذكرها بالتتويج سنة 2017 نجد المخرجة كوثر بن هنية التي حاز فيلمها الجديد «على كف عفريت» على جوائز عديدة وظفر بالفوز على أعرق منصات الفن السابع... في المقابل، كان فيلم «الجايدة» للمخرجة سلمى بكار الأكثر إقبالا في قاعات السينما التونسية سنة 2017.
ومن انجازات السينما التونسية لسنة 2017 ترشيح الفيلم الروائي الطويل «آخر واحد فينا» للمخرج علاء الدين سليم لتمثيل تونس في حفل جوائز الأوسكار لعام 2018 ضمن فئة أفضل فيلم أجنبي.
وعلى مستوى الهيكلة، لعل من أهم المكاسب التي تحققت لقطاع السينما هي الإعلان عن بعث المكتبة السينمائية التونسية بعد طول انتظار وكثير من الإلحاح على ضرورة الاعتراف بأهمية الوثائق السمعية البصرية وحفظ إرث الثروة الوطنية السينمائية. وتمثل المكتبة السينمائية أهم أقطاب مدينة الثقافة التي سيتم افتتاحها في 20 مارس 2018.

غنائم فرسان الأدب والقلم
بالرغم من «نكبة» قطاع الكتاب في تونس وارتهانه إلى ماكينة الدعم وأزمة النشر... فقد افتك أدباء تونس ومبدعوها في حقل الكتابة الريادة واحتلوا القيادة في منافسات كبرى الجوائز الأدبية. وقد حملت سنة 2017 تتويجات مشرفة اقتنصها فرسان القلم في سباق الورق والحبر... آخر هذه الجوائز كانت من نصيب الكاتب التونسي كمال الرياحي الذي فاز بالجائزة العربية ابن بطوطة لأدب الرحلة في فرع اليوميات عن يومياته « صفر- واحد للقتيل».

وبعد أن فاز، مؤخرا، الدكتور حمادي صمّود بــ»جائزة العويس الثقافية» في مجال الدراسات والنقد، رفرف علم تونس مرة أخرى في سماء المحافل الدولية بعد أن أحرز الدكتور محمود طرشونة على «جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» لسنة 2017.
كما كان للروائي نصر سامي والروائية منيرة الدرعاوي تتويج على منصة جوائز «كتارا» في فئة الكتابة لليافعين.

وعن روايته «الركام الساخن» الصادرة عن دار إيليزاد بتونس أحرز الكاتب التونسي يامن المناعي على جائزة لجنة تحكيم جائزة القارات الخمس 2017 والتي تسندها المنظمة الدولية للفرنكوفونية.

الوزير من خلاف إلى خلاف
إن أتى وزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين بـ»فلسفة المدن» من مدن الفنون إلى مدن الحضارات إلى مدن الآداب ... فإن صدى هذا التصوّر في العمل بقي خافتا وبلا أثر يذكر مقابل «الصراخ» المنبعث من بهو وزراته في اختلافه كل مرة مع مديري التظاهرات والمؤسسات الراجعة له بالنظر... وقد اتخذت «الحرب» المعلنة على الملإ بين الوزير وإطارات وزارته فصولا من الاتهامات والاتهامات المضادة ومن بلاغات العزل والندوات الصحفية المحتجة على هذه الإقالات ... فلم تمر تنحية المدير السابق للمركز الوطني للترجمة خالد الوغلاني بسلام. كما لم تصمت المديرة المستقيلة آمال موسى على شبهات الفساد والعبث بالمال العام في مهرجان قرطاج الدولي. ولم تتحفظ المديرة العامة السابقة لإدارة الكتاب عن البوح بكواليس توزيع الدعم على النشر والورق... وأخيرا لم يهدأ النزاع بين الوزير والمدير السابق لمهرجان الحمامات معز مرابط إلى حدّ التقدم إلى المحكمة الإدارية بطلب إلغاء قرار الإقالة.

ولأن الحياة لا تستقيم دون موت وولادة... فقد فجعت تونس سنة 2017 بفقدان عدد من مثقفيها ومفكريها وفنانيها على غرار المسرحية رجاء بن عمار والكاتبة نورة البورصالي والمفكر محمد الطالبي والناقد توفيق بكار والأديب محمد الباردي والفنان التشكيلي جلال بن عبد الله...
وإن تستعد سنة 2017 للرحيل بعد حزمة من الخيبات والانتصارات وبارقة أمل، فهل ستكون سنة 2018 أجمل مع اكتمال حلم افتتاح مدينة الثقافة؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115