في هذا المناخ الاستثنائي والأجواء الغاضبة والمنددة بالمساس من القدس، عاصمة فلسطين الأبدية كان استهلال الدورة 19 من أيام قرطاج المسرحية في افتتاح بلا احتفال...
بعد أن كان شاهدا طوال اليوم على مسيرات حاشدة جابت الشارع الرمز الحبيب بورقيبة منتفضة من أجل القدس وفلسطين، أشرع المسرح البلدي بالعاصمة أبوابه مساء أول أمس لاحتضان حدث الإعلان عن افتتاح أيام قرطاج المسرحية. ولعلّ هذا التزامن ما بين الاحتجاج والافتتاح لم يفسح المجال أمام المسؤولين على المهرجان لتنظيف محيط المكان مما علّق به من بقايا لافتات وأعقاب سجائر...
تحيّة من المهرجان إلى القدس
لم يكن حفل افتتاح بالمعنى المتعارف عليه وفي الظروف المعهودة، لهذا من الصعب تقييم هذا الافتتاح لأيام قرطاج المسرحية وقد جاء في سياق مخصوص يسوده التضامن مع الشعب الفلسطيني ويلّفه صوت الحنق والغضب نصرة لمدينة الصلاّة «القدس».
وعــلى ركـــح المسرح البلدي، حضرت القدس ولم تغب فلسطين عن افتتاح أيام قرطاج المسرحية سواء من خلال الاستهلال ببث النشيدين الرسميين التونسي والفلسطيني أو عبر رفع علم فلسطين أو عن طريق تأكيد مدير المهرجان في كلمة الافتتاح عن مساندة القضية الفلسطينية ونصرة القدس عاصمة أبدية لفلسطين.
وكانت إدارة المهرجان قد قررت إلغاء العروض الاحتفالية في شارع الحبيب بورقيبة قبل حفل الافتتاح عقب إعلان الرئيس الأمريكي عن القدس عاصمة للكيان الصهيوني.
وعن دور «أب الفنون» في توعية الأمم والانتصار إلى حريّة الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها... تمحورت كلمة مدير المهرجان حاتم دربال الذي قال: «فلتكن بدايتها الاعتراف بالجميل لمن سبقوا فأسسوا وتداولوا على تجذير هذا الحوار المسرحي العربي والإفريقي وآمنوا بحتمية انفتاحه وإنصاته لإيقاع المتغيرات وهواجس الأسئلة المستعصية حول مفاهيم الحرية وانعتاق الإنسان»... مشددا على «دور الفكر والفنون والرؤى والمقاربات الإبداعية عموما في تقريب الفجوة بين الهنا والهناك، وفي استئصال دابر التسلط والغطرسة والعنصرية والكراهية والعنف..».
إفريقيا بين وجع المنفى وذكريات الوطن
في أجواء باهتة غاب عنها طعم الاحتفال، بعثت أيام قرطاج المسرحية برسائل وفاء وعرفان إلى عدد من أسماء الفن والمسرح ممن رحلوا عن عالم الأحياء في مقدمتهم الفنانة رجاء بن عمار ، ومحسن بن عبد الله، ورمضان شطا، وسليم محفوظ، وحسين قهواجي، وحمادي خليع، وحاتم غانمي، والهادي الزغلامي، والطاهر البكوش... فيما تأجلّ تتويج العراقي صالح القصب وتكريم كل من أنيسة لطفي من تونس، ومحمد صبحي من مصر، وسلاف فواخرجي من سوريا، و»مومبي كايغوا»من كينيا... إلى حفل اختتام المهرجان.
كما شهد افتتاح أيام قرطاج المسرحية الإعلان عن هوية لجنة تحكيم المهرجان التي يرأسها عبد الحليم المسعودي من تونس وتضمّ في عضويتها كلّا من عادل القراشولي من سوريا، وأسماء الهوري من المغرب، وعصمان دياكاتي من السينغال، وبطرس روحانا من لبنان.
وتعود جوائز المسابقة الرسمية للمهرجان بعد سنوات طويلة من الاحتجاب لتسجل المنافسة بين 11 عرضا عربيا وإفريقيا. ويخوض المسرح التونسي غمار التنافس بمسرحيتي «فريدم هاوس» للمخرج الشاذلي العرفاوي والأرامل» لوفاء الطبوبي.
ما بين وجع المنفى وذكريات الوطن، جاء عرض افتتاح أيام قرطاج المسرحية على ركح المسرح البلدي تحت عنوان «توقا إلى الأفق» بإمضاء الكوريغراف سالينا سانو احتفاء بالكاتب المسرحي «صمويل بيكيت». وفي هذا العرض الإفريقي من نوع المسرح الراقص كانت الأصوات الخائفة والعيون الحائرة والأجساد الضائعة... تنسج بخيوط الدمع والوجع أزمة الاستسلام إلى منفى يحمل بين ثناياه آلاف الغصات والصرخات... هي حكاية بشر بلا وطن، بلاجنازة، بلا كفن... إنها قضية اللجوء بما كل تحمله من مآس وتشتت وغربة... وتوق إلى الأفق.
أمام المسرح البلدي
فنانون يحتجون على وضع الثقافة
إن غابت مظاهر الزينة والاحتفال أمام المسرح البلدي في الإعلان عن افتتاح أيام قرطاج المسرحية تضامنا مع القدس، فقد حضرت لافتات الاحتجاج لا فقط على القرار الأحمق لـ»ترامب» بل أيضا على السياسة الثقافية في تونس.
وقد رافق حلول الوزير بالمكان رفع عدد من أهل الفن والثقافة لشعارات منددة بالميزانية الهزيلة لوزارة الشؤون الثقافية وبالتعاطي مع فنون المسرح والسينما ومنادية بحق الثقافة للجميع...