عانق حضور الفنان رؤوف بن عمر في فيلم «تونس الليل» كل وجوه الروعة. في هذا الفيلم أدّى بن عمر شخصية المذيع «يوسف» بمنتهى الإحساس والبراعة، فاستحق عن جدارة لقب و«جائزة أحسن ممثل» في اختتام مهرجان القاهرة السينمائي، ليلة أول أمس، في دورته 39.
وإن كان فيلم «تونس الليل» للمخرج إلياس بكار والمنتج محمد علي بن حمراء هو الفيلم العربي الوحيد في المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي، فلا شك أن انتزاع بطل الفيلم رؤوف بن عمر لجائزة أحسن ممثل من بين منافسة 15 فيلما أجنبيا بما في ذلك الفيلم الإيطالي «فورتوناتا» الحائز على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان «كان»، هو برهان لا يقبل التشكيك في هذه الموهبة الفذّة التي لا يختلف اثنان في تفردها وتميّزها حضورا وأداء وظهورا...
أناقة في الحضور ...وسامة في الظهور
في «تونس الليل» امحّت الفواصل واختفت الفوارق بين الواقع وخيال السينما والحال أن رؤوف بن عمر انغمس بكل جوارحه في عوالم بطل الفيلم «يوسف» التي ترسو على شاطئ الثقافة العميقة والذوق الرفيع وتنشد مركب حرية التعبير للوصول إلى بر الأمان... فكان الفنان المناسب في الدور المناسب.
وليس من المبالغة الجزم بأن رؤوف بن عمر والأناقة «توأمان» لا ينفصلان، فأينما حلّ رؤوف بن عمر حضرت أناقة التمثيل والهيئة وطريقة الحديث... وهكذا هو رؤوف بن عمر حضور أنيق دوما وعلى الدوام.
مع صوته الشجيّ وهو ينساب في دفء حنون حين يدندن في رقّة وعذوبة وهو الذي يجيد الغناء ويعشق الموسيقى من المهد إلى اللّحد... لا يبخل الفنان رؤوف بن عمر في توزيع هذا الدفء بسخاء، وهو الذي يمللك قلبا شابا لا يشيب بالرغم أنه على مشارف السبعين!
قصّة عمر من الإبداع
على ركح المسرح، على شاشة التلفاز، أمام عدسة السينما... تكون إطلالة رؤوف بن عمر في كل مرة متميزة ولافتة ووقورة. وهو الذي تشيع نظراته حسا فنيّا مرهفا وتحيط ملامحه هالة من الوسامة واللياقة... فمن أين نلج عالم هذا الفنان الذي بسط أمامنا لسنوات وأجيال برهة فرح أنيق؟
إنها رائحة تونس التي يتضوّع مسكها من حضور رؤوف بن عمر في كل المناسبات والحالات... وهو الذي ولد بالعاصمة سنة 1947 وترعرع بين أحضان أسرة فنيّة القلب والقالب. تلّقى تعليمه بالصادقية ومن هناك كان ولوجه إلى عالم أب الفنون. انتقل بعدها إلى كلية الآداب ودرس اللغة الإنقليزية ولكن عشق الفن الرابع ما لبث أن استهواه فلبّى النداء وتحوّل إلى لندن للنهل من منابع الفنون المسرحية. أسسّ رفقة ثلّة من مسرحيي جيله «مسرح الجنوب» بقفصة عام 1972. وانطلاقا من صولاته وجولاته على الركح في «كلام الليل» و«جحا والشرق الحائر» و«مذكرات ديناصور»... مرورا بالإطلالة الأنيقة في السينما في «عزيزة» و»خشخاش» و»التلفزة جاية»... وصولا إلى الأداء المقنع على شاشة التلفزة في «الخطاب على الباب» و«وردة» و«ناعورة الهواء»...
يختزل رؤوف بن عمر جزءا من ذاكرة البلد في تقاطع مع الآن وهنا...
من خيوط الشمس يستعير رؤوف بن عمر الضياء ومن رقصة النار يقتبس النور ليشع في كل حضور وظهور. وحين تسأل رؤوف بن عمر عن سر أناقته يقول: «ببساطة هذا ما أورثني إياه والدي ونشأت عليه في حيّ الحلفاوين ...فالمظهر المهذّب تصنعه «الحوايج النظيفة» وليس بالضرورة الثياب الغالية. إن الأناقة ترفع من المعنويات أمام المرآة(مازحا)... و«الله جميل يحبّ الجمال».