والجماعات المتطرفة، والحال أن مشاركة النساء والفتيات في الحروب والأنشطة الإرهابيّة باتت حقيقة لا مرية فيها. فهل للأمر صلة بثقافة الإنكار، والستر، والكتم؟ وهل يعود السبب إلى البنى الذهنية الصلبة؟" ....كان هذا التساؤل دافعا ومستفزا للدكتورة آمال القرماوي من أجل وضع كتابها الجديد بالتعاون مع الصحفية منية العرفاوي تحت عنوان"النساء والإرهاب: دراسة جندرية".
احتضن مقر نقابة الصحفيين التونسيين،أمس، حدث تقديم كتاب "النساء والإرهاب: دراسة جندرية" الصادر عن دار "مسكلياني للنشر" سنة 2017. وقد توّلى نقيب الصحفيين ناجي البغوري تقديم الكتاب مرحبّا بهذا الالتقاء المثمر بين الصرامة الأكاديمية والجدية الصحفية.
5 سنوات من البحث والجهد والتمحيص
شيئا فشيئا اختمرت فكرة تأليف كتاب عن علاقة النساء بالإرهاب في ذهن الباحثة آمال القرامي انطلاقا من وقائع المشهد التونسي ما بعد 2011 وصولا إلى حادثة الاعتداء عليها ماديا ولفظيا من طرف امرأة منقبة في مأوى السيارات المجاور لمنزلها سنة 2016. وقد اهتمت الدكتورة آمال القرامي في مؤلفها الذي استغرق من عمرها 5 سنوات بالبحث في صلة المرأة بآفة الإرهاب سواء كانت هذه العلاقة مباشرة أو غير مباشرة ، وسواء كانت المرأة في موضع المتهمة أو الضحية... تقول آمال القرامي: "لقد حفَّزَنا التمركز الذكوري، والعمى الجندري على تخصيص هذا المؤلف لدراسة علاقة الفتيات والنساء بالإرهاب، من منظور جندري لا سيما بعد انتباهنا إلى ارتفاع أعداد المنتسبات إلى الجماعات الإرهابية، والمتعاطفات مع الجماعات المتطرفة، وإقدام عدد من المغاربيات على المشاركة في الأعمال الإرهابية تخطيطا، وتنفيذا يضاف إلى ذلك شدّ عدد من التونسيات الرّحال إلى (بلاد الشامّ)."
وإن ضمّ كتاب "النساء والإرهاب: دراسة جندرية" سبعة فصول فقد جاء فصلين اثنين بإمضاء الصحفية منية العرفاوي، وقد علّقت الدكتورة آمال القرامي على هذا التعاون بين الأكاديميا والإعلام بالقول : "أنا سعيدة بهذا الانفتاح... ولعلها التجربة الأولى من نوعها وأرجو ألا تكون وحيدة ويتيمة باعتبارها فرصة سانحة للأكاديمي للخروج من بوتقة النرجسية التي قد تأسره في شباكها..."
على مساحة 540 صفحة تتوزع أسطر كتاب "النساء والإرهاب: دراسة جندرية" والتي جاءت مبوبة في سبعة فصول تناولت بالترتيب المحاور التالية : دراسات الإرهاب والجندرة - جندرة "القتال/ الجهاد/الإرهاب"- فتنة التنظيم والجماعة أو "في دواعي الانتماء"- أدوار الفتيات والنساء داخل الجماعات المتطرفة والإرهابية -الإرهابيات المغاربيات "دراسة بورتريهات"- في علاقة الأسر بالإرهاب: آلام ومعاناة ووجع - الإرهاب وتشكيل الهويات.
المرأة والإرهاب...مشاركة ومأساة
في كتاب "النساء والإرهاب: دراسة جندرية" تبحث المؤلفتان آمال القرامي ومنية العرفاوي في الأسباب التي تدفع بالمرأة إلى الالتحاق بالجماعات المتشددة والانضمام إلى "داعش" والحال أن هذه التنظيمات تهضم كل حقوق المرأة وتؤسس لـ"مجتمع بطريكي لا مكان فيه للمساواة والحريات، والمواطنة الكاملة..."
وهذا الكتاب "لا يحلّل سير النساء والفتيات المنتميات إلى الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية فحسب بل إنه ينظر في بنية العلاقات مابين النساء والرجال، النساء والنساء، وأشكال توزيع السلطة وبناء الهويات وأنماط الخطابات، وأثر التحولات الطارئة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وفكريا في حيوات النساء ورؤيتهن لذواتهن وأدوارهن...ولا يهتم هذا الكتاب بالفئة التي اختارت المشاركة في الأنشطة الإرهابية فقط بل انه يحاول منح الصوت لأمهات وزوجات وشقيقات ارتبط مصيرهن بالإرهاب من خلال الابن أو البنت أو الأخ أو الزوج، فكانت المعاناة ..."
وفي هذا السياق تؤكد الصحفية منية العرفاوي أن اشتغالها على لقاءات مباشرة مع أمهات الإرهابيين، وأمهات ضحايا الإرهاب، والزوجات، والشقيقات، والبنات... كان بمثابة الموازنة بين المرأة المتورطة في الإرهاب وبين المرأة ضحية الإرهاب التي وجدت نفسها مكرهة على تحمّل عبء توّرط أحد أفراد أسرتها في شبكات الجماعات المتطرفة.
وإن اتبّع كتاب "النساء والإرهاب: دراسة جندرية" تعاليم البحوث العلمية الصارمة فهو لا يتملص من وجود جانب إنساني أمام ما يخلّفه الإرهاب من دموع وجراح ومأساة. ليـلى بورقعة