فهللّت الجموع وصفقت الحشود وقد ظنّت أن الوزير قد جاء بـ»الفتح المبين»!
على أنقاض مدينة لم تتخطى حدود الفكرة، كانت تُبعث في كل مرة مدينة جديدة تحت تسمية برّاقة دون تقييم لتجربة هذه «المدن» والوقوف على مدى جدواها وهل حققت فعلا ،ولو جزئيا، الأهداف المرجوة منها؟
آخر هذه المدن جاءت تحت اسم «مدن الآداب والكتاب» حيث قال الوزير أن «سنة 2018 ستكون سنة الآداب والكتاب من أجل دعم حضور الكتاب التونسي وتحقيق صحوة ثقافية في بلادنا.» فهل حقا ستحقق هذه المدينة الموعودة «الصحوة» المنشودة والحال أن الكتاب وما أدراك ما الكتاب يتخبّط في أزمة خانقة تكاد تقبض أنفاسه وتشلّ حركته... وهو ما تجلّى بشكل واضح في تأخير موعد معرض تونس الدولي للكتاب 2018 بسبب التفويت في توقيت انعقاده المعتاد مما أدى إلى حجز موعده لصالح معرض تجاري. وبعد طول أخذ وردّ أعلنت وزارة الإشراف ،أمس، أن معرض الكتاب سيلتئم كالعادة بقصر المعارض بالكرم ولكن مع تغيير في موعده ليكون من 6 إلى 15 أفريل 2018. طبعا، لا يتزامن هذا الموعد الجديد مع توقيت العطلة المدرسية بعد إن اعتادت الناشئة أن تكون جمهورا وفيّا لمعرض الكتاب الذي يشكّل فرصة للمصالحة بين التلميذ والكتاب.
وعلى مستوى وزارة الشؤون الثقافية تعطّل مسار الكتاب داخل دواليب إدارة الكتاب حتى فاحت رائحة «الفساد» خصوصا وأن المديرة العامة لهذه الإدارة هالة الوردي قد لوّحت عقب إقالتها أو استقالتها بحيازتها لملفات فساد، مما دفع بالوزارة إلى إصدار بلاغ إلى الرأي العام تبرئ فيه ذمتها من هذه الشبهة...
وليس الكتاب وحده هو ضحيّة التعيينات المرتجلة في وزارة أقدم وزيرها على تغيير مدير ديوانه 3 مرّات أو يزيد، كما إن مختلف المسؤوليات لم تعرف استقرارا والحال أن موجة التعيينات الجديدة في حالة انعقاد متواصل بوزارة الشؤون الثقافية... وما لحق معرض تونس الدولي للكتاب من ضبابية وتلاعب بموعده السنوي القار يوشك أن يتكرّر مع أيام قرطاج الموسيقية التي لم يعلن إلى اليوم عن مديرها ولا موعدها مما يجعل انعقادها في توقيتها المعتاد في شهر أفريل شبه مستحيل !
وليست أيام قرطاج المسرحية بمعزل عن حالة اللاّ استقرار التي تعرفها الوزارة وبمأمن عن الاضطراب الذي تعيشه سلطه الإشراف، فها هم أعوان النقابة العامة للثقافة يهددون بالتصعيد والاعتصام المفتوح تزامنا مع موعد هذا المهرجان الذي تسبّب التأخر في تعيين مديره في تأجيل موعده هذه السنة ليكون من 8 إلى 16 ديسمبر2017.
وأمام هذا التذبذب الذي شهدته مختلف التظاهرات الثقافية الكبرى انطلاقا من معرض تونس الدولي للكتاب مرورا بأيام قرطاج المسرحية وصولا إلى أيام قرطاج الموسيقية... فإن البنية التحتية الثقافية ليست بأحسن حال ودور الثقافة في موقع عطالة ووضع المؤسسات الثقافية «حدّث ولاحرج» ... فهل من حلّ في «مدن» أضاع حاكمها مفتاحها؟