الفيلم الجزائري «الوهراني» لإلياس سالم بقاعة الأفريكا: حين تقصف السياسة بأحلام المجاهدين

رفض في الجزائر وقد اثار عرضه ضجة كبرى لانه لا يتحدث عن المدينة الفاضلة ولم يعط للمجاهدين قداسة الرسل والانبياء وانما تحدث عن حياتهم الشخصية

بكل سلبياتها وايجابياتها لان الثائر انسان والانسان يخطئ ويصيب، تمّ رفضه لانه نزع صفة «العذرية» عن الثورة والفكرة فاتهم بافساد المشاهد وتشويه المجاهدين، ومنذ اولى العروض وفيلم «الوهراني» يثير ضجة ويثير الجدل ويسيل حبر النقاد في الجزائر.

«الوهراني» للمخرج الياس سالم فيلم عن الثورة والثوار فيلم يتحدث عن الفترة من 1954 تاريخ اندلاع حرب التحرير الجزائرية الى العام 1968 الاحتفاء بعيد الاستقلال، فيلم من أكثر الأفلام إثارة للجدل في تاريخ السينما الجزائرية، بروايته المختلفة لتداعيات الثقل الاستعماري على جزائر ما بعد الاستقلال، ومسارات نماذج مختلفة من المشاركين في ثورة التحرير. فجّر الفيلم جدلاً مجتمعياً غير مسبوق منذ عرضه الافتتاحي عام 2014 ، ووضع المخرج وجهاً لوجه مع تيار محافظ اتهمه بالإساءة للمجاهدين ولازال يثير الجدل وفي الافريكا كان لقاء الجمهور التونسي مع «الوهراني».

السينما اداة التوثيق والافتخار بالوطن
«الوهراني» لالياس سالم فيلم ينبش في الذاكرة الجماعية الجزائرية والعربية، فيلم يمس الروح ويدفع المشاهد للشعور بالافتخار وبعظمة الجزائري وقدرته على كسر شوكة الطغيان، الى العام 1954 تعود احداث الفيلم، على الشاشة سيارة قديمة وسطها صديقين هما «جعفر الوهراني» (الياس سالم) وصديقه «حميد (خالد بن عيسى) هما بطلا الحكاية، منذ الدقائق الاولى تجدك امام صراع جزائريين مع المستعمر وهروبهم من المدينة والالتحاق بالجبال والمشاركة في الثورة لحدّ الاستقلال، ذاكرة جعفر الوهراني هي فيصل القصة، للحظات يجد الحضور نفسه منشدا الى الثوار والمجاهدين يبارك فيهم إرادة الحياة واندفاعهم للدفاع عن الوطن «لا تهمنا مصالح عائلتي ولا شخصك تهمني فقط مصلحة الجزائر» كما يقول احد المجاهدين لصديقه.

في فيلم «الوهراني» كانت الكاميرا عنوان لنقل تفاصيل الجسد والحركة، العيون هي الاكثر حظا فجل المشاهد تركزت على نظرة الممثل وطريقته في ايصال رسائله الى المشاهد، الياس سالم في دور جعفر الوهراني ابدع في تقمص الدور، جعفر يبكيك ويحملك الى عوالم مجاهد صادق اختار الوطن وتناسى حياته الخاصة، لدموعه وقع السمّ على الجسد، في اهازيجه وجيعة كل الجزائريين الذين خسروا الكثير فقط «لتحيا الجزائر»، الكاميرا تحمل المشاهد الى الغابة مكان الاحداث والذاكرة هي دليل الرحلة، الكثير من التفاصيل التي احدثت الفارق في الثورة الجزائرية آلاف الكلمات اختصرتها نظرة الانتصار في عيون الممثلين.

الوهراني فيلم عنوانه الافتخار بالوطن والافتخار بقدرة الجزائر على افتكاك استقلالها رغم وجيعة الجبال وقسوة السلاح، فيلم يعمق الشعور بالاعتزاز للجزائر فيلم ينقل البعض من اللحمة امام العدو نقلتها كاميرا الياس سالم في مراوحة بين الماضي والحاضر.

المجاهدون «بشر عاديون «وليسوا «رسلا»
«الوهراني» فيلم اثار ضجة كبيرة ولازال عرضه يسيل حبر النقاد، اتهم بالاساءة الى المجاهدين، واتهم بعدم الصدق وتهم عديدة وسببها ان الفيلم قدم المجاهدين يحتسون الخمرة ويرقصون في مطعم بعد الاستقلال واعتبروا تلك الكاس وتلك الرقصة من الهنات التي تسيء لسمعة المجاهدين.
في الوهراني تدخل الكاميرا الى جزئيات النفص البشرية والتناقضات التي تعيشها، الوهراني قصة صديقين هما حميد وجعفر فكلاهما صعد الجبل وشارك في الثورة وبعد الاستقلال، حافظ جعفر على تلقائيته وحبه الاعمى للشعب وانحيازه له بينما اختار حميد السياسة والحزب وماتتطلبه السياسة من مؤامرات قد توجع القريب من اكثر الغريب.

حميد وجعفر جمعهما حب الجزائر، ثم جمعتها الثورة، جمعهما فداء الوطن ولكن فرقهما الانتماء السياسي وطريقة التفكير، في الفيلم اشارة الى ماتحدثه السياسة في النفس الثوري للمجاهد، ان تكون مجاهدا فالأمر يتطلب الكثير من الشجاعة ولكن ان تكون سياسيا فوجب التحلي بالدهاء والحيلة لحدّ ان وصل حميد والى عتقل صديقه فريد الذي سبق ان شاركه حمل السلاح اثناء الثورة فللسياسة نواميسها وقوانين لا تعترف بالمسائل والمشاعر.

في «الوهراني» نقل لما عاشته الجزائر بعد الاستقلال، حياة الليل تختلف عن واقع النهار، نقل لما تعيشه «الكباريهات» و «المطاعم» من حفلات صاخبة يرقص فيها المجاهد والمسؤول الى جانب المواطن العادي، ينقل الفيلم ايضا الجلسات التي يحتسى فيها المشروب ، اثناء انجاز بعض الصفقات او الاحتفال بحدث ما يبساطة في نقل الصورة بعيدا عن التاويل كانت سببا في اتهام الفيلم بتشويه المجاهدين.

في الجزء الثاني زمن تعزيز السيادة بعد الاستقلال يتطرق المخرج الى الاحداث والصفقات يغوص في نفسية المجاهد الصادق، والسياسي اللعوب، الاول يرى ان مصلحة الوطن في الاهتمام بشعبه والثاني يرى ان مصلحته ثم مصلحة الوطن في التعامل مع الاجانب، الاول يؤمن بالقدرة على النجاح «وحق الرب كنا قادرين، قدرنا على السلاح فكيف لا نقدر على السياسة» كما يقول جعفر في اخر لقاء بصديقه حميد، في «الوهراني» الكثير من الوجيعة عن احلام ضاعت فهو فيلم يطرح السؤال عن الخيانات بين المجاهدين وتأثيرها على الوطن، اسئلة عن ماهية الوطن عند من حمل السلاح وناضل لأجل الاستقلال ثم صافح المستعمر، فيلم رفض وعورض فقط لانه رفض «الرؤية العذرية» للجهاد والمجاهدين، ورأى انهم بشر يخطئون ويصيبون وليسوا رسلا.

«الوهراني» فيلم قريب الى القلب والعقل، فيلم ابدع الياس صالح في تقمص شخصية جعفر و اثر صدق خالد بن عيسى على ادائه، فيلم يطرح السؤال بضرورة اعادة كتابة تاريخ الثورة سينمائيا ويدعو الى قبول الاختلاف لان الاختلاف يصنع ثراء السينما الجزائرية.

المخرج في أسطر:
الياس سالم مخرج مشاكس في كل اعماله السينمائية والمسرحية، جزائري درس في جامعة السوربون وحصل على شهادة تدريب آداب الدراما، لعب عدة ادوار على المسرح تتراوح ما بين الكلاسيكية و العصرية . في عام 1998 شارك في عدة مسر حيات و مسلسلات وافلام مع مخرجين امثال كريم حامد و بينوت جاكوت و فيلفيك موريس، وفي 1999 اخرج اول افلامه القصيرة بعنوان «لحظة» و حصل على جائزة افضل فيلم قصير في مهرجان السينما الافريقية الـ12 في ميلان عام 2002 وجائزة الشباب في مونبليه وفى فيلم « أولاد العم « في 2003 فجر الياس سالم الاوضاع المتغيرة في عالم متغير و رسم صورة دقيقة للجزائر الان.وحاز هذا الفيلم القصير على عدة جوائز دولية و جائزة سيزر. و في عام 2008 مثل سالم في فيلم « مسخرة « انتاج دار مصلاح و أختير ليمثل الجزائر في جوائز الاوسكار.

الياس سالم يقول عنه النقاد انه بنى مجده السينمائي على أسس وثيقة، فهو يجمع ببراعة فذة بين التمثيل والإخراج وكتابة السيناريو، بعد مشوار ناجح نسبياً في إخراج الأفلام القصيرة بدأه عام 1999، لمع نجمه مع فيلمه الطويل الأول «مسخرة» عام 2008. الفيلم الأيقوني للعشرية الأولى من الألفية الثالثة، الذي تمكن من حصد عدد كبير من الجوائز العربية والدولية. صورة الأداء السينمائي المثالي ترسخت أكثر مع فيلمه الثاني «الوهراني» عام 2014، واحد من أكثر الأفلام إثارة للجدل في تاريخ السينما الجزائرية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115