في مجتمع تعيش طبقته السفلى في الحضيض وتنعم طبقته المخملية في الترف والبذخ... وإن كانت الفوارق الاجتماعية بين الطبقات أمرا حتميا في كل المجتمعات فإن الفيلم يصوّر كيف يسحق الأثرياء ممن يملكون قوة المال أحلام الفقراء الضعفاء حتى وإن امتلكوا قوّة الحق.
على خط السباق من أجل التانيت الذهبي لأيام قرطاج السينمائية يسجل الفيلم المغربي «وليلي» للمخرج فوزي بنسعيدي حضوره ضمن المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة. وقد كان جمهور المهرجان على موعد مع هذا الفيلم القادم من جولة في أهم المهرجانات العالمية ،أول أمس، بقاعة «أ ب س» بالعاصمة.
يوميات مرهقة على هامش الحياة
في صورة مضيئة ومشرقة كان مشهد البداية في فيلم «وليلي» لينتهي بمشهد قاتم يلفه سواد الليل الكالح. وما بين المشهدين كانت حياة الضنى والشقاء في مجتمع احتدت فيه الفوارق الاجتماعية حدّ حافة الانفجار.
على هامش «وليلي» تلك المدينة الأثرية في المغرب والمدرجــة ضمن التــــراث العالـمي، اختار المخرج فوزي بنسعيدي أن يصوّر فيلمه الجديد ويسمه بعنوان «وليلي». وقد أنتج المخرج المغربي فيلمه الطويل الأول «ألف شهر» سنة 2003 وقد حصل على تتويجين في مهرجان «كان» السينمائي. وفي سنة 2006 شارك بفيلمه الثاني «ما أروع هذا العالم!» في مهرجان البندقية، ثم اختير فيلمه الثالث «موت الربيع» في مهرجان تورنتو وحصل على جائزة في مهرجان برلين. ويلعب بطولة الفيلم محسن مالزي ونادية كوندة المتحصلة مؤخرا على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان «الجونة» السينمائي بمصر عن دورها في فيلم «وليلي».
يتناول الفيلم حكاية شاب يعمل حارسا بفضاء تجاري في مكابدة من أجل لقمة العيش وسط عائلة كثيرة الأفراد ومعدمة الدخل. وفي هذا المسار الوعر في ضنك الحياة تشاركه زوجته معركة الكفاح من أجل القوت بالعمل معينة منزلية لدى عائلة أرستقراطية.
وكان الحدث القادح في الحياة المرهقة للبطلين هو العقاب المادي والمعنوي الذي لاقاه حارس الأمن بسبب خلافه مع سيّدة من الطبقة البرجوازية في المركز التجاري الذي يعمل به... فكان انتقام زوجها الثري وصاحب النفوذ ماديا ومعنويا.
هنا، تتّسع عدسة الكاميرا لتسلط الضوء على الفوارق الطبقية في المجتمع التي أضحت هوّة عميقة تفصل بين الطبقة الدنيا المعدمة والمغلوبة على أمرها وبين الأثرياء الذين يمتلكون المال والنفوذ ولا يتوانون عن توظيف هذه القوة في مزيد سحق الفقراء والمعذبين في الأرض.
عمق في القضية... رتابة في المشهدية
بالرغم من تفاوت موازين القوى بين جبهتين متقابلتيـــن فـي فيلم «وليلي»، فإن المخرج قد انتصر ضراحة إلى جبهة الفقراء والمظلومين بمنحهم الحضور الطاغي على الشاشة وسرد تفاصيلهم والغوص في هواجسهم...مقابل «تقزيم» عالم الأثرياء في صورة الطبقة المريضة بالعقد والأوهام والسطحية في مشاعرها وعلاقاتها والمهووسة بالسلطة والنفوذ ... إنها صرخة مدوية تدق ناقوس الخطر للتدخل قبل فوات الأوان للحدّ من الفوراق الاجتماعية في المجتمع .
وإن أبدع المخرج في العزف على وتر الانفعالات النفسية الدقيقة لشخصياته فجاء أداؤها صادقا ومؤثرا فإن ذلك لم يمنع من تسلل الملل إلى المشاهد بسبب الرتابة في تصوير بعض المشاهد و تفرّع الأحداث عن تفاصيل متشعبة وحكايات ثانوية ترهق المتفرج ولا تخدم كثيرا العمل.
الفقر قدر محتوم أم استسلام مهين؟
إن يدين فيلم «وليلي» تسلط الطبقة المترفة على الطبقة المسحوقة في المجتمع المغربي فإنه أيضا لا يتعاطف بشكل كلّي مع هؤلاء الفقراء المظلومين. ففي الفيلم مساءلة لمن يستسلمون إلى الفقر وكأنه قدر محتوم دون السعي إلى تغيير هذا الواقع المحموم. وهو ما يتجلّى في صورة البطل «عبد القادر» الذي قضى على مستقبله وتسبّب بنفسه في طرده من العمل بسبب حماقته وسلوكه الأرعن وتلبده الفكري في الخلاص من الوضعيات الحرجة في مقر عمله حتى كانت الخاتمة هي الطرد. وبعد أن أصبح عاطلا عن العمل لم يسع عبد القادر إلى البحث عن مورد رزق آخر رغم مؤهلاته البدنية العالية بل استسلم لرغبته في الانتقام من عدوه والثأر لكرامته الجريحة.
في جانب آخر من الفيلم، ينتقد «وليلي» عشوائية الطبقة الفقيرة في تخطيط مصيرها وحياتها وكأن إنجاب ذلك العدد الكبير من الأطفال ضرب من ضروب «المازوشية» في تلذذ بعذاب «الأنا» وهي تستميت في افتكاك اللقمة العسيرة على طاولة الجوع التي تتقاسمها أفواه كثيرة ! كذلك نجد أن الفيلم يدين هروب أب العائلة إلى احتساء الخمر بعد سرقة نقود الأم التي غنمتها من التسول بدل المساعدة في إعانة العائلة الكبيرة التي ضاق بها المكان في السكن واستعصى عليها الشبع أمام الطبق الفقير...
في نهاية الفيلم كان الخلاص على يد المرأة حيث أقنعت البطلة زوجها بضرورة اقتحام سبل أخرى في الحياة ومغادرة تلك البيئة التعيسة في مغامرة الحلم بواقع أفضل وأفق أرحب طالما أنه على الأرض ما يستحق الحياة.