فيلم «83 قشرة برتقال» لكلارا حمود في مسابقة الأفلام الطويلة «وإن أماتوا زهرة في جوفك... فبستانك مازال حيا»...

«انا رجل لا يحترف الرقص ولا التمثيل، ولكنه احترف فنون العذاب وحفظها، انا رجل لا يعرف طريق السينما ولكن الزنزانة الضيقة خلقت بداخلي الكثير من السينما، ضيقها جعل الفكر يرحل ويحاول كسر جدرانها، رائحة الالم فيها تلاشت وتحولت الى صور جميلة كتلك التي تقدمها الكاميرا، انا رجل لم يختبر الكاميرا ولكن الكاميرا كما الطلقة تصيب الروح والفكرة»

هكذا يتحدث لسان صلاح شعر في الفيلم الوثائقي «83قشرة برتقال» للمخرجة السورية كلارا حمّود.
38قشرة برتقال فيلم عرض ضمن المسابقة الرسمية لايام قرطاج السينمائية، فيلم بطله مواطن سوري اعتقل وعذّب فقط لانه هتف في الشارع «حرية، ديمقراطية»، لساعة و عشر دقائق تحاول الكاميرا تلخيص ماعاشه صلاح شعر من معاناة في زنزانته رفقة بني وطنه معاناة يقول عنها صلاح «قصتي ليست حكايتي وحدي بل عينة من معاناة آلاف السوريين».

لنا الوطن والسينما لنعيش
رجل اشيب الشعر يجلس في ركنه نصف عار، نظراته هائمة بعيدا دون حركة، وخلفه الكثير من الصور لمعتقلين ومعذّبين، للوهلة الاولى تظن ان الصورة داخل معتقل، ولكنها في النهاية فيلم داخل الفيلم، قشور برتقال مرمية على القاعة، نصف برتقالة وضع فوق الطاولة، الرجل نصف عار؟ لم كل هذا الترميز؟ وما علاقة البرتقال بالمعتقل؟.
في الفيلم الكثير من الترميز، فاللباس يشر الى المعتقل، والبرتقال يشير الى دمشق المعروفة برائحة برتقالها كذلك يحيل الى فصل الشتاء، و العدد 83 هو عدد الايام التي قضاها بطل الحكاية في المعتقل، فقشور البرتقال كانت دليل المعتقلين على الفصل و ايام سجنهم «ففي ظلمة السجن نسينا الوقت ولم نعد نميز الليل عن النهار وحدها قشور البرتقال التي كان يرمينا بها السجان ترجع الروح وتعرّفنا بعدد الأيام على حد تعبير بطل الحكاية.

بطل فيلم «83 قشرة برتقال» هو صلاح شعر، عمره 64شجرة زيتون «احترم وطني واحب سوريا وأحب الديمقراطية» هكذا يتحدث الى الكاميرا عن كيفية استنطاقه، لينقل بعدها بحركات موجعة وكلمات مثقلة بالانين وجيعة الاعتقال والتعذيب والاهانة، معاناة الاف السوريين الذين زجّ بهم في السجون بعد الثورة، فالفيلم عينة من العديد من العينات التي انتشرت بعد الثورة السورية اذ ازدهرت موجة من الافلام الوثائقية التي تؤرخ لما يحدث، افلام وثائقية في الاول كانت المدن غير المتداولة في وسائل الاعلام غايتها، ثم اصبحت الاحداث وبعدها الافراد، مجموعة من الوثائقيات ظهرت لتنقل حكايات السوريين الى العالم بعيدا عن المؤسسة العامة للسينما التابعة للنظام، فيلم قشرة برتقال حلقة في سلسلة اعمال وثائقية تحدثت عن سوريا بعد الحراك ولعل ابرزها «أمراء النحل» و«منفى» و«بانياس» و«البدايات» و«حبل الغسيل».

في الفيلم تصبح الكاميرا اداة لقول الحقيقة، وحدها الكاميرا استطاعت اخراج ما يخفيه المعتقل السابق من وجيعة، أمام الكاميرا تحدث بطلاقة ودون خوف، جرأة في الحديث عن التعذيب وكيفية اصطفاف المعتقلين، امام الكاميرا تتحول الوجيعة الى قصة تحكى قصة تصوّر وتنقل ليعرف الاخر جزئيات ما يعانيه بعض السوريين، امام الكاميرا تتحرر الروح من قيودها وينطلق الجسد في الحكي دون خوف فالكاميرا كما الطلقة تصيب الروح والفكر.

حين تصبح كلمة «حرية» سلاحا يخيف النظام
ساعة من الوجيعة والحكايات التي تهشّم الروح وتفتتها الى جزئيات تائهة عاش معها جمهور قاعة الريو في فيلم «83قشرة برتقال»، 83يوما من التعذيب النفسي والبدني، 83يوما من الارهاق و السؤال «هل سيكون هناك غد؟» سؤال يطرحه كل معتقل، مكان تصوير الفيلم كندا، هناك بعد فترة الاعتقال يتحدث صلاح شعر عن تجربته ويقرر عدم الخوف والبوح للكاميرا بما عاناه طيلة فترة اعتقاله، كل ما قصه يحيل المتفرج الى كتابات ايمن العتوم الذي ابدع في وصف السجون.

بشعره الابيض وجلساته الساخرة احيانا يقدم صلاح ان الجميع سواسية في الاعتقال فظلم السلاح لا يميز بين كبير وصغير، أمام قوة الحديد والنار كل من يقول «حرية» يكون مصيره الاعتقال والظلام، وسط الوجيعة يسرق البطل من مشاهديه الضحكة بسخرية يتحدث عما غنمه في المعتقل «خرجت دون كوليسترول ولا مانيزيوم ولا حديد وحمية غذائية طبيعية، في المعتقل تخرج نظيف من كل الزوائد» على حد تعبيره.

تتواصل جولة الكاميرا بين السرد والتوصيف، فكثير مما حكاه بطل الفيلم يصور في شكل روائي وربما اشد المشاهد قسوة تلك التي يحداث فيها ضحية اخرى، ومشهد وكانه مشهد سجن ابو فراس الحمداني حين قال:

أقولُ وقد ناحت بقربي حمامةٌ أيا جارتا، هل بات حالك حالي؟
أتحملُ محزونَ الفؤادِ قوادمٌ على غصُنٍ نائي المسافةِ عالِ
أَجارتَنا، ما أنصف الدهرُ بيننا تعالَي أقاسمْكِ الهمومَ تعالِي

ولكن بطل فيلم «83قشرة برتقال» يحادث فأرا، يخبره انه افضل منه لأنه حر وقادر على التحرك، يخبره انه مخيف لصغره اما هو فمخيف بفكره، ففي المعتقل يستوي العاقل والمجنون، وقليلون هم الذين يغادرون المعتقل محافظين على ملكاتهم العقلية كاملة كما تقول جل الكتب والوثائقيات، في فيلم «83قشرة برتقال» تطرح قضية المعتقلين، وكيف يعيشون بعدها، فيلم يقدم بعض الحقائق التي عاشها احد المعتقلين، حكايات تنطبق عليها قولة نيكولا تيسلا « لو كان بإمكاننا تحويل الكراهيّة إلى طاقةٍ كهربائيّة.... لتمكنّا من إنارة العالم بأكمله ليلا».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115