في المسابقة الرسمية لأيام قرطاج السينمائية «مطر حمص» يذرف دموع سوريا الجريحة

مطر ... مطر... كان المطر يهطل في حمص القديمة لكنه لم يكن صافيا كدموع اليتامي وصادقا كعبرات الثكالى بل كان مطرا أسود ملطخا بالدم ومضمّخا بالموت... إنها رحى الحرب تدور في سوريا وحولها بشر يذرفون الدمع مع كل قطرة مطر تنزل على المدينة المقهورة ولا تغسل عار الإنسان قاتل أخيه الإنسان ... هي حكاية عن الجوع والقصف والحصار تحت «مطر حمص».

أمام فيلم يستفزك بأن تصفق له في تحية للكوميديا السوداء المنبعثة من تراجيديا الخراب ورائحة الرصاص، كان جمهور أيام قرطاج السينمائية على موعد ضمن المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة مع الفيلم السوري «مطر حمص» للمخرج جود سعيد.

قذائف إرهاب وزخات مطر
مطر الجنون، مطر القلب، مطر الأمل، مطر السواد... هي تسميات اختار المخرج جود سعيد أن يقسم من خلالها فيلمه في سياق التيمة الكبرى: «مطر حمص».
في بنية سردية طريفة اعتمدت تقنية الاسترجاع، يروي فيلم «مطر حمص» قصة حياة تعاشر المأساة في مدينة شوّه جمالها الخراب فأضحت مجرد ركام وحطام. إنها قصة عن هدنة «افتراضية» بين القوات الحكومية والمجموعات المسلحة تقضي بالسماح بخروج عدد من أهالي حمص القديمة العالقين على حافة الموت مقابل دخول الغذاء ...ولكن «أبا عبد الله» قائد الجماعات المسلحة رأى أن كمية المؤونة لا تستوي مع عدد مواطني حمص الراغبين بالخلاص فقضى بخرق الهدنة وإطلاق النار والرصاص ...
في هذا الحصار الجديد استحال خروج بطل الفيلم «يوسف» ذلك الجندي المسرّح لإصابته بمرض السكري صحبة ابن شقيقه الطفل. كما علقت في المدينة المُحاصرة الشابة «هدى» وشقيقتها الطفلة، بعد أن دخلتا حمص للبحث عن شقيقهما العسكري المخطوف.
من الرافضين لمغادرة حمص وقد أضحت مدينة الذكريات المحطمة والأجساد المقتولة والأشباح المخيفة امتنع « خوري الكنيسة» عن الرحيل من أجل الصلاة على الموتى ودفنهم بما يليق بإنسانيتهم المغتصبة... في مدينة تتهاطل فيها القذائف الإرهابية كزخات المطر.

الحب سلاح في وجه الإرهاب
كما انهمر «مطر حمص» على جدران القلب وحيطان الذاكرة غاسلا لأدران الإنسان ومطهرا للأرض من دنس الإرهاب... ولدت من رحم الخراب وبقايا الصور قصة حب بين يوسف وهدى وكأنها ترياق شفاء لأرواح هدّها الموت وكسرها وجع الفقدان للأهل وللمدينة وللأمان.
على أنقاض مدينة حمص القديمة كانت ولادة الأمل بحياة جديدة بفضل الحب. هذا الشعور العاصف، الجارف الذي غيّر وجه المدينة التي أصبحت مخيفة وميّتة وقد استوطنها الهلاك والدمار... لكن ذلك لم يمنع من تسلل لحن العود وشجن الموسيقى وصوت الفرح من بين ثنايا الركام وفوهات بنادق الإرهاب.
وبالرغم من هذا السواد انسابت أحداث الفيلم بحنكة مذهلة لتتخطى حدود الزمان والمكان في احتفاء بالحب والحياة ولرسم لوحة صمود الإنسان في حمص، في سوريا ، في كل بلدان «الربيع العربي» ضد الإرهاب والظلام ...

ضحكة الحياة في الكوميديا السوداء
أمام صور الموت والأحلام المسروقة وجثث الأموات... كانت حيلة مخرج «مطر حمص» الاستعانة بالكوميديا السوداء للتخفيف على المشاهد وطأة الوجع بسبب قسوة ما يعرض من مشاهد أمامه. وكما ولدت قصة حب من رحم الموت تنشأ الابتسامة من حزن المدينة في عزاء للمعذبين فوق الأرض دون ذنب. ويحدث أن يمتزج الدمع بالضحك في سخرية من القدر واستهزاء من شبح الإرهاب الجاثم على صدر المدينة الجريحة.
في فيلم «مطر حمص» تنتصر الحياة ويعيش الحب ويموت الإرهاب في نهاية المطاف ليغادر المشاهد مقعده في قاعة السينما وهو يردد في سرّه ما قاله ابطال الفيلم: «نحن جذور هذه الأرض، إنها أرض الأجداد»!

بسبب «مطر حمص»
اتهام المهرجان بنشر بروباغندا «الأسد» !؟
«مطر حمص» هو الفيلم السوري الوحيد في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة في أيام قرطاج السينمائية..
وبسبب هذا الفيلم السوري أعلن مخرج سوري آخر انسحابه من مهرجان أيام قرطاج السينمائية حيث قرر المخرج سامر عجوري صاحب فيلم «الولد والبحر»الانسحاب من المهرجان احتجاجا على مشاركة «مطر حمص» للمخرج جود سعيد في مسابقة المهرجان.
وقد اعتبر المخرج سامر عجوري أنّ «وجود هذا الفيلم هو تصريح من إدارة مهرجان قرطاج بدعم رواية النظام السوريّ وبروباغندا بشار الأسد». 

ولكن بعد مشاهدة فيلم «مطر حمص» يبدو هذا الادعاء باطلا باعتبار أن المخرج حاول الأخذ بأغلب وجهات النظر والمواقف المختلفة من «الثورة» السورية دون أن يلمّح صراحة إلى أي نوع من الدعم للنظام وبشار الأسد بل أدان الإرهاب في المطلق وانتصر للإنسان في كل زمان ومكان.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115