فقرات اليوم الختامي راوحت بين الغوص في الأدب الشعبي وعرض لآخر عمل مسرحي من إنتاج الفرقة ، حيث كان الموعد صباحا بدار المسرح والفنون بالجهة مع يوم الأديب الراحل مجمد المرزوقي وذلك بالتعاون مع جمعية البديل الثقافي بدوز ، حضره عديد المهتمين بالأدب والفكر وأداره الأستاذ لطفي بوعلي وتضمّن بالإضافة لمعرض مؤلفات المرزوقي للهادي بالحاج إبراهيم، قراءات لكتاب «إشكاليات الشعر الشعبي» الباحث في اﻻدب الشعبي الأستاذ بلقاسم بن جابر شملت مداخلة أولى أمنها مدير مهرجان الصحراء بدوز الأستاذ الشريف بن محمد الذي طرح في البداية تساؤلا حول كيف يمكن ان نتطرق الى هذا المؤَلّف وباي طريقة؟ هو كتاب في 250 صفحة صادر سنة 2017 عن دار البدوي للنشر والتوزيع ،كما تم التعرض الى عتبات الكتاب باعتبارها علامات دلاليّة تشرع أبواب النصّ أمام المتلقّي/ القارئ و تشحنه بالدفعة الزاخرة بروح الولوج إلى أعماقه..هذا وقسّم بن محمد الكتاب إلى أربعة مفاصل كبرى :تعريفي /تقديمي ، جوهر الكتاب إشكاليات الشعر الشعبي وهو لب الموضوع من ص59 الى ص158، جزء تكميلي أول المرزوقي شاعرا وجزء تكميلي ثاني الشعر الغنائي .. هي أجزاء متفاوتة لكن عند قراءتنا لهذا المؤلف نفهم لما التفاوت ، كذلك روح الإعجاب والافتتان بالمرزوقي لم تكبل المؤلف عن تقديم رؤيته النقدية الموضوعية ليخلص الشريف بن محمد إلى أن صدور هذا الكتاب يعتبر فتحا مبينا في المكتبة التونسية والعربية يسد ثغرة دراسات الشعر الشعبي كذلك انفتاحه على
الدرس الأكاديمي، كما دعا بن محمد إلى ضرورة إعادة النظر في الإخراج المطبعي وتصفيف الأبيات والمراجع فضلا عن كون الاستشهادات وردت دون احالة على المصادر، كما كان من المحبذ الحديث عن شعراء زماننا.. اما مداخلة الأستاذ جلال الشعينبي فاكدت خاصة على ان هذا الكتاب ذو أهمية بالغة ووثيقة مرجعية باعتباره أول دراسة تنجز عن المرزوقي ويؤسس لنظرية النقد في الشعر الشعبي ،كما طرح الشعينبي جملة من التساؤلات حول الشعر الشعبي اليوم، محاولات إقصاء المرزوقي عن المشهد، السرقات الشعرية...كلمة الأستاذ بن جابر تعرّضت خاصة إلى أن الكتاب قريب من القارئ ومحاولة لوضع ما يشبه النظرية النقدية ، وما أُلف بعد المرزوقي كان مجرد صدا لما حبّره، لكن هناك كتب أخرى شبيهة في ليبيا والجزائر استلهمت من كتاب محمد المرزوقي ،كما تمت الإشادة بعودة ملتقى محمد المرزوقي للأدب الشعبي قريبا بعد انقطاع منذ سنة 2009..
من يصنع مسرحا يصنع الإنسان الكامل العظيم
في السهرة كان الموعد مع عرض لآخر عمل مسرحي من إنتاج الفرقة تحت عنوان «صابرة» الحاصلة على دعم من وزارة الثقافة ضمن المشاريع المدعومة من قبل صندوق التشجيع على الإنتاج الأدبي والفني ..مسرحية من إخراج الفنان مكرم السنهوري ، اشعار الشاعر الناصر بنعون ،سينوغرافيا الفنان التشكيلي شرف الدين بنعلي ،موسيقى لحبيب مدّس وإدارة إنتاج الفنان منصور الصغير..وشكلت استثناء لا فقط في الجانب الفني والتقني بل في حضور العنصر النسائي من دوز بعد غياب منذ تأسيس الفرقة سنة 1985 من خلال رماح السنوسي وسلوى الشيباني وهادية عبيد ،وهذا مكسب آخر يضاف الى انجازات فرقة هاوية : مسرح الجيب ، مهرجان المسرح العربي ، الحافلة، القسط الثاني من دار المسرح و انطلاق أشغال بناء مقر إقامة المسرح ..لتكون الدورة 12 استثنائية أكدت نجاح عديد الرهانات الذي تبنتها هذه التظاهرة منذ تأسيسها وفي عرس المسرح العربي بدوز كما بيّن أ. بلقاسم بن جابر رسالة مشرقة لعمل هادف يريد أن ينفتح على عالم أخر، هو عالم الجمال الإنساني المتصل بالدراما بما هي انجاز صراع بشري في أي شكل من الأشكال بحثا عن «الكاترسيس» تلك الثيمة الأرسطية القديمة الباحثة عن سموَّ ورقي وفعل من خلال إثارة عاطفتي الشفقة والرحمة تراجـــيديا والسخـرية كوميديا والفخار ملحميا، ولذا فان من يصنع مسرحا يصنع الإنسان الكامل العظيم..ولكن الدورة الثانية عشرة لمهرجان المسرح العربي بدوز أرادت ان تفتح أبواب الإبداع والثقافة والتعليم والمهارات والتنمية الفنيَّة فكانت خلية نحل كسرت الجدار الثالث للمسرح لا كما فعل بريشت بل كما فعلت إدارة الدورة فتعددت الورشات والتظاهرات والمداخلات وانطلقت من إيمان عميق بالفعل التشاركي الثقافي من خلال التنسيق مع جمعية البديل الثقافي ومع مثقفين وباحثين..