قاعة الريو: عرض «المغروم يجدد» للحبيب بالهادي ولسعد بن عبد الله «كل سياسي شيطانو في جيبو» والفنان الصادق ضحية دائما ...

المسرح ناقد او لا يكون، الموسيقى لاذعة موجعة او لا تكون، الرقص تعبيرة متجددة عن الحق والتاريخ او لا يكون، المسرح فعل نقدي يكشف الستار عما يعانيه الفنان حيا كان او ميتا، ولان الفعل المسرحي هو ممارسة للحياة التقى جمهور الريو مع العرض المسرحي الكوميدي التراجيدي الفرجوي «المغروم يجدد» في أطول عروضه بقاعة «الريو» مساء الجمعة 13 أكتوبر.

«المغروم يجدد» عمل فرجوي يجمع المسرح والموسيقى والرقص، عرض يعود بالذاكرة الى العام 1968 الى «كافيشانطا باب سويقة» عرض له طابع سياسي نقدي، ينقد حال الفنان انذاك وقساوة النظام الجديد و يكرم الفنان صالح الخميسي الذي ظلمه النظام، المغروم يجدد عمل للحبيب بلهادي ولسعد بن عبد الله، تمثيل جمال المداني وفرحات الجديدي وفتحي المسلماني وحاتم اللجمي وقيسالة النفطي ومريم الصبّاح.

المسرح والموسيقى..نقد موجع للسياسة والسياسيين
شاشة عملاقة كتلك المخصصة للاشهارات في الفضاءات الكبرى والشوارع، تحتها رسومات لرؤوس اشخاص، الوجوه مختلفة، فهذا فاغر فاه وذاك مكفهر وثالث يضحك ملئ شدقيه ورابع يغمض احدى عينيه وخامس ترتسم الفرحة على كامل وجهه، دلالات واشارات الى ردة فعل الجمهور من العروض التي يشاهدونها.
المكان كافيشانطا باب سويقة، الزمن العام 1968ـ الاحداث احدى بروفات الفرقةـ، على الركح حمل «رضا» (حاتم اللجمي) آلة الاكورديون ليعزف نغمات حزينة وكانها ايذان ببداية البروفة، وفي اقصى اليسار يهمس فرحات (فرحات الجديدي) الى رئيسه محرز (فتحي المسلماني) يخبره انه جاءه بفنانة «لهلوبة» «عرفي ترقص العربي والشرقي والبدوي» بعدها تبدأ رحلة عيشة في الرقص (مريم الصباح) تتمايل برشاقة تمتع الجمهور وسي محرز خصوصا ولكن له طرق خاصة في تجربة الراقصات الجدد و عادة ما تكون في «غرفة النوم» او «الحمام» لاكتشاف التفاصيل أكثر، منذ المشهد الاول يشاهد الحضور الكثير من السخرية، سخرية من الاستهتار بالفن، والاستهتار بالرقص و حصر الراقصة او «الصانعة» في الجسد والجنس.

ينقلب الهزل جدا، وتسرق الضحكة ليحضر محلها الكثير من الالم مع حديث سي الزمني (جمال المداني) يتحدث الى محرز مشغله الذي اكل عرقه ولم يمتّعه بمستحقاته المادية، فيجلس في الزاوية يشكو وجيعة اليومي والجوع و الفقر المدقع لحدّ أن أحد أبنائه «شاهي كعبة بطاطا».
في النقاش الكثير من الالم والوجيعة، ونقد موجه الى السياسة والسياسيين، في «المغروم يجدد» نقد الى سياسة التعاضد التي ارساها الوزير احمد بن صالح «سياسة زادت الفقير فقرا»، يتواصل التقاش عن «الزعيم الاوحد» وضرورة توحيد «اغاني البداية والنهاية» فلكل حفل قوانين ولعل اشدها صرامة الافتتاح باغنية «يا سيد لسياد» واختتام السهرة «يا مجاهد» وبينهما للفرقة ان تغني ما تشاء، حوار نقد السياسة ووجه اصابع الاتهام للنظام الجمهوري الذي زاد من غربة البعض عن وطنهم، بينما «الدساترة ورجال الشعبة» كانوا المستفيدين الوحيدين.
حديث «سي الزمني» كان بمثابة الرسائل المشفرة الموجهة للنظام والناقدة لسلطة الحاكم الأوحد التي ارساها الحبيب بورقيبة بعيد الاستقلال « حبيبي يا مجاهد على وطنك، انا يا زعيم على كلمتك، بلادك وشعبك ينادوا عليك» يغنيها بحرقة ووجيعة لتكشف مدى ظلم الحاكم انذاك وقسوة الفقر ، فتونس لم تكن «جنة مصغرة» و رئيسها الواحد الاوحد ضيق على الجميع بما في ذلك الفنانين.
نقد وكلام موجع وكانه ينقل ترابط الامس باليوم، فالكافيشانطا قد تكون منبع أي نشاط ثقافي يجمع فنانين ينقلون معاناتهم من جبروت السلطة، فربما تغير الزمان والفضاء المكاني ولكن ظلم الساسة واحد.

الفنان في وطني «مظلوم» امس واليوم
اغاني ساخرة، رقصات وصراع بين «مامية» و «عيشة» الاولى صانعة منذ افتتاح الكافيشانطا، والثانية محبة للرقص وتريد ان تصبح «الصانعة الاولى في تونس» في اول امتحان يحدث الكثير من الصراع بينهما فكل واحدة تريد ان تكون الافضل، لكل راقصة سرها وسحرها وطريقتها في شد انتباه سي محرز صاحب الكافيشانطا، الصراع يكشف ما عاشته تلك الفترة من حركية ثقافية خاصة في الرقص ففي تلك الفترة كانت «الصانعات» هن سبب نجاح اي كافيشانطا فلا وجود لقصر دون صانعة، لا وجود لحفل او سهرة دون صانعة هن الاساس قبل الغناء والزهو والطرب.
يتواصل الصراع المبطن، بين الراقصتين ومعه صراع اخر بين عازف الكمجة وعازف العود، صراع معلن بين سي الزمني و فرحات، صراع بين فقير وغني، الأول رضي بوضعه وحاول أن يتعايش مع ظروفه والثاني اختار السياسة وتسلق سلم «الطمع والانبطاحية» ليحقق ثروته، وبيتهما شيفرات عن الكرامة وسؤال «من هو الفنان؟» صاحب الرسالة الصادقة؟ أم المتزلف الى السلطة.

في البروفة اغاني المرحوم صالح الخميسي هي الطبق الرئيسي للسهرةو، عمل يكرم الخميسي ويقدم عددا من اغانيه، الى روح الخميسي الذي سبق له أن سجن بسبب اغانيه الناقدة والساخرة والتلاعب بالكلمات في اغنية «استقلال..ام صادق لا»، وأغنية «سكاتش الراديو» أغان ساخرة من الواقع الذي يعيشه التونسي وأدت إلى سجنه ففي سكاتش الراديو يعيد اغنية «برهوم» ويغيرها الى «برغوث» في نقد مباشر الى انتشار البرغوث بعيد الاستقلال، نقد للواقع سجن بسببه صالح الخميسي صاحب الـ 300 أغية ساخرة، لروحه وجهوا التحية وكرمته المجموعة في عرض «المغروم يجدد»، في العرض حديث عن كفاح الخميسي وكيف أصبح يبيع الفحم بعد أن منعت أغانيه من البث في الاذاعة وتغني المجموعة « تدوير الدم ولا الهم، من الفن لخدمة الفحم» اغنية لها وقعها وتاثيرها على من اتخذوا الفن طريقهم للعيش، فنانين عانوا الفقر والجوع والخصاصة «احنا الفنانين أكبر معوزين» كما هو في نص المسرحية.

في المغروم يجدد الكثير من النقد، رسائل نقدية الى السياسيين والفنانين أيضا، حديث عن معاناة الفنان في وطنه اشارة الى جوع الفنان وموته في طي النسيان وبقائه على الهامش، حفر في الذاكرة لاحياء دور الفنان في الواقع الثقافي ونقد لسياسة الحاكم الواحد والحزب الاوحد، نقد لسياسة بورقيبة وقول عديد الحقائق التي كانت مخفية ويريد البعض تغليفها وتزيينها لتقديم صورة أفضل عن فترة ما بعد الاستقلال.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115