كتاب «شمس على نوافذ مغلقة» في مرمى سهام التجريم والتكفير ظلام التشدّد يحجب شمس الإبداع

يحدث أن تغتال الفكرة وتضطهد الكلمة وتساق الرواية إلى محاكم التفتيش ... هكذا كانت حكاية كتاب «شمس على نوافذ مغلقة»، الصادر حديثا في ليبيا، مع الأحكام المسبقة والمحاكمات المتجنيّة والاتهامات المجانية ...

وعلى وقع قرع طبول التهديد والوعيد يتربص الخطر والضرر بحياة الأدباء والشعراء المساهمين في هذا الكتاب الجماعي بعد أن بلغ التحريض عليهم منابر المساجد !
في حلقة جديدة من مسلسل الوصاية على الفكر والإبداع كانت أبواق التكفير والتجريم في وضع استنفار لمحاكمة كتاب «شمس على نوافذ مغلقة» دون التمعن فيه أو حتى مجرد قراءة عابرة له !

بيان للتنديد ونداء للمساندة
لم يكن الصدور الحديث للكتاب الجديد «شمس على نوافذ مغلقة» في ليبيا ليبلغ ما بلغه من شهرة وسرعة تداول لعنوانه من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر لولا تلك الأحكام المسبقة والمحاكمات القاسية لمؤلفيه بسبب الاختيار المقصود والانتقاء غير البرئ من طرف البعض لشظايا من سطوره التي امتدت على ما يفوق 500 صفحة. وعن تفاصيل هذه المهزلة الجديدة التي تنضاف إلى سخافات الوصاية على الفكر ومحاربة التفكير بالتكفير تم إصدار بيان تنديد بالحادثة في ليبيا تضمن نداء مساندة وطلب تضامن من الأدباء في الوطن العربي والعالم ... وقد ورد في هذا البيان ما يلي: «أدى نشر كتاب، يعد إنجازا متميزا ومهما في الحركة الثقافية الوطنية الليبية، هو كتاب «شمس على نوافذ مغلقة» ضم كتابات شباب ليبيين في مجالات الشعر والقصة والرواية كتبت بعد سنة 2011 إلى حالة من الاعتراض والغضب، وجرى التشهير بمحرري الكتاب و بأسماء كاتبات صاحبات نصوص في الكتاب. بل تعدى الأمر ذلك، إلى المطالبة بمحاكمة أصحاب النصوص المنشورة في الكتاب ووصفهم بالعمالة والمطالبة بإنزال أشد العقوبات عليهم، كل هذا حدث بسبب ورود بعض الكلمات في كتاب تبلغ صفحاته

( 544 صفحة)، وعدد كتابه ( 25) كاتبا وكاتبة، ضمن نص مقتطف من رواية «كاشان» التي كانت قد صدرت سنة 2012 بإذن وموافقة من الجهات الرقابية المعنية في ليبيا».
وقد أخذ أصحاب كتاب «شمس على نوافذ مغلقة» مع هذه الاتهامات والتهديدات الخطيرة على محمل الجد والحذر خصوصا في ظل ما يعصف بليبيا من عدم استقرار أمني وسياسي. وقد ورد في البيان المذكور:» في ظل ما تمر به ليبيا من فقدان الأمن وانتشار المليشيات المسلحة تصبح مثل تلك التهديدات ذات خطورة ماثلة تستلزم الوقوف ضدها من قبل كل من يتخذ موقفا مبدئيا لصالح حرية الفكر والإبداع ويعارض الإرهاب الفكري. لذا يندد الموقعون على هذا البيان بهذه الحملة الضارية ويدينونها ويطالبون بإيقافها العلني والفعلي، كما يطالبون الجهات الرسمية ذات العلاقة بالثقافة والسلطات القائمة بتحمل المسؤولية في حماية الكُتاب والمحررين ودار النشر والمنظمين لحفلات التوقيع. كذلك على هذه الجهات تَحمُّل مسؤوليتها كاملة إزاء ما قد يحدث من ضرر لهم. كما عليها أن تضع حدا لإغلاق المراكز الثقافية وتكميم الأفواه وهي المسؤولة على حرية الفكر والنشر والإبداع وحماية الكتاب والمبدعين».

مصادرة الكتاب وغلق للفضاء الثقافي «دار الحسن الفقيه»
كل من حبّر صفحات كتاب «شمس على نوافذ مغلقة» وكل من ملأ بالأفكار فراغ بياضه كان نصيبه الجلد بسياط السب والشتم والقذف بأشنع التهم ... بدعوى «نشر جمل خادشة للحياء ومخلّة بالآداب والأخلاق العامة بالمجتمع الليبي»!
أما كتاب «شمس على نوافذ مغلقة» فكان مصيره المنع والمصادرة . كما تم غلق الفضاء الثقافي «دار الحسن الفقيه» التي شهدت حفل التوقيع على هذا الكتاب المثير للجدل.
وقد نقلت مصادر إعلامية عن محمد الناجم الرئيس التنفيذي للمركز الليبي لحرية الصحافة قوله:» إن الهدف من الهجمة الشرسة هو ضرب الحركة الثقافية والأدبية التي تُعاني شللا نصفيا وتقييدا كبيرا، وليس كما يدّعي البعض دفاعهم عمّا يٌسمونها القيم والأخلاق النبيلة بالمجتمع، فكان من الأجدر تقديم نقد أدبي بناء بدلًا من السب والقذف والتهديد بالاعتقال من قبل الجماعات المسلحة المختلفة ومصادرة الكتب، وهي جميعها من ممارسات الاستبداد التي لابدّ أن نحدث قطيعة معها كليا ».

منابر المساجد تتحوّل إلى محاكم تفتيش
لم تنته حملة استهداف كتاب «شمس على نوافذ مغلقة» عند حدود مواقع التواصل الاجتماعي بل تسللت إلى بيوت الله واقتحمت منابر المساجد حيث نقل الموقع الليبي «بوابة الوسط» تسجيلا صوتيا لأحد أبرز الشيوخ السلفيين في طرابلس «مجدي حفالة» يلقي فيه خطاب كراهية وتحريض ضد مؤلفي الكتاب بمسجد عائشة أم المؤمنين ناعتا هؤلاء الأدباء والشعراء بـ«السفهاء والمجرمين» وواصفا كتاباتهم بـ»الفاجرة»... كما وصف كلا من الشاعر خالد مطاوع والناشطة ليلي المغربي محرري الكتاب بـ«أبواق العلمانية»، والشاعر المساهم في الكتاب المكي المستجير بـ»المارق عن الدين والعلماني الخبيث».
كما دعا هذا الشيخ السلفي من وصفهم بولاة الأمر من الجهات الرسمية والأمنية إلى «منع طباعة الكتاب ونشره وعدم التهاون والضرب بيد من حديد ضد كل من يتطاول على الدين الإسلامي، وحذّر أصحاب الكتاب بأنهم سيٌداسون تحت أقدام الدعوة السلفية...».
يبدو أن كتاب «شمس على نوافذ مغلقة» قد أقض مضاجع العقول النائمة وألهبت شمسه الرماد الخامد والخامل فهبّت خفافيش الظلام لتحجب بأجنحتها السوداء شمس الإبداع ...لكن نور الفكر كان بالمرصاد لأعداء الأدب والحياة.

الكتاب المثير للجدل في سطور
على امتداد 544 صفحة متنوّعة ما بين رواية وقصّة وشعر، يأتي كتاب «شمس على نوافذ مغلقة» بإمضاء 25 شابا من الشعراء و الأدباء الليبيين « كوثيقة ضخمة تحوي ترتيبا للألم الذي دوّن بأقلام شابّة خلال فترة الحرب أو ما يمكن القول عنه: خلال المرحلة الانتقالية في ليبيا من حكم الفرد للديمقراطيّةَ المنشودة».
وقد صدر الكتاب عن مؤسسة «أريتي» للثقافة والفنون و«دارف» للنشر في ليبيا، من تحرير خالد المطاوع وليلى نعيم المغربي. يسعى الكتاب - وفقا لما ورد في مقدمة المحرّرين- إلى «لفت الانتباه لجيل جديد من الكتّاب والاحتفاء بإنجازهم بتوفير منبر تصدر منه أصواتهم لأكبر عدد من القرّاء وللإعلان عن مكوّنات جيل جديد من الأدب الليبي».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115