أسابيع قليلة قبل وفاته.. الراحل أولاد أحمد لـ«المغرب»: الوطن أعلى من النصوص المطلقة

«تونس.. سلّمتُ في الدُّنيا... وقلتُ أكونُها: شعرًا ونثرًا وناقدًا ومُبشّرًا ...طوالَ الفصولِ الأربعهْ.. أنْثَى وأمّي ليس لي قبْرٌفي المــَا-بعْدُ (في الأُخْرى) سوى هذي الحُروفِ الأربعهْ» آخر كلمات كتبها الراحل محمد الصغير أولاد أحمد يوم قبل وفاته من المستشفى العسكري بتونس..

قبل أسابيع قليلة التقت «المغرب» بالراحل محمد الصغير أولاد أحمد، وقمنا بحوار لم ننشره لأنّه رحمه الله أراد أن يرتّبه ويضيف عليه ما يضيف حالما تسمح له صحته، غير أنّ المنية خطفته منّا يوم أمس.. غادرنا وكلنا لوعة.. غادرنا وحوارنا لم يكتمل بعد ولم يرتب.. رحل وترك لنا الشعر وتونس، «تونس التي هي موضوع كتابتي الوحيد،شعرا ونثرا وكلاما ومشْيا وحُلْمًا وشرابا، منذ انخراطي في الكتابة وإلى هذه اللحظة. تونس التي هي اسم أمي كذلك.. فقد كان أجدادنا، زمنَ الاستعمار، يسمون النساء باسم البلاد حتى لا تنسى القبائلُ اسم الوطن».. صدقت يا ابن وطننا البار..

• كيف تقضي وقتك؟
في هذه الأشهر القليلة أعدت إصدار ثلاثة كتب، رتّبتها من جديد، وأصلحت فيها ما أصلحت.. وأثّر ذلك على الدواء الذي أتعاطاه، ما قمت به من عمل في هذه الأشهر القليلة لم أقم به طوال عشر سنوات.. وعيا بالموت.. ولم أعد أنام كثيرا..أريد أن أعمل ما استطعت..

• ولكن لك دواوين كثيرة لماذا لا تبتعد عن ألم الشعر قليلا؟
أنا عشت قبل أن أتزوّج بأمّ (كلمات) أعزبا ولذلك أنتجت العديد من الكتب (يضحك).. أنا أحوم حول الشعر المليء بالفكر، وما دمت أفكّر فلن ينقطع الشعر..

• هل تفكّر في أعمال قادمة؟
أريد أن أقوم بندوات لعرض كتبي مبدئيا في صفاقس وجربة وسوسة.. وسأذهب إلى روما أيضا.. وبين كل عرض وعرض أريد أن أطوّر العرض.. وهذه العروض يمكن أن تُباع.. العرض الذي قمت به في المسرح البلدي بمناسبة تكريمي كان تصوّري.. وتعبت فيه جدا.. وابني اعتنى بي بعد ذلك العرض، ركّزت في ذلك العرض على عنصري الوطن والثورة.. الوطن أعلى من النصوص المطلقة.. على الفنانين أن يقوموا بعروض تُنسي الناس خطابات السياسيين الذين لا يعرفون فنّ الخطابة..
وسيقومون بفيلم وثائقي عنّي، سيصورون أناسا يتحدّثون عن شعري، وسيصورون الأمكنة التي أبقى فيها أو عشت فيها.. حان الوقت لأرتوي من الشعر.. فأنا تألّمت كثيرا.. أريد أن يبقى هذا وكتبي لزهور(زوجتي) وكلمات (ابنتي) وناظم (ابني)..

• لماذا لا تقنعك خطابات السياسيين؟
لأنّ أغلبهم لا يستعملون لغة مقنعة.. ألم يكتب محمود درويش خطاب ياسر عرفات في الأمم المتحدة؟ والرباعي الراعي للحوار الذين ذهبوا لاستلام جائزة نوبل بخطابات مختلفة، لو كانوا يدركون ويفكرون لكتبت لهم خطابا تاريخيا موحّدا.. على المثقّف أن يملأ المسارح.. أنا عندما صعدت على ركح المسرح البلدي كرّمت من كان في هذا الفضاء وهم كرّموني.. بالدموع والبكاء.. خطابي الذي قلته في باريس بدأته بيا أيها المهاجرون «أقصد عمالنا في الخارج» أيها الأنصار» أقصد أنصار الشعر.. وبالمناسبة تصدر لي قريبا أعمالي مترجمة إلى اللغة الفرنسية..

• دائما تقول أنّك مع حقوق التأليف، ألم تتعبك هذه المسألة؟
أنا أخوض معركة حقوق التأليف باسم كل الفنانين، العديد من الفنانين والكتاب ليس لديهم ضمان اجتماعي ولا هم يحزنون، أذكر أنه قبل سنين لا يحتوي جيبي على دينار واحد.. الدولة سوّت وضعيتي لا محالة ولكن لماذا لا يسوون وضعية الفنان؟ على القائمين بالشأن الثقافي أن يدخلوا في منطق الاستثمار الثقافي وإلا لن يرى المبدع سوى الفقر..

• أيهما أشد الإشاعات أم غيرة بعض الشعراء؟
أنا لا تقلقني الإشاعات.. الإشاعات مهما كانت تخدم صورة المستهدف.. على المبدعين التونسيين، شعراء كانوا أو كتاب أو فنانين، أن يبتعدوا عن الغيرة فيما بينهم، وأن يساعدوا بعضهم البعض.. وأنا أتعالى على كل من شتمني أو سبّني.. أو من تمنّى أن أبقى في وضعية سيئة أو أموت.. وحتى إن متّ سينزعجوا.. أنا منذ أشهر قررت أن لا أتواجد مع أي شخص سلبي، لا بدّ أن نرافق الإيجابيين، أحيانا يحدث لي نوع من الإغلاق ولا يجعلني أكتب، ولا أعرف مكمن هذا الانغلاق، لا تستطيع أن تزيحه أو تزيله إلا إذا تكلّمت.. وتحدّثت وتقاسمته مع الآخرين..

• كيف ترى تونس السياسة؟ وفي بلدان الجوار؟
بعض الساسة ممن أعرف، من نداء تونس ومن كتلة الحرة، يشكون لي ما يحصل في هذا الحزب.. إن بقي هكذا فسيتركون المجال للفوضى.. وأنا لا أستطيع أن أدافع عن أي انقلاب حصل في مصر ولكن لم يكن هنالك خيار أمامها.. أنا لا أكره السيسي.. ومصيرنا مع ليبيا مشترك، فأزمتنا مرتبطة ببعضها البعض..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115