فَيقولونَ: لبَّيْكَ ربَّنا وسَعْدَيْكَ والخيرُ كلُّهُ في يَديْك
َ فيقولُ: ألا أُعْطيكُمْ أفْضَلَ مِنْ ذلكَ.
فيقولونَ: يا ربَّنَا وأيُّ شىءٍ أفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ.
فَيقولُ: أُحِلُّ عَليْكُمْ رِضْواني فلا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ أبدًا» رواه البخاري.
إنَّ مِنْ خَصائِصِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ هوَ أَوَّلُ مَنْ يَأْخُذُ بِحَلْقَةِ الجنَّةِ (أي يُحَرّكُها) يَسْتَفْتِحُ فيقولُ الملَكُ خازِنُ الجنّةِ الموَكَّلُ بِبَابِهَا : مَنْ : فيقولُ: «مُحَمَّدٌ» فَيقولُ الملَكُ: « بِكَ أُمِرْتُ بِأَنْ لا أَفْتَحَ لأَحَدٍ قَبلَكَ » رواه مسلم.
وأمّةُ سيدِنا محمَّدٍ فيهمْ سبعونَ ألفًا وجوهُهُمْ كالقَمَرِ ليلةَ البَدْرِ يَدْخُلونَ الجنَّةَ دُفعةً واحدةً بلا حِسابٍ ولا عقابٍ وهؤلاءِ همْ أُناسٌ مِنْ أولياءِ اللهِ الصالحينَ، ويَليهِمْ أُناسٌ وجوهُهُمْ كَأَشَدّ كوكبٍ دُرّيّ معَ كلّ ألفٍ مِنَ السَّبعينَ ألفًا المذكورينَ سَبْعونَ أَلفًا مِثْلُهُمْ يدخلونَ الجنةَ بلا حِسابٍ ولا عِقابٍ ومَعهمْ زيادةٌ عليهمْ لا يعلمُ عددَهُمْ إلا اللهُ، يدخلونَ الجنَّةَ أيْضًا بلا حِسابٍ ولا عِقابٍ، وأمَّةُ سيدنا مُحَمَّدٍ خَيْرُ الأُمَمِ وأَكْرَمها على اللهِ.
والثابت أن في هذهِ الدُنيا أشياءَ أصلُها مِنَ الجنّةِ منْها: مقامُ إبراهيمَ عليهِ السلامُ. فقد جاءَ في كتابِ الجامعِ لأحكامِ القرءانِ للْقُرْطُبِيّ في تفسيرِ الآيةِ: «وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً»سورة البقرة أنَّهُ الحَجَرُ الذي تَعْرِفُهُ النّاسُ اليومَ الذي يُصَلُّونَ عندَهُ رَكعَتينِ بعدَ الطوافِ.
وفي البُخاريّ أنَّهُ الحجرُ الذي ارتفعَ عليهِ إبراهيمُ عليهِ السلامُ حينَ ضَعُفَ عَنْ رفْعِ الحجارةِ التي كانَ إسماعيلُ عليهِ السلامُ يناوِلُهُ إيَّاها في بناءِ الكعبةِ وغَرِقَتْ قدَمَاهُ فيهِ. قالَ أنسٌ: رأيتُ في المقامِ أثَرَ أصابِعِهِ وعَقِبِهِ وأخْمَصِ قدمَيْهِ غيرَ أنَّهُ أَذْهَبَهُ مَسْحُ النَّاسِ بِأيديهِمْ. حكاهُ القُشَيْرِيُّ. وكذلِكَ الحجرُ الأسودُ أصلُهُ ياقوتةٌ مِنْ يواقيتِ الجنَّةِ. فقدْ روى الترمذيُّ مِنْ حديثِ ابنِ عباسٍ «الحجرُ الأسودُ مِنَ الجنةِ».وعنْ عبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو عندَ أحمدَ «الحجرُ الأسودُ من حجارةِ الجنةِ لولا ما تَعَلَّقَ بهِ مِنَ الأيدي الفاجِرَةِ ما مَسَّهُ أَكْمَهُ ولا أَبْرَصُ ولا ذو داءٍ إلاّ بَرِئ ». أخرجَهُ سعيدُ بنُ مَنصورٍ. وروى الترمذيُّ : نَزَلَ الحجرُ الأسودُ مِنَ الجنَّةِ وهوَ أشَدُّ بياضًا مِنَ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ خطايا بَني ءادمَ. وقالَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد رُوِيَ عنْ عبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو أيضًا قالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ وهُوَ مُسْندٌ ظَهْرَهُ إلى الكعبةِ: «الرُّكْنُ والمقامُ ياقوتتانِ مِنْ يَواقيتِ الجنّةِ لولا أنَّ اللهَ طَمَسَ نورَهُما لأضَاءا ما بينَ المشرقِ والمغربِ « أَخْرَجَهُ أحمدُ وابنُ حِبَّان. ومِمَّا نَزَلَ مِنَ الجنّةِ سَيّدُنا ءادمُ عليهِ السَّلامُ وحوّاءُ والبراقُ، كمَا نَزَلَ أيضًا إبليسُ لعَنَهُ اللهُ. والكَبْشُ الذي فُدِيَ بهِ إسماعيلُ منَ الجنّةِ أيضًا، وعصا موسى قيلَ إنّها نزلَتْ مِنَ الجنَّةِ أيضًا. وأصلُ الحِنْطَةِ والأرزّ ونحوِهِما ممّا نَأْكُلُهُ مِنَ الجنَّةِ، لكنَّها لمّا نَزَلَتْ إلى أرضِنا هذِه تغيَّرَتْ عمَّا كانَتْ عليهِ. كذلِكَ النّيلُ والفراتُ وسَيْحانُ وجَيْحانُ أَصْلُها منَ الجنّةِ، هذهِ الأنهارُ كانَتْ في الجنّةِ ثمَّ نُقِلَتْ، أَدْخَلَها اللهُ في الأرضِ ثمَّ أَخْرَجَها في مكانٍ ءاخرَ، أمَّا دِجْلَةُ فهو فَرْعٌ مِنَ الفراتِ، رَوى مُسْلِمٌ في صحيحه:
سَيْحانُ وجَيْحانُ والفراتُ والنّيلُ كلٌّ مِنْ أنهارِ الجنَّةِ . وهوَ حديثٌ صحيحٌ.