سمة أصيلة في شخصيته، وصفة راسخة في سلوكه، يعيش بها في المجتمع، ويتعامل بها مع من حوله، ويتعبد الله ويتقرب إليه بالاتصاف بها، والتخلق بها في حياته.
وهذا كله من التقوى، والتي هي مقصد الصوم وغايته، قال –تعالى يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لعلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة:183)، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» رواه البخاري.
فالإنسان الذي لا يربي نفسه ويزكيها بالأخلاق الفاضلة كما يزكيها بالعبادات والطاعات والمناجاة وقراءة القرآن يكون قد خسر خسراناً مبيناً؛ ذلك أن الأخلاق لها أهمية عظيمة في الإسلام، فقد حصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مهمة بعثته، وغاية دعوته، بكلمة عظيمة جامعة، فقال فيما رواه البخاري في التاريخ وغيره: «إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق».
بل إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً، قال -صلى الله عليه وسلم-: «أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خلقًا» بل يقول -عليه الصلاة والسلام-: «إنَّ مِن أحبِّكم إليّ وأقربِكم منّي مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا» رواه البخاري.
إنه ينبغي أن نربي أنفسنا على الأخلاق الفاضلة، ونجعلها سلوكا نتعامل بها في واقع الحياة قبل أن يأتي يوم لا ينتفع الصائم بصومه، ولا المصلي بصلاته، ولا المزكي بزكاته. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أتدرون من المفلس؟» قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وسب هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دماء هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار» رواه مسلم.
فرمضان شهرٌ للمراجعة والتغيير، والتربية والتهذيب للنفوس، وهو مدرسة الأخلاق، يقول -صلى الله عليه وسلم-: «والصيام جُنّة، وإذا كان يومُ صومِ أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتَلَهُ فلْيَقُلْ: إني امرؤ صائم» رواه البخاري.
وليس هذا على سبيل الجبن والضعف والخوَر؛ بل إنها العظمة والسمو والرفعة التي يربي عليها الإسلام أتباعه.
وإن من أعظم القيم والأخلاق التي يتربى عليها المسلم في هذا الشهر وفي هذه المدرسة الربانية خلق الصبر الذي تدور حوله جميع الأخلاق، وهو خلقٌ كريم، ووصف عظيم، وصف الله به الأنبياء والمرسلين والصالحين، فقال -تعالى-: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ (الأحقاف:35).
وروى مسلم من حديث أبي مالك الأشعري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «الطّهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن -أو: تملأ- ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك».
يتبع