حدائق القرآن: حكم قراءة القرءان جماعة -الجزء الأول-

نستعــــرض آراء الفقهـــاء في حكم قراءة القرآن جماعة من خلال الأسئلة التالية:

أولا: ما هو قول الجمهور في المسألة؟
هل الإمام النووي وحده الذي يقول بجوازها فقط كما يدعي البعض، أم جماهير الفقهاء وعلى رأسهم الإمام بن تيمية ..إلخ

ثانيا: هل صحيح أن السلف لم يعرفوا هذه القراءة؟

ثالثا: هل فعلا قراءة القرآن جماعة تدخل تحت مسمى البدعة كما هو متعارف عليه عند جمهور الفقهاء؟.

أولا: ما هو قول جمهور الفقهاء في هذه المسألة؟
اختلف الفقهاء في مسألة قراءة القرآن جماعة، فكرهها بعضهم، وذهب الجمهور إلى جوازها، بل ورأى بعضهم أنها مستحبة.
فمذهب الحنابلة والشافعية استحباب ذلك وهو القول الثاني عند الأحناف؛ واستدلوا لذلك بالأدلة الدالة على عموم استحباب الذكر، كما في قوله صلى الله عليه وسلم «..وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم...» والقرآن الكريم هو أول وأرفع أنواع الذكر.

قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله بعدما ذكر الاختلاف في هذه المسألة: واستدل الأكثرون على استحباب الاجتماع لمدارسة القرآن في الجُملة بالأحاديث الدالة على استحباب الاجتماع للذِّكر، والقرآن أفضلُ أنواع الذكر. اهـ جامع العلوم والحكم. الحديث 36.
قال الإمام النووي: «وفى هذا دليل لفضل الاجتماع على تلاوة القرآن في المسجد وهو مذهبنا ومذهب الجمهور ..» اه شرح مسلم 17/ 21

وقال أيضا: «لا كراهة في قراءة الجماعة مجتمعين بل هي مستحبة وكذا الادارة، وهى أن يقرأ بعضهم جزءا أو سورة مثلا ويسكت بعضهم ثم يقرأ الساكتون ويسكت القارئون « اه المجموع شرح المهذب ج2 ص 166.
قال الإمام البهوتي رحمه الله وهو على مذهب الأمام أحمد (ولا تكره قراءة جماعة بصوت واحد) اه شرح المنتهى 1/ 254.

وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله: (وَقِرَاءَةُ الْإِدَارَةِ حَسَنَةٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَمِنْ قِرَاءَةِ الْإِدَارَةِ قِرَاءَتُهُمْ مُجْتَمَعِينَ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ وَلِلْمَالِكِيَّةِ وَجْهَانِ فِي كَرَاهَتِهَا، وَكَرِهَهَا مَالِكٌ) اه الفتاوى الكبرى 5 / 344.
وقال الإمام السيوطي رحمه الله (وحكى الشيخ عن أكثر العلماء أنها) أي قراءة الإدارة (حسنة كالقراءة مجتمعين بصوت واحد) مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى 1 / 598.

وقد رأى الإمام النووي أن ما ورد عن الإمام مالك رحمه الله من كراهة قراءة القرآن جماعة، مخالف لما عليه عامة العلماء، فقال رحمه الله: « وعن وهب قال: قلت لمالك أرأيت القوم يجتمعون فيقرؤون جميعا سورة واحدة حتى يختموها ؟ فأنكر ذلك وعابه وقال ليس هكذا تصنع الناس إنما كان يقرأ الرجل على الآخر يعرضة فهذا الإنكار منهما مخالف لما عليه السلف والخلف ولما يقتضية الدليل فهو متروك والاعتماد على ما تقدم من استحبابها « اه التبيان في آداب حملة القرآن ص 36 : «فصل في استحباب قراءة الجماعة مجتمعين».

ثم إن الإنكار من مالك رحمه الله تعالى على هذه المسألة لا يعني أنها محرمة أو من بدعة الضلالة فقد روي عنه أيضا أن القراءة من المصحف بدعة، قال ابن رجب:
وقال ابن وهب ... قال مالك: وأنا أكره ذلك الذي يقرأ في المسجد في المصحف...» جامع العلوم والحكم. م س.
ولا يستطيع أحد اليوم أن يقول ذلك، وكيفما كان الأمر فإن عامة الفقهاء المالكية تأولوا قول مالك رحمه الله في هذه المسألة:

فقال الإمام الونشريسي رحمه الله ملخصا هذه المسألة في مذهب مالك: قال صلى الله عليه وسلم : «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه»، قال الإمام المازري: ظاهره –أي الحديث- يبيح الاجتماع لقراءة القرآن في المساجد وإن كان مالك قد كره ذلك في المدونة، ولعله إنما قال ذلك لأنه لم ير السلف يفعلونه مع حرصهم على الخير، قال بعض الشيوخ: ولعله من البدع الحسنة كقيام رمضان وغيره، وقد جرى الأمر عليه ببلدنا بين أيدي العلماء، والأمر فيه خفيف؛ قلت: وجرى الأمر عليه بالمغرب كله، بل وبالمشرق فيما بلغنا ولا نكير، وما هو إلا من التعاون على البر وعمل الخير، ووسيلة لنشاط الكسلان، وقد نصوا على أن حكم الوسائل على حكم المتوسل إليه). اهـ المعيار 1 / 155.
يتبع

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115