كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يجد في السيدة خديجة ملجأً لبث همومه، وكان يشكو إليها من تعذيب رجال قريش ويرى في عمه أبو طالب رجلاً معيناً وناصراً على قومه . لذلك كانت وفاة هذين الشخصين العزيزين مأساة للرسول صلى الله عليه وسلم ، فحزن لذلك حزناً كبيراً وحزنت معه زينب ومعها أخواتها الثلاث رضي الله عنهن وقد وجهن كل حنانهن وحبهن لأبيهن صلى الله عليه وسلم للتخفيف عنه.
كانت السيدة زينب رضي الله عنها تسمع في كل يوم عن مطاردة قريش للرسول صلى الله عليه وسلم وتعذيبه ومعه أصحابه بشتى أنواع العذاب، وهي ترى صبر والدها، وما كان منها إلا أن تدعو له بالنصر على أعدائه ونشر دعوة الإسلام في كل مكان.
حتى كان اليوم الذي وصل فيه خبر هجرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومعه الصديق أبو بكر رضي الله عنه إلى يثرب ، ومطاردة رجال قريش لهما؛ لقتلهما والقضاء على خاتم الرسل والإسلام. وكانت زينب تمضي الليالي مضطربة النفس خائفة القلب على الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولم ترتح إلا بعد أن وصل خبر وصوله وصاحبه إلى يثرب آمنين سالمين.
وبعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة أمر بإحضار ابنتيه فاطمة وأم كلثوم رضي الله عنهن إلى دار الهجرة يثرب، أما رقية رضي الله عنها فقد هاجرت مع زوجها من قبل ولم يبق سوى زينب التي كانت في مأمن من بطش المشركين وتعذيبهم وهي في بيت زوجها الذي آمنها على دينها.
• موقعة بدر وأثرها في نفس زينب رضي الله عنها:
بعد أن استولى المسلمون على قافلة كانت قادمة من بلاد الشام حاملةً بضائع لأهل مكة وقتل عمرو بن الحضرمي وأخذ رجال القافلة كأسرى، اشتد غضب رجال قريش، وخاصة بعد أن وصلهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينوي التعرض لقافلة أبي سفيان .
وحشد رجال قريش وأشرافها الجيوش وجروا العتاد والأسلحة؛ لمواجهة محمد صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه للقضاء عليهم في يثرب. في تلك الأثناء وصلت قافلة أبي سفيان سالمة إلى مكة. ومن أشد الأمور غرابة أن أبا العاص زوج السيدة زينب رضي الله عنها كان قد تحالف مع المشركين وقرر الوقوف ضد رسول الله ووالد زوجته صلى الله عليه وسلم والمسلمين في موقعة بدر تاركاً زوجته وطفليه في مكة، غير آبه بزوجته.
وطلبها البقاء في مكة، وعدم المشاركة مع المشركين.كانت زينب رضي الله عنها تدعو الله سبحانه وتعالى أن ينصر والدها على أعداء الله ِوأن يحفظ زوجها من كل سوء على الرغم من عصيانه لله. وبدأ القتال وواجه المشركون بعددهم الكبير رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه القلة المؤمنة، ولكن الله تعالى نصر رسوله والمؤمنون نصراً كبيراً وهزم أعداء الإسلام على الرغم من عدم التوافق العددي بين الجيشين.
وصل خبر انتصار المسلمين إلى مكة وكانت فرحة زينب بهذا الانتصار لا توصف، ولكن خوفها على زوجها لم يكمل تلك السعادة التي غمرتها، حتى علمت بأن زوجها لم يقتل وأنه وقع أسيراً في أيدي المسلمين . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى أبا العاص زوج ابنته ضمن الأسرى، واستبقاه عنده بعد أن أمر الصحابة أن يستوصوا بالأسرى خيراً.
روي عن عائشة، بإسناد: أن أبا العاص شهد بدراً مشركاً، فأسره عبد الله بن جبير الأنصاري ، فلما بلغت أهل مكة في فداء أسراهم، جاء في فداء أبي العاص أخوه عمرو، وبعثت معه زينب بقلادة لها من جزع ظفار-أدخلتها بها خديجة- في فداء زوجها، فلما رأى رسول الله القلادة عرفها، ورق لها وقال:» إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فعلتم»؟ قالوا: نعم . فأخذ عليه العهد أن يخلي سبيلها إليه ، ففعل.