كان رحمه الله عالماً عاملا بالسنة. زاهداً ورعاً، له تآليف عديدة لا تكاد تنحصر؛ منها تفسيره للقرآن العظيم، وشرحه على (رسالة ابن أبي زيد القيرواني)، وله ثلاثة شروح على متن (القرطبية)، وستة وثلاثون شرحاً على (الحكم العطائية) وشرحٌ على أسماء الله الحسنى، وشرحٌ على (دلائل الخيرات)، وله كتاب (النصائح) وكتاب (قواعد الصوفية)، و(العقائد الخمس) وله تآليف عديدة في التصوف، ورسائل، وعدة مؤلفات نفيسة.
عاش من العمر ثلاثاً وخمسين سنة، حسبوا له من يوم ولادته إلى يوم وفاته كرّاساً في النصف من كلّ يوم.
ولد رحمه الله يوم الخميس اثني عشرة محرّم الظاهرية،عام ثمان مئة وستة وأربعين، وتولّى تربيته جدّتُه، لأمّه، وكانت من الأولياء، ومن الصالحات الطاهرات، فلمّا تمّ عمرُه أربع سنوات حفّظته القرآن، وصارت تُربيه بالدلال والكمال، حتى نشأ محباً للعبادة، ملازماً للأذكار.
فأخذ رحمه الله في تلقي العلوم الظاهرية، واستمر في طلبها حتى أشير إليه، وتكلّم وجلس للوعظ وتحضير الدروس، فاشتهر أمره، و قصدته العلماء، و نزلت بساحته، واقتبست من علومه و معارفه. ثم حبب إليه التصوّف، فانتظم في طريق القوم على يد المسلك مولانا عبد الله المكي، فأخذ عنه الطريقة، و لازم خدمته زمانا. ثم اتجه مولانا زروق رضي الله تعالى عنه وأرضاه إلى مصر، و التقى مولانا سيدي أبا العباس الحضرمي رضي الله عنه وأخذ عنه الطريق وفتح له على يده الفتح الكبير. وصار يدرس في الجامع الأزهر فأقبلت عليه العلماء ووفدوا عليه وحضروا دروسه حتى روي أنه كان يحضر دروسه نحو ستة آلاف نفس من مصر والقاهرة وأحوازها وتولى إمامة المالكية وصار أستاذ رواقهم ونصبوا له كرسيا عالي الأركان صار يجلس عليه و يملي الدروس ويفيد.
وكانت له صولة و دولة عند الأمراء المصريين، وله عندهم القبول التام عند الخاص منهم والعام.
ثم توجه إلى طرابلس الغرب فأحيا بها معالم الطريق، وأوضح بيان التحقيق وأشهر بها الطريقة الشاذلية ونشر أعلامها السنية، فانقاد إليه المريدون وهابته ملوك العالمين. واجتمع بسيّد المرسلين، ونُسبت إليه الطريقة لمّا ظهرت عليه أنوارُ أهل الحقيقة،
كان رضي الله عنه صاحبَ حالٍ، وبهاء وجمال ودلال، أطلعه الله على المغيّبات، لم يختلف فيه اثنان، ولا تقوّل فيه قولان، فهو صاحبُ التصريف الأكبر، وغوثُ الأنام الأزهر.
وله كرامات خارقة، وأحوال صادقة، فمن كراماته رضي الله عنه: أن قبيلةً من قبائل عرب طرابلس كانوا قطّاع طريق، لا تمرُّ بهم قافلةٌ إلا نهبوها، فمرّ عليهم مولانا رضي الله عنه، فنهبوه هو وتلامذته، حتى تركوهم مستوري العورة، فنظرَ بعضُ المريدين إلى مولانا، فوجده لم يتغيّر، فقال لبعض العربان الذين نهبوا مولانا: انظروا إلى ذلك الأستاذ عنده ذهبٌ في سرواله، فجاء البدوي إلى مولانا وقال: انزعِ السروال. فقال: سبحان الله. العورةُ يحرمُ علينا كشفها. فقال له مرةً ثانية: انزعه، وإلا قتلتك، ومولانا يعظُه بقوله: العورةُ حرام علينا كشفها. فتقدّم البدويّ إلى مولانا، فقال مولانا للأرض: ابلعيهم يا أرض. فأخذتهم الأرض جميعا، فصاروا يتضرّعون إلى مولانا، ويقولون: تبنا إلى الله. فقال مولانا للأرض: أطلقيهم يا أرض فأطلقتهم، فخرجوا منها، وتابوا جميعاً، وصاروا مع مولانا، لم يتخلّف منهم أحدٌ. وصاروا خدّام الزاوية الزروقية وإلى الآن بقي من نسلهم من يخدمون هذه الزاوية ويقال لهم خدّام الزاوية الزروقية.
ومن كلامه رضي الله عنه في تائيته:
فإني هجرتُ الخلق طرا بأسرِهـا ... لعلي أَرى محبوبَ قلبي بمُقلــــتي
وملكت أرض الغرب طرّاً بأسرِها ... وكل بلاد الشرقِ في طيّ قبضتي
أنا لُمريدي جامعُ لشتاتـــــِه ... إذا ما سطا جورُ الزمان بسطوتي
فإن كنتَ في كَربٍ وضيقِ وشدّةِ ... فنادِ أيا زرّوق آتِ بسرعــــة
فكم كربةٍ تُجلى إذ ذُكر اسمُنــا ... وكم كربةِ تُجلى بأفرادِ صحبتي.
توفي رضي الله عنه ونفع به عام ثمان مائة وتسعة وتسعين. ودفن بسملاطة من طرابلس الغرب، وله مسجدٌ كبير تُقام فيه الشعائر، ومقامٌ وضريح يُزار. وما توسّل به مُتوَسِّلٌ إلى الله إلا ونال ما يرتجيه.