إذ اشتكت المشرفة على مكتبة « غاريبلدي» بالعاصمة من إزعاج المقهى المجاور، فكان الرد عنيفا حيث تم الاعتداء عليها لفظيا وماديا !
في بلد الـ 20 ألف مقهى، تعد الفضاءات الثقافية والفكرية على عدد الأصابع ...واليوم ها هي إحدى المقاهي تضيّق الحصار على مكتبة « غاريبلدي» وتفسد عليها هدوئها وسكونها وصفاء ذهن روادها من طلبة العلم والمعرفة....
حملة مساندة تحت عنوان «كلنا غاريبلدي»
منذ عام 1957 ، مثلت مكتبة «غاريبلدي» الكائنة بـ 33 نهج غاريبلدي بتونس العاصمة ملاذا للطلبة والباحثين والجامعيين والأكاديميين ...وشيئا فشيئا أصبحت المقهى المنتصبة، في السنوات الأخيرة، بالطابق الأرضي للمبنى الذي يضم المكتبة مصدر إزعاج لرواد المكتبة بعد أن أفسدت عليهم الضوضاء خلوتهم مع الكتب وشوّش أفكارهم صخب حرفاء المقهى ...
وبعد الإصرار على استعمال مضخمات الصوت، وعلى أثر احتدام النقاش المتواصل والمتكرر مع حرفاء وعمال المقهى طلبا لقليل من الهدوء وبضعا من السكينة ، تم الاعتداء المادي والمعنوي على المشرفة على المكتبة «بسمة الطبيب» على خلفية مناوشة مع عمال المقهى.
وإن أفادت المتضررة أنها قامت برفع قضية في الغرض، فإن عددا من الطلبة والجامعيين والمثقفين قد أطلقوا حملة مساندة لهذه المكتبة العريقة تحت عنوان» كلنّا غاريبلدي». كما تم تنظيم وقفة احتجاجية أمام مبنى المكتبة لمطالبة السلطات المعنية بإنصاف الكتاب والانتصار للمعرفة ...
الحق في الهدوء و الهواء النقي
في تعليق لها على حادثة الاعتداء التي هددت استقرار وأمن مكتبة «غاريبلدي»، علقت المشرفة على المكتبة «بسمة الطبيب» كما يلي: «يتعرض «مركز الأبحاث المنسوب إلى قرطاجنة» أو «مكتبة غاريبلدي» وهي التسمية التي اشتهر بها هذا المركز العريق الذي استقبل أجيالا من الطلبة والباحثين إلى هجمة غير مسبوقة من قبل صاحب المقهى الموجود في الطابق الأرضي عبر استعمال مستفز لمضخم الصوت مدّعيا أن من حقه استعماله داخل المحل غير مكترث بالأذى الذي ألحقه بالطلبة...».
وطالبت المشرفة على مكتبة «غاريبلدي» الرأي العام بمساعدتها على تجاوز الإشكال المذكور بسبب تعنت صاحب المقهى وعدم احترامه لحرمة المكتبة وراحة الروّاد ، مؤكدة أنها «لا تحتاج سوى إلى تنفس الهواء النقي والتمتع بالهدوء ، حتى تكمل المكتبة دورها المعرفي الذي بدأته منذ عشرات السنوات ...».
رخصة المقهى غير قانونية !
كثيرا ما تتخذ المقاهي المحيط المجاور ملكا خاصا لها، فتحتل الرصيف وترابض بالطريق في اعتداء صارخ على حق المواطن والفضاء العام ...ولم يشذ المقهى صاحب القصة المذكورة مع مكتبة «غاريبلدي» عن هذه الحالة فوضع «حمّالة الفحم « المتوهج في مدخل العمارة السكنية التي يرتادها روّاد المكتبة وسكان البناية في استهانة بشروط الصحة والسلامة !
وفي الوقت الذي وقع فيه الاعتداء على أمينة مكتبة «غاريبلدي» التي طالبت بحقها في الهدوء والهواء النقي، يبدو أن وجود المقهى في حد ذاته بالمبنى الذي يضم فضاء المكتبة غير قانوني استنادا إلى كراس الشروط الخاص باستغلال المقاهي من الصنف الأوّل خصوصا في الفصل 9 الذي نص على ما يلي : «يجب أن تتواجد المحلات في مركبات أو مقاسم مخصصة للتجارة وفقا لمثال التهيئة العمرانية، بالنسبة إلى المناطق المشمولة بمثل تهيئة عمرانية، أو في أحياء تجارية، بالنسبة إلى المناطق الأخرى. وتكون المحلات في هذه الحالة إما في بناء مستقل أو في الطوابق الأرضية للعمارات غير السكنية، مع إفرادها بمدخل خاص بها».
وإذا علمنا أنّ العمارة التي تضم مكتبة «غاريبلدي» هي أساسا عمارة سكنية تحتوي على شقق سكنية وحضانة مدرسية ... فإلى متى الصمت عن تهديد مقهى مطعونة الرخصة القانونية لمكتبة عريقة هي الأقدم في التاريخ وفي الوجود؟