اغاني الجهة الاغاني المنسية اغاني الفرح والترح اغاني الحب والغرام، جميعها جمعها وليد الخضراوي في عرض سماه النجمة وهي احدى ليالي الأعراس.
النجمة درس في تاريخ الاغنية المنسية والخطوة التونسية، عملية نبش في الذاكرة ومحاولة لتقديم جزء من تراث الاجداد بطريقة معاصرة، قدمه اكثر من ستين عنصرا من ممثلين وفنانين وشعراء وعازفين جميعهم اتحدوا لتقديم ملحمة النجمة، «النجمة» عرس قدمه شباب عاشق للفن ومؤمن بقدرة أبناء الجهات على الابداع فليست العاصمة وحدها محضنة الابداع بل كل شبر من تونس الصغيرة محضنة ابداع وتميز ليكون النجمة، “شمعة تنير ذاكرة المنسيين” شمعة تجولت في القصرين والكاف فالكرم ولها موعد في سفيطلة الاسبوع القادم.
أرقصوا... حرروا اجسادكم واكتبوا اسطرا في تاريخ الرقص التونسي
أكثر من ستين عنصرا على الركح بين ممثلين وفنانين وراقصين، لوحات عديدة قدمها شباب مولع بلغة الجسد، لكل رقصة حكايتها وسرها و لكل ر قصة رسالة ، حكاية النجمة قصة حب جمعت بين فتاة ثرية و عامل بسيط، وحسب الاعراف وجب تزويج الفتاة لابن عمها ومن هناك انطلقت حكاية النجمة وجسد الممثلون والراقصون الحكاية بالرقص وتركوا للجسد السطوة ليعبر عن ثورته الداخلية، فالأجساد حينا لينة كنسمة حب بين حبيبين وتارة عنيفة وحركتها قوية كشوق عاشق يريد محاربة الكل للفوز بقلب محبوبته.
من حكاية حب انطلق عرض النجمة ليتجول بالجمهور في تراث القصرين والتراث الغنائي المشترك مع الكاف، اغاني تراثية ورقصات مميزة قدمها راقصون جد مميزين، لكل رقصة زيها الخاص ولكل حركة سرها، انتفضت الاجساد على الركح تحررت من ربقة النظرة الدونية للجسد، اخرج كل جسد ما يسكنه ليشد انتباه المتفرج، ازياء مختلفة جميعها ذات طابع تقليدي تونسي.
لوحات الحب و الفراق، لوحة نقاش الحبيبين و لوحة صراع العاشقين من سيفوز بقلب المعشوقة و لوحة الأرض وأخيرا لوحة العرس، جميعها لوحات قدمت بأزياء مختلفة وحركات متباينة انطلقت من حكاية حب.
اللباس المميز والحركات التي اداها الراقصون وهم ايمان مدايني وصالح ظاهري وشدلية حقي و فتحية دربالي وهناء وسلاتي وأماني مبروك وحنان حيزي ورجاء حسن وليندا حقي وزينب كشو وزياد عيساوي ونصر الدين عبيدي وجمعي لعماري و عز الدين بوعافية وعمر عجلاني ووجدي علوي ومحمد حملاوي و سالم الرزقي و صادق البرباري كانت بمثابة درس في الخطوة التونسية، خطوات ورقصات «العلاجي» و «الجلوالي» و«البغدادي» و«الفزاني» و«الربوخ» رقصات تحكي تاريخ شعب و تكشف موروثه، على الركح لم يكونوا مجرد اجساد تؤدي حركات بل ارواح منعتقة متحررة تشد انتباهك وتدفعك للرقص فالرقصة التونسية تعبر عن ذاكرة جماعية ولكل جهة خصوصياتها وطريقتها المختلفة في اداء الرقصات و كل رقصة جزء من تاريخ هذه البلاد ولو اضمحلت الخطوات ستمحى معها الذاكرة والموروث، رقصات ابدع عز الدين عبيدي وصالح ظاهري و هناء في وسلاتي في ادائها. رقصات هي ذاكرة الجسد التي تمثل أرشيفا يحدثنا عن مبدعين كانوا بيننا ولكنهم رحلوا دون وثائق أو صور وإنما أجسادهم كانت وسيلة للتعريف بهم كما اللغبابي وزينة وعزيزة وزهرة لمبوبة، وباستنطاق الجسد يمكن معرفة تاريخ فترة ما فالرقص مرجع وذاكرة وهم كانوا ذاكرة حية بلباس تونسي الهوى وحركات تونسية وعرض انطلق من القصرين.
وعن الرقص قال وليد الخضراوي أري أنه من الظروري نشر هذه الثقافة «ثقافة الرقص» في الجهات، فثقافة الرقص هي ثقافة الشعوب المتقدمة، ومن يجهل الرقص فهو جاهل، الرقص كلغة مشفرة مهمة جيدا خاصة في تونس ما بعد الثورة؟،فارقصوا وعبروا باجسادكم.
النجمة عرض يحطم مركزية الثقافة
يمكن لأبناء المناطق الداخلية ان يبدعوا، باستطاعة ابناء الجهات انجاز عروض ضخمـــة ومكلفــة لهــا سينوغرافيا جميلة ولوحات راقصة وموسيقى تنطلق من التراث وبإمكان كل عاشق للفن ان يبدع خارج اسوار العاصمة هكذا علق احد المتفرجين بعد مشاهدة عرض النجمة.
نجمة وليد الخضراوي جد مختلف عن منسيات لسعد بن عبد الله، البداية بضربات العصي على الركح، صوت ايقاعي كانه قلب عاشق يخفق بشدة خوفا من خسارة حبيبة قد تزوج غصبا لابن عمها، فصوت نسائي يغني للحب وللحبيب، اغنية من التراث القصريني تتغنى بالحبيبة وجمالها:
«هذا النهار المبارك.. هذا النهار المبارك ها السامعين سيدي و أولادو جو ساريين.. هذا النهار المبارك ها من حضر سيدي علي وأولادو جو عالظهر حبة الرمان فوق السرير اليوم يا خالة الملعب يسير مسك وعطار فوق السطح اليوم يا خالة والملعب ركح مسك وعطارة تحت الردى اليوم
يا خالة الملعب هنا بدى».
ثم رقصة نسائية تكون هناء وسلاتي احدى مقدميها رقصة مجنونة جنون العاشق الذي تحدى رب العمل للظفر بقلب محبوبته، اغاتني تراثية بدوية بعضها معروف وجزء اخر نبش في ذاكرة كبار السن للظفر ببعض الاغاني المنسية، ستون عنصرا جميعهم تشاركوا في ملحمة النجمة، لكل عنصر من المجموعة دوره في تاثيث فقرة من فقرات النجمة، تشاركوا في الرقص والغناء والتمثيل، احبوا العمل وجعلوا المتقبل يحب ان يرقص على النغمات التونسية ، حضر المزود و الزكرة والناي والآلات الايقاعية خاصة الطبل..
«النجمة» عرض منبثق انبثاقا تاما من الموروث الثقافي الجهوي، وخلافا لما هو سائد و متداول و متشابه به في الوقت الحالي رأيت من الصالح و الواجب أن أضيف لمسة فنية جديدة و معاصرة للأغنية والرقصة الشعبية و الاستفادة من خبرة فرقة الفنون الشعبية لما لها من تجربة كبيرة فى هذا المجال على مدى خمسين سنة، عرض يغوص في المخزون الجهوي الغني و الفريد من نوعه على المستوى الوطني ومحاولة لتقديم جزء من تراث القصرين غير المعروف وكسر نمطية مركزية الثقافة فبامكاننا نحن ابناء الجهات ان نبدع، هكذا قدم مخرج العرض وليد الخضراوي نجمته واصدقائه.
نجمة وليد الخضراوي جزء من ذاكرة منسية حاول صحبة مجموعة من الفنانين والشعراء ارجاع الضياء للنجمة وتقديم جزء من تراث ولاية القصرين وأغاني المنسيين، خليط بل فسيفساء من الموسيقى البدوية والنغمات المحلية والطرق والفزاني والرقصات التونسية التي نؤديها في الاعراس دون معرفة اسمها او تاريخها، فسيفساء تونسية الروح كشفت قدرة الشباب على تقديم اعمال تنطلق من المحلي لتجوب أنحاء الوطن وتقدم عرضا يحاكي جمال المنسيات و يتفوق عليها في بعض اللوحات الراقصة.
«النجمة» درس في التاريخ المحلي لجهة القصرين، درس في الخطوات المنسية والأغاني الخاصة بالجهة، بطريقة طريقة قدم العرض ومدته ساعة ونيف لمحاولة مصالحة التونسي مع تراثه فالتراث ليس مجرد غناء شعبي كما يدعي البعض بل جزء من هوية هذا الشعب وذاكرة شفوية قد تنسى ان مات حامليها.