كان من المفروض ككل عواصم الثقافة العربية أن تمتد فعاليات تظاهرة صفاقس عاصمة للثقافة العربية طيلة عام كامل إلا أن الانطلاق المتأخر للتظاهرة قلّص من عمرها إلى حوالي 9 أشهر فقط حيث كان تاريخ حفل الافتتاح يوم 23 جويلية 2016 ليسدل ستار النهاية على هذا الحدث المهم مساء 17 مارس 2017.
حفل الاختتام ومحاولة تصحيح فشل حفل الافتتاح
لم تكن انطلاقة تظاهرة صفاقس عاصمة الثقافة العربية 2016 بالموّفقة حيث سادها التعثر والتأزم منذ البداية إلى حدّ استقالة الهيئة المديرة برئاسة سمير السلامي قبل أقل من ثلاثة أشهر من انطلاق التظاهرة ليتّم بعدها تعيين هدى الكشو منسقة عامة لتظاهرة صفاقس عاصمة الثقافة العربية.
ويبدو أن الهيئة التنفيذية الجديدة قد حبست أنفاسها من أجل الوصول إلى محطة الختام بسلام أو بأقل الأضرار خصوصا أن المهمة لم تكن بالسهلة أمام اختلافات بين أعضاء الهيئة في الداخل وانتقادات الرأي العام في الخارج.
وبعد فشل افتتاح تظاهرة صفاقس عاصمة الثقافة العربية حاولت الهيئة المديرة تلافي الخطأ السابق في تنظيم حفل الاختتام الذي كان بإمضاء الفنان التونسي صابر الرباعي والفنانة المصرية أنغام في حين أوكلت مهمة تنشيط الحفل إلى كل من الممثلة التونسية عائشة بن أحمد والمصري « خالد أبو النجا».
على ركح مفتوح بساحة باب الديوان وسط مدينة صفاقس أين أضفى سور مدينة صفاقس التاريخي بعدا جماليا كبيرا على المشهد العام سلمت صفاقس مشعل عاصمة الثقافة العربية إلى الأقصر بحضور وزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين ووزير الثقافة المصري حلمي النمنم ومديرة إدارة الثقافة وحماية التراث بـ «الألكسو» حياة قطاطة القرمازي.
وما بين صعود أنغام على الركح واعتلاء صابر الرباعي لمنصة حفل الاختتام عرضت الهيئة التنفيذية للتظاهرة عددا من الأشرطة المصورة التي تلخص باقة الأحداث الفنية والمناسبات الثقافية التي عاشت على وقعها عاصمة الثقافة العربية 2016. فما هي أهم الانجازات الثقافية والإخفاقات الفنية لهذا الحدث الكبير؟
أين روح الثقافة في أرجاء عاصمة الثقافة؟
آمال عريضة وأحلام كبيرة علقت على صفاقس عاصمة الثقافة العربية لانتشال مدينة صفاقس من «البؤس» الثقافي وهي التي تفتقر لأدنى مقوّمات البنية الأساسية للثقافة ، وهي المدينة الفقيرة والمفقّرة من المسارح وقاعات سينما والمتاحف وأروقة الفنون ... كما انتظر مثقفو تونس وفنانوها في صفاقس والعاصمة وكل ربوع هذا الوطن أن تقترن هذه التظاهرة بحركية ثقافية كبرى ترفع لواء الفن عاليا وتغزو الشوارع والفضاءات وكل مكان ...إلا أن أصوات الخيبة تعالت من كل حدب وصوب متسائلة في إنكار: «متى بدأت التظاهرة لتنتهي؟ لم يشعر أبناء تونس بهذه الاحتفالية، فما بالكم بالعالم؟»
في المقابل تدافع الهيئة التنفيذية للتظاهرة عن نفسها بأنها اجتهدت وفق المتاح وحسب الإمكانات خصوصا بعد المناخ المتعثر الذي ساد التظاهرة في بداية انطلاقها ...وفي هذا الصدد تؤكد المنسقة العامة لصفاقس عاصمة الثقافة العربية هدى الكشو أن الصعوبات المالية التي واجهتها التظاهرة دفعتها إلى إلغاء العديد من المشاريع والملتقيات التي كانت على جدول أعمالها ...مشيرة إلى أن هذه التظاهرة حققت الكثير خلال أشهر قليلة، من ذلك توقيع اتفاقية التوأمة بين القدس العاصمة الدائمة للثقافة العربية وصفاقس عاصمة الثقافة العربية لسنة 2016.
وقد شهدت تظاهرة صفاقس عاصمة الثقافة العربية على مدار أقل من عام تنظيم
ثلة من المهرجانات الفنية والتظاهرات الثقافية على غرار فصول الشعر الأربعة ومهرجان الفنون الشعبية وأيام صفاقس السينمائية ومهرجان المسرح العربي وفعاليات بيت الحكاية والمهرجان العربي للكاريكاتير ومهرجان مالوف المغارب ومهرجان صفاقس للشعر العربي ...إضافة إلى إقامة عدد من المعارض منها معرض صنع السلام والمعرض الدولي للخزف... إلى جانب عقد ندوات فكرية
وأسابيع ثقافية بمشاركة دول عربية وأجنبية.
ويحســب لتظاهــرة صفاقس عاصمة الثقافة العربية 2016 استضافتها لعدد من القامات الفكرية والهامات الفنية على غرار أدونيس وأحمد عبد المعطي حجازي وعادل إمام والأسعد فضة وبول شاوول...
البنية التحتية والنقطة السوداء في ملف التظاهرة
لملمت صفاقس عاصمة الثقافة العربية 2016 حقائبها وغادرت «عاصمة الزياتين» بعد أن أهدت التاج إلى الأقصر عاصمة الثقافة 2017. وإن كان الرهـان المـلازم لتظاهـرة «صفاقـس عاصمـة الثقافـة العربيـة2016» ثقافيـا بامتيـاز، فـإنّ القائمين على هذه التظاهرة تعهدوا بتطويـر البنية التحتيـة الثقافية فـي ولاية صفاقــس ضمن تنفيذ مشـاريع مختلفـة ذات صبغـة مسـتمرة فـي الزمـان و المـكان. وتتمثل هذه المشاريع الثقافية على مستوى البنية التحتية في بعث مكتبـة رقميـة لتكون الأضخــم فــي تونــس مــن حيــث المســاحة ومــن حيــث حجــم بنــك المعلومــات ...وأيضا في اسـتصلاح كرنيـش صفاقـس أو « شـط القراقنـة» ليكون ميناء ترفيهيا يصالح أهل المدينة مع البحر ويحيي القطاعات المرتبطة بالبحر كابـراز السـوق المركزيـة للأسـماك وأحياء الملاحـات المهجـورة وابـراز القيمـة الغذائيـة للمطبـخ «الصفاقسـي» الغنـي بالمـوارد البحريّـة... إلى جانب تهيئة المدينة العتيقة وتحويـلها تدريجيا إلى قطـب ثقافـي يشـّع علـى الجهـة وعلـى تونـس وعلـى المنطقـة العربيـة والمتوسّـطية. وكذلك تهيئة «المدرسة الحســينية» وتحويلها إلى دار للفنــون والحــرف موجهــة إلى الأطفــال.
ومن المشاريع الأخرى التي أعلنت هيئة تظاهرة صفاقس عاصمة للثقافة العربية تأسيس متحف بحري عائم يكون فضـاء جامـعا لمميّـزات التـراث البحـري بشـكل علمـي مدقّق في مدينة تتميز بعلاقة تاريخيـة وجغرافيـة وطيـدة بالبحـر،وبثـراء مخزونهـا البحـري وتنوّعـه...
وأمام كمّ هذه المشاريع التي انتظر أهالي المدينة تحقيقها باعتبارها الأثر الباقي والدائم لتظاهرة صفاقس عاصمة الثقافة العربية يبدو أن الهيئة التنفيذية اهتدت إلى تحقيق القليل وفشلت في تنفيذ الكثير... ولعله من باب الإنصاف التذكير بأنه تم انتشال بعض المنازل العتيقة من الاندثار والإهمال وتحويلها إلى فضاءات ثقافية وإبداعية على غرار « دار كمون « التي تحولت إلى قصر للصورة، و «دارخماخم» التي أصبحت دارا للجمعيات الثقافية و» دار العفاس « إلى تحولت إلى « ديوان صفاقس الشعري»...
كما سعت التظاهرة كذلك إلى دعم ملف ترشح مدينة صفاقس التاريخية لإدراجها على قائمة التراث العالمي لليونسكو بعد أن سجلت على اللائحة التمهيدية، وذلك من خلال رصد مبلغ مالي يقدر بسبعين ألف دينار لاستكمال الأعمال والدراسات اللازمة...
ولعل المسؤولية ملقاة على عاتق المجتمع المدني بصفاقس من أجل مواصلة النضال في سبيل تحقيق مشاريع البنية التحتية المعلقة وتطوير المشهد الثقافي الذي لم تستطع تظاهرة عاصمة الثقافة الدفع به إلى الأمام حتى لا يتبقى من هذا الحدث المهم سوى صور للذكرى عن مناسبات ثقافية منتهية وضيوف مرّوا من هناك ...من تلك المدينة التي شبعت إهمالا ونسيانا حتى وإن لبست تاج عاصمة الثقافة العربية!