تلك هي أبرز الإشكالات التي فكّك تفاصيلها الكتاب الموسوعي «المصحف وقراءاته»، الذي ألّفه فريق من الباحثين التونسيين، بإشراف الأستاذ عبد المجيد الشرفي، ونشرته مؤسّسة (مؤمنون بلا حدود). وتلك هي الأعمال والمؤلفات المثيرة للجدل نظرا لخصوصية المبحث، وجرأة الطرح، وهذا ما جسّده اللقاء الفكري الذي نظّمه مجمع بيت الحكمة يوم الخميس الماضي حول الكتاب.
قدّم في البدء الدكتور عبد المجيد الشرفي دوافع تأليف هذا الكتاب بأجزائه الأربعة مختزلا إياها في اعتبارات معرفية خالصة يستوجبها البحث العلمي الحديث، فالغرض الأساسي «يتعلّق بالإسهام في تمكين الباحثين من مادة يستوجبها البحث... أردنا أن نوفّر للمسلم مادة تغنيه عن اللجوء إلى دراسات المستشرقين» هكذا تكلم الأستاذ المشرف فقال، مذكّرا بنقاشات تسعينات القرن الماضي حول الدراسات القرآنية وبحوث المستشرقين وخاصة الألمان.
وفي السياق نفسه قدّم الأستاذ نادر الحمامي، بوصفه واحدا من فريق البحث مداخلة حول محتوى مؤلّفهم، مشدّدا على ضرورة التمييز بين مفهومي القرآن والمصحف لأنّ بعض القراءات لا تميز بين العبارتين، فالمصحف يعني «ما جمع» وفريق البحث «لم يشتغل على القرآن بل على المصحف» حسب عبارته، فكل التفاسير القرآنية المطبوعة بحاجة إلى إعادة النظر حسب رأيه لأن كل تفسير مرتهن بقراءة، خاصة و أن روايات المصادر متعدّدة كالطبري وغيره، لذا يكون البحث العلمي محكوما بمسارات التقصي لا بالغايات المسبقة.
ومن أجل الحياد العلمي أشار المحاضر إلى أنّهم خصصوا لكل سورة مقدّمة عامة تتضمّن مختلف الأسماء، وعدد الآيات، والترتيب حسب النزول اعتمادا على المصادر القديمة والحديثة، ويتضمّن الكتاب مادة ثرية حول أسباب النزول، والنسخ، والتكرار، وتقسيم المصاحف، لذلك يعتبر مصدرا موحّدا يترجم أهمية المؤلفات الجماعية المختصة.
وركّزت الأستاذة نائلة السليني في مداخلتها على اهتمام كتابهم بإشكالية التكرار، مبيّنة اعتمادهم لغة الرياضيات لرصد حجم التكرار في السور القرآنية، المتمثّل في ثلاثة أصناف، التكرار التام للآية، والجزئي، أو تكرار المعنى. ومن الطبيعي أن تكون فوائد الاهتمام بالتكرار عديدة لأنها تيسر التمييز «بين المكرّر وغير المكرّر»، ويثير ذلك عديد الأسئلة حول محتوى بعض الدراسات القرآنية، فالنص «كائن حي ينمو نمو قارئه» حسب عبارة الأستاذة المحاضرة، لذلك يفلت التفسير القرآني وفقا لمضامين الكتاب من الأطروحة الأحادية طالما أن كل مقاربة مرتبطة بحقل دلالي، يحكمه نسقه الناظم، وسياقه المعرفي، لنستخلص أهمية التجديد المعرفي لإرثنا كي نقطع مع القناعات الكسولة، والأحكام الجاهزة لأن كل أشكال الاستبداد ذات علاقة بالاستبداد الفكري، وعليه يمكن تنزيل كتاب المصحف وقراءاته بمقدّمته وأجزائه الأربعة ضمن المؤلّفات المتمرّدة على الوعي الماقبلي.