المنعقد في الدوحة على مدى ثلاثة أيام (من 11 إلى 14 مارس 2016). والجائزة العربيّة للعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة جائزة تنافسية أطلقها المركز العربي منذ عام 2011 من أجل تشجيع الباحثين العرب - داخل الوطن العربي وخارجه - على البحث العلمي الخلاّق في قضايا وإشكاليّاتٍ تتناول صيرورة تطوّر المجتمعات العربيّة في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية. ودأب المركز على فتح باب التنافس أمام الباحثين العرب ضمن موضوعين كل سنة هما أيضًا موضوعا المؤتمر السنوي للعلوم الاجتماعية والإنسانيةٍ. وكان الموضوع الأول للدورة الخامسة يتعلّق ب»سؤال الحرية في الفكر العربي المعاصر»، وقد تنافس أربعة وعشرون بحثاً على جوائز هذا الموضوع، وقررت اللجنة حجب الجائزة الأولى. ومنحت الجائزة الثانية لباحثين تونسيين، وهما المنجي السرباجي عن بحث بعنوان «ماذا يعني أن نفكر عربياً في الحرية؟»، وسهيل الحبيّب عن بحث بعنوان «دولة الحريات الحديثة في البلاد العربية: أزمة الفكر الأيديولوجي العربي في استيعاب النموذج الممكن تاريخياً».
في هذا الإطار كان لنا الحوار التالي مع الباحث سهيل الحبيّب:
• ماذا يمكن أن يعرف عنك قراء «المغرب»؟
سهيل الحبيّب حاصل على دكتوراه في اللغة والآداب العربية ـ اختصاص حضارة (فكر عربي حديث ومعاصر): من كلية الآداب بمنوبة (2003). باحث بخطة أستاذ محاضر بمركز الدراسات الإسلامية بالقيروان. لي مجموعة من الكتب المنشورة، ومجموعة من الأبحاث والمقالات في مجلات عربية ومواقع إلكترونية مختلفة وكتب جماعية وأعمال ندوات. آخر منشوراتي المفاهيم الإيديولوجية في مجرى حراك الثورات العربية: مقدمات في استئناف المشروع النقدي للإيديولوجيا العربية المعاصرة (2014)، وفي المسألة الإيديولوجية العربية المعاصرة: لماذا فشلت النخب العربية في بناء الوفاقات الضرورية للتحوّل الديمقراطي؟ (قيد الطبع). وكلاهما صادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
• واضح أن كتابتك الأخيرة اهتمت بقضايا الثورات العربية والانتقال الديمقراطي، لو تعطينا فكرة موجزة حولها؟
اتبعت هذه الكتابات خطّا منهجيا إجرائيا قوامه سلوك مسار في التحليل يراوح بين المجريات الوقائعية للثورات العربية عامة والثورة التونسية ومخاضها الانتقالي خاصة من جهة، والطروحات الإيديولوجية العربية المعاصرة من جهة أخرى. وهذا الخطّ المنهجي يستند بدوره إلى خلفية نقدية تنظر إلى البنى الإيديولوجية باعتبارها عناصر فاعلة وذات امتداد عملي، مباشر أحيانا وغير مباشر أحيانا أخرى، في واقع المجتمعات العربية المعاصرة وبناهـــا المــــادية الملموسة: السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
• وما هي أهم الخلاصات التي انتهيت إليها؟
جميع التحليلات التي أنجزتها حاولت من خلالها أن أبيّن أوجه المفارقة بين الأبنية الإيديولوجية السائدة في فكر النخب السياسية والاجتماعية والثقافية العربية (الإسلامية والماركسية والقومية والليبرالية) وبين الشعارات المعلنة للثورات العربية، وخاصة شعار «التحوّل الديمقراطي». وهذه المفارقة بين المنطق الإيديولوجي والشعار السياسي تمثّل، في تقديري، عنصرا رئيسيا من عناصر تفسير ما آلت إليه المسارات الانتقالية في بلدان الثورات العربية من نتائج عكسية، إذ بدل الديمقراطية حلّت الفوضى (ليبيا واليمن) أو نشأ استبداد جديد (مصر)، وبدل التنمية ازداد الفقر، وتفكّكت المجتمعات القطرية وانساقت إلى حروب أهلية بدل أن يتوحّد المجتمع العربي.
• لكن ماذا عن المسار التونسي الذي يبدو استثناء؟
معلوم أن المرحلة الانتقالية التونسية لم تكن استثناء، في المراحل الانتقالية لبلدان الثورات العربية، من حيث طبيعة المظاهر الصراعية السياسية والمجتمعية التي عرفتها. فالاستثناء كان في وجود عناصر مخصوصة توفّرت مع منعطف انطلاق الحوار الوطني ومكّنت من إنقاذ المسار التونسي من المصير الانقلابي الاستبدادي ومن المصير الفوضوي. وأولى هذه العناصر أن مختلف المتخيّلات الثورية الإيديولوجية قد تعطّلت وظيفيا وأصبحت، عموما، في قطيعة مع السياسات العملية التي انخرط فيها الفاعلون السياسيون الرئيسيون مع منعطف الحوار الوطني. فمتخيّلات الثورة الطبقية قد تعطّلت عمليا في المسار التونسي بعد انتخابات أكتوبر 2011 وانخرط اليسار الراديكالي في معركة الدفاع عن مدنية الدولة. ومن جهة أخرى إن الموقف السياسي الرسمي الذي فعّلته حركة النهضة مع منعطف الحوار الوطني قد أحال، بالفعل، المتخيّلات الإيديولوجية الثورية الإسلامية إلى وضع العطالة السياسية، فبعد منطق الصراع بين الثورة (الإسلامية) والثورة المضادة (العلمانية)، حلّ منطق الوحدة الوطنية والوفاق بين جميع مكوّنات المجتمع التونسي ..... إلخ.
• وماذا عن البحث الذي فزت به بالجائزة العربية للعلوم الإنسانية هذه السنة؟
يأتي في نفس هذا السياق المنهجي المتعلّق بنقد الفكر الإيديولوجي العربي المعاصر الذي استبدّ به متخيّل مؤداه أن إقرار الحرّيات الحديثة المتواضع عليها كونيا في البلدان العربية يعني الحدّ من سلطة الدولة لفائدة سلطة المجتمع، ضمن رؤية تقوم على التخارج والتنافي بين الدولة والمجتمع. وقد قدّرت أن مجريات المراحل الانتقالية في بلدان الثورات العربية، أو شطرا أساسيا منها على الأقل، كانت مرآة عكست الوجه العملي لمتخيّل الحرّيات باعتبارها وضع «اللادولة» أو وضع الدولة محدودة السلطات. فقد تجلّى ذلك في مظاهر عديدة باتت بمثابة الخبز اليومي في هذه البلدان، من قبيل: تخريب المنشآت العامة والاستحواذ على مصادر الثروات الجماعية واقتحام المؤسسات الرسمية، وتعطيل الإنتاج .... هذا فضلا ممارسات الجماعات والجمعيات الدعوية ذات النزوعات السلفية التي استهدفت، بشكل عملي ومباشر، الحريات الشخصية والمدنية لمن اختلف عنهم من الأفراد والجماعات (العلمانيــــون والشيوعيـــون والسافرات من النسوة والفنانون والصحفيون والمبدعون....)، بل استهدفت حياة كثير من الأشخاص (قتل المعارضين لحكم الترويكا
والجنود ورجال الأمن في تونس وقتل الأقباط والشيعة والمتظاهرين ضد حكم الإخوان في مصر) .وهكذا فإن أزمة الحرّيات في السياق العربي تتجلّي في عدم الوعي الإيديولوجي بأنها حقوق للمواطن في الدولة/الجماعة الوطنية، ومترتّبة عن انتمائه إليها، وعنوان للمشاركة في بناء خياراتها.