أدباء في القلب والذاكرة: شاعر الحواس المطّوقة محمد المهدي بن نصيب (1954 /2003)

هو شاعرنا وناقد وكاتب قصة وما نشره مجمعا في كتب ثلاثة يعد جزءا مما كتبه في قائم حياته حيث ترك تراثا مخطوطا تضمن مجموعة قصصية بعنوان (ضحكة الليل) وعديد الدراسات النقدية والقصائد الشعرية البعض منشور على صفحات دوريات عدة ولئن تناول

بعض النقاد شعره بالنقد كعمر حفيظ وعبد الجبار العش وعبد المجيد بني عمر فان الشاعر محمد المهدي بن نصيب لا يعرفه إلا قلّة قليلة من المثقفين والمتابعين للحركة الأدبية في بلادنا فقد وصفه عبد الجبار العش بالشاعر الصعلوك وكتب عنه في ذكرى رحيله ما يلي :
« ... لقد كنت نزقا كطفل مهجور وشبقا كتيس.. كنت وجهنا الأخر وسرنا العلني ..كنت سيّد الانتهاكات وشاعر الحواس المطوقة اخذ منك قدرك طلعة الطفل وألقت بك الحياة على الهامش..»
مع المهدي بن نصيب التقيت مرار.. كان ذلك في توزر وقد كانت تجمعنا الإخلاء (التي احتضنت تجاربنا الشعرية أيام الشباب) في مهرجان الشعر بتوزر ولكن قبل عقدين من رحيله إلى الأبد لم نلتق.. وأيام لقائنا كنت أجريت معه حوار نشوته في الصفحة الأدبية التي كنت أتولى الإشراف عليها في جريدة البيان الأسبوعية ..ومن بين ما جاء على لسانه في هذا الحوار « أنا في حزني وألمي أغنّي لأنّ الشعر عندي غناء..فما قيمة الغناء لولا الشعر وقديما كتب الاصبهاني كتابه الشهير «الأغاني» فكان مرجعا أساسيا لمعرفة الحياة الشعرية القديمة ..والغناء عندي بعد ذلك زفرات البائس المحروم وآهات الفقير» ويبدو انه فعلا قضى حياته القصيرة (49 سنة) فقيرا بائسا محروما وان لم تتوفر معطيات كثيرة عن تفاصيل حياته ومختلف مراحلها لكن الدكتور جلول عزونة يأتي على كثير من هذه التفاصيل الصادمة في حياة هذا الشاعر في تقديمه لمجموعة المهدي بن نصيب التي صدرت بعد وفاته عن دار سحر بعنوان (الحان ..أشجان) ذلك أنّ هذا الشاعر جاء إلى هذه الدنيا يوم 22 ماي سنة 1954 في العوينة بدوز بلدة الشاعر عمر العويني والأديب محمد المرزوقي وغيبّه الموت يوم 15 فيفري سنة 2003 في مسقط رأسه اثر سكتة قلبية مفاجئة.

وفي هذه الرحلة الزمنية كتب الفقيد الشعر والدراسة الأدبية ونشر إنتاجه في الصحف والمجلات على غرار جرائد الصباح والشروق والأخبار وبلادي والشعب والوحدة ومجلاّت الفكر والحياة الثقافية والمسار وقد صدرت أولى مجموعاته الشعرية عن الإخلاء سنة 1984 وهي بعنوان (كلمات للحب والوطن) فيما اصدر له بيت الشعر سنة 2002 مجموعته الثانية (قصائد ضامئة) وصدرت مجموعته الثالثة عن دار سحر سنة 2007 بعنوان (الحان ..أشجان) والحال انه كان قد هيأها للنشر منذ سنة 2000.

المجموعة الأولى أهداها كالأتي إلى : الفقراء في وطني العربي وفي كل مكان .. إلى أمي الصادقة الصابرة اهدي هذه الأحاسيس .

والمجموعة الثالثة أهداها « إلى روح الشاعر محمد رضا الجلالي صديقا كان رغم المسافات ..» وهو أيضا شاعر عاش مهمشا في مجتمعه.

تعلّم المهدي بن نصيب في الكتّاب أولا ثم التحق بالمدرسة الابتدائية بدوز سنة 1961 فأحرز على شهادة السيزيام في جوان 1967 ليلتحق بعد ذلك بالمعهد الثانوي بقابس حيث درس سبع سنوات وقد اجتاز امتحان الباكالوريا شعبة الآداب في جوان 1975 لكنه اخفق في الحصول عليها فانقطع لكنه عاد سنة 1987 للدراسة في معهد خاص بمدينة قبلي إلا انه لم يحصل على شهادة الباكالوريا ولكن رغم ذلك فهو شاعر متميز وقصّاص وناقد أدبي له عديد الدراسات المنشورة والمخطوطة لكنه كما يقول عنه نورالدين بالطيب في مقال نشرته جريدة الشروق يوم 1 جويلية 2011 هو شاعر عاش في العتمة ومات في النسيان.

وفي الحوار الذي أجريته معه سنة 1985 (انظر جريدة البيان: 03 جوان 1985 – ص 12) يقول «أنا لا اهتم بممارسة إبداع الشعر فحسب بل اهتم كذلك بدراسته وتقييمه فلي مجموعة دراسات نقدية نشرت اغلبها على أعمدة الصحف والمجلات التونسية وخصصت جزءا لا يستهان به منها إلى الشعر نقدا وتحليلا .

ولكن رغم هذا التميز فقد كان محمد المهدي بن نصيب كما ذكر جلول عزونة في مقدمة « الحان .. أشجان» منبوذا مدحورا في مدينته دوز وفي منطقة نفزاوة ..كان منبوذا أولا لأنه اسود اللون فهو من أبناء العبيد القدامى مثله مثل عنترة العبسي .وكان منبوذا ثانيا لأنه ابن خماس حين كان الخماس لا يتمتع بأي حق..وكان منبوذا ثالثا لأنه فقير مدقع يكتري دكانا بسبعين دينارا شهريا يدفعها من المائة دينار التي خصصتها له ولامه العجوز وزارة الثقافة في بلدنا وكان منبوذا رابعا لأنه يحب العدالة والاشتراكية وينحاز للفقراء أمثاله وكان منبوذا خامسا لأنه يحب بنت العنب في وسط يتظاهر بالتديّن والعفاف ..فالمهدي بن نصيب نموذج خاص ووحيد في حياته ومظهره وفي كتاباته الشعرية والنقدية..».

بعد رحيله إلى الأبد نظمت المندوبية الجهوية للثقافة قبلي سنة 2004 ملتقى أدبيا سنويا يحمل اسمه تكريما لجهوده الثقافية ولكن سرعان ما توقفت عن تنظيمه ليدخل الملتقى وصاحبه طيّ النسيان..

وبعد الثورة نشرت مجلة الحياة الثقافية دراسة لعمر حفيظ في العدد 254 – أكتوبر 2014 عنوانه «قصيدة الالتزام وخصائصها لدى المهدي بن نصيب» وفي 13 فيفري 2016 نظم فرع اتحاد الكتاب بقبلي تظاهرة ثقافية إحياء لذكراه عنوانها «الشعراء لا يموتون» (انظر جريدة الضمير: 14 /2 /2016).

رحل الشاعر المهدي بن نصيب بعد أن عاش حياة الغبن والحرمان والإهمال..رحل هذا الشاعر الصعلوك دون أن ينجز كل ما كان يطمح إلى انجازه.

اليوم وبعد أكثر من عقد على رحيله يبدو أنّ الوقت قد حان لجمع ونشر دراساته النقدية ومجموعته القصصية وشعره ومثل هذا العمل كان من المفروض أن تقوم به مؤسسة بيت الشعر لكن للأسف هذه المؤسسة تغط في سبات عميق ووزارة الإشراف لا تلتفت إليها ولا تريد أن تجعل رياح التغيير تهبّ عليها من أجل مستقبل أفضل خدمة للشعر التونسي وأهله.

• إصداراته:
(3 مجموعات شعرية )
- كلمات للحب والوطن /الإخلاء 1984
- قصائد ضامئة /بيت الشعر 2002
- الحان ..أشجان /دار سحر 2007

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115