و يقترب مما ننجز هكذا نعيش، بهذه الكلمات تحدث عشاق الفن الرابع اثناء موسم حجهم إلى تظاهرة «24 ساعة مسرح بالكاف».
ليــس المهـم أن يمـوت الإنســان، قبــل أن يحقــق فكــرته النبيلــة... بــل المهــم أن يجــد لنفســه فكـــرة نبيلــة قبــل أن يمــوت، ومحبو الفن وجدوا لأنفسهم الف مسار للتحليق بالفنون عاليا و الحلم على وقع الموسيقى والمسرح والسينما .
الكرنفال...انثروا بذور البهجة اينما حللتم
24 ساعة مسرح في الكاف، عرس احتفالي، 26 و27 مارس من كل عام يحج عشاق الفن الرابع الى جبال الكاف العالية، مسرح الجيب والبازيليك و المركب الثقافي الصحبي المصراتي جميعها تستعد لاحتضان عرس المدينة، عشاق الخشبة يودعون النعاس ويتركون النوم جانبا وتفتح الاعين والعزائم لمتابعة اكثر من 40 عرضا، وتقسيم جدول أوقات جدّ مكتظ، صبيحة السبت 26 مارس كانت انطلاقة التظاهرة رسميا مع الكرنفال، انطلاقا من المركب الرياضي وصولا الى مركز الفنون الركحية والدرامية، الشارع الرئيسي يصبح فضاء للعرض.
مجموعة من الفرق تقاسمت الشارع اشرف على تنظيمها الفنان انس العبيدي ومجموعة من الشباب المتطوع لحماية التظاهرة، انطلاقا بماجورات قصر هلال الى عيساوية الكاف فمجموعات من توزر الى فرقة الفنون الشعبية من الصعيد المصري ففرقة استعراضية شبابية إلى «الكلون» جميعها فرق اختلفت مهامها وموسيقاها واشتركت في تحقيق مسار فني جمالي ايقظ الجميع من المقاهي واخرج النسوة من المنازل لمصاحبة الكرنفال والاستمتاع بفسيفساء فنية نثرت البهجة في شوارع الكاف.
المهرجون...مبدعون صغار
ألـــوان جميـــلة، احمر فازرق فبرتقالي، انوف حمراء، أصوات متفرقة، ألوان زاهية في الملبس و حركات غريبة ، لقاء مع جمهور من الاطفال، لكل اداته وطريقته الخاصة، احدهم حمل لافتة كتب عليها «مدينة الأحلام و ثان حقيبة كتب عليها “نحب نعيش” وثالث «الارهاب ما يخوفنيش تونسي ونحب نعيش” ثلاثتهم مضحكين تعاملوا مع اطفال المهرجان وكهوله بحرفية، المهرجين ابناء المركز الدولي للفنون المعاصرة بالقصرين لازالوا طلبة يدرسون المسرح ولكنهم كانوا مميزين في ادائهم لدور المهرج، صالح ظاهري و بلال علوي واسامة الزلفاني، ثلاثتهم اقتبسوا دور المهرج كل باسلوبه الخاص اضحكوا الصغار واقنعوا الكبار «المهرج يعكس صورة كاريكاتورية عن المجتمع وهو لا يلغي المأساة ولا يغير بشاعة الواقع، بل يحاول إجراء عملية تجميل له».
في ساحة الفنون الركحية والدرامية بالكاف كانت السطوة للمهرجين الثلاثة أو «الكلون»، تحركوا في كامل الفضاء، عمل تطلب مجهودا ذهنيا لإضحاك الصغير والكبير وتوجيهه برسائل تربوية وانسانية، صالح الظاهري وبلال علوي واسامة الزلفاني كانوا نجوم الشارع والافتتاح..
فالمهرج يجمع في الفقرة التي يقدمها بين الضحك والموعظة، وعلماء النفس المحدثون يعتبرونه الشخصية الأكثر سيطرة على مشاعر المتفرجين خصوصاً منهم الصغار، وهم يتعاطفون معه بطريقة غير مباشرة، حيث يتعايش الأطفال مع عالمه الملون الصاخب بالموسيقى العالية التي يتحرك على إيقاعها. ويعتبر علماء النفس أن شخصية المهرج متعددة الرؤية، فبعض المدارس في الطب النفسي تعتبر المهرج هو ذلك الرجل فائق المرونة سريع الحركة وسط ثياب ملونة وأصباغ تزيد وجهه غرابة يعتبرونه مفلتراً للمشاعر الحزينة داخل الإنسان بطريقة غير مباشرة وتلقائية، وهو يطهر النفس من كل ما علق بها من مشاعر سلبية حطت برحالها عليها خلال مسيرتها في الحياة، هكذا كان المهرجون الثلاثة اضحكوا الصغار و قدموا لهم شحنة معنوية من الفرح و الامل في الكاف وأمتعوا الكبار برسائل مشفرة عن صمود ابناء هذا الوطن ضد الموت و الارهاب فتونس عصية على الخنوع بفضل ابنائها.
المثقف اول من يقاوم وآخر من ينكسر
“ارض الفراشات” لسامي النصري و “راحلة” لمسرح البهجة بالجزائر و”المستلبس” للمركز الوطني للفنون الدرامية والركحية بالكاف و”اللاز” للمسرح الجهوي بسوق اهراس و”رمال متحركة “ لمركز الفنون الدرامية والركحية بمدنين و”ثلاثة في واحد” لفرقة مسرح نعم الفلسطينية و”ماروك ناو” لمؤسسة أرض الشاون للثقافات بالمغرب و”تحت السطح” من تونس و”موناليزا” للمسرح الجهوي بباتنة الجزائرية و”برجولية” من تونس، اضافة الى تجليات “المشاتل وعرض الرقص المسرحي َAvalanche للمركز المتوسطي للكوريغرافيا بتونس، تراب الغاب لمحمد صالح عرةوس وأنا سندريلا، وأسماء عديدة وعروض اكثر تعددا اختلفت المواضيع والرسائل من رسائل في الوطنية و ضرورة التضحية لاجل الوطن ايا كان اسمه، رسائل حب الفن و عشق الخشبة، رسائل مقاومة الموت رسالة انسانية و نقد للذات والاخر، مواضيع متباينة تباين الفرق الموجودة، اكثر من 40 عرضا التقى معها الجمهور الذي حج للكاف، جمهور نسي النوم وعانق الفنون وتماهى مع العروض المقدمة، في ارض الفراشات استمتع المتفرج بالنصوص الموجهة الى الوزير وتساءلوا عن القضية الفلسطينية، واستمتعوا مع عرض الرمال المتحركة وانبهروا بقدرة الرمال على نحت اجمل الصور وضحكوا في عرض “المستلبس” لمنير حضري الذي اقنع جمهوره وشد انتباهمه لقدرته على تجسيد شخصيات متباينة، وللإشارة فقد تعرض الممثل اثناء العرض الى اصابة على مستوى القدم ورغمها اكمل العرض ولم يحرم المتفرج من “المستلبس” .
شباب وأطفال موزعين في فضاءات مختلفة، جمهور من ولايات متباينة جمعهم حب الفن والتضحية لأجل المتعة شباب جلسوا في سويعات متأخرة من الليل وهم يرددون ماقاله درويش:
على هذه الأرض ما يستحق الحياة: تردد إبريل، رائحة الخبزِ
في الفجر، آراء امرأة في الرجال، كتابات أسخيليوس ، أول
الحب، عشب على حجرٍ، أمهاتٌ تقفن على خيط ناي، وخوف
الغزاة من الذكرياتْ.
شباب عشق المسرح فانخرط في مسار الدفاع عنه و احب الفنون فهام لاجل نشر قيم الفن و نثرها في سماء تونس، طبقوا نصيحة وأمر أناتولي فاسیلیف في رسالة اليوم العالمي للمسرح واكتسحوا كل الفضاءات في الكاف:
“اذهبوا إلى المسرح واتخذوا أماكنكم في الصفوف الأمامیة وفي الشرفات وارهفوا السمع لكل كلمة تنطق علي مسامعكم ولكل مشهد حي یتجسد أمامكم! هاهو المسرح أمامكم فلا تتركوه نهبا للنسیان ولا تتركوا فرصة تمضي دون أن تتشاركوا فیه... فلعلها تكون الفرصة الأثمن والأندر في خضم حیواتنا اللاهثة الخاویة من المعنى.
نحن في حاجة إلى المسرح بكل أنواعه
نوع واحد فقط من المسرح لا یحتاجه إنسان، ألا وهو مسرح السیاسة وألاعیبها، مسرح مصائد الفئران السیاسیة، مسرح محترفي السیاسة ومشاغلهم العقیمة غیر المجدیة. إن مسرح الإرهاب الیومي لیس مما نحتاجه بكل تأكید. جماعیا كان هذا الإرهاب أم فردیا. لسنا بحاجة إلى مسرح الدماء والجثث الملقاة في الشوارع والمیادین، وفي العواصم والأقالیم. فیاله من مسرح مزیف قوامه الصراع بین الأدیان والعرقیات.
هايلان صابر السبتي صرخة ضد الوجيعة
صوت جوليا بطرس يصد ح للحرية «أنا بتنفس حرية» وفنانون اخرون يسألون «وين الملايين» وأمل عرفة تقول «صباح الخير يا وطنا»، أغاني وطنية انطلق منها عمل «ايلان» للمسرحي صابر السبتي ، العمل عبارة عن رسالة مضمونة الوصول الى طغاة العالم والى المتاجرين بالقضايا الانسانية اذ ركز العمل على الطفل السوري ايلان الذي لفظ البحر جثته منذ اشهر والذي تفاعل نشطاء المواقع الاجتماعية مع صورته التي اهتز لها العالم بأسره، وهي الصورة التي تبرز مدى بشاعة الانسان ومدى استعداده لهضم حق كل من يقف في طريقه وكل من لا يقف بما في ذلك الطفل ايلان الذي توفي في سن الثالثة من عمره دون ذنب يذكر سوى انه سوري حاولت والدته الهروب به وبشقيقته من الموت فمات ثلاثتهم غرقا في سواحل تركيا.
هذه الصورة اثرت تأثيرا بالغا في المسرحي صابر السبتي الذي كان ينتظر ان يلفظ البحر قارورة تحمل رسالة، الا انه لفظ هذه المرة جثة طفل بريء تحمل الف رسالة والف معنى، وقد ترجم ذلك الى حياة ممكنة من خلال صراعه مع الصندوق الاسود الذي وظفه في عرضه والذي يوحي الى الاسرار والى كتمانها وايضا الى زورق يصارع من اجل الحياة وكذلك الى بوصلة لم تحدد بعد شمالها من جنوبها، كما تم خلال العرض توظيف شريط فيديو يجسد حادثة وفاة الطفل ايلان ومقاطع من اغنية «وين الملايين’» بصوت سوسن الحمامي واخرى من اغنية كردية حزينة وثالثة من اغنية «صباح الخير يا وطنا» بصوتي امل عرفة وفهد يكن.
وبالإضافة الى ذلك عول صابر السبتي على الاضاءة ثم عمد الى استعمال اللوحة المدرسية والطباشير في اشارة الى ان الطفل ايلان كان من الممكن ان يكون تلميذا نجيبا وعنصرا فاعلا في المجتمع.
هذا العمل هز في مشاهديه مشاعرهم وكان برمزيته وبوضوحه رسالة فنية رائعة من فنان صادق الى من يتاجرون بالانسانية.
انتهت الأربع وعشرون ساعة مسرح في الكاف، اسدل الستار عن دورة وانطلق الاستعداد لدورة أخرى دورة تميزت بكثافة العروض و التمديد في مساحة العروض وفي عددها، دورة وعدوها بالدعم فلم يجد القائمون بها الا صدى الكلمات، ثم افتتحتها الوزيرة مؤكدة انهم «سينشرون الثقافة” وعود اقتصرت على سين التسويف، انتهت ال 24 ساعة مسرح بهناتها وايجابياتها، وودّعت الكاف جمهورها على نغمات كافية وموسيقى تقليدية رحلت بهم الى ذاكرة الأجداد لقد اختتمت الدورة وكأننا بالمدينة تقول على لسان نازك الملائكة:
والدهرُ يسألُ مَنْ أنا
أنا مثله جبارةٌ
أطوي عُصورْ
وأعودُ أمنحُها النشورْ
أنا أخلقُ الماضيْ البعيدْ
من فتنةِ الأملِ الرغيدْ
وأعودُ أدفنُهُ
أنا لأصوغَ لي أمساً جديدْ
غَدُهُ جليد
عماد أولاد جبريل أستاذ مسرح
التظاهرة موعد جديد مع التحدي وموعد جديد للحياة
من ضيوف الـ 24 ساعة مسرح استاذ المسرح كما قدم نفسه وليس النائب بمجلس النواب، عماد أولاد جبريل عاد في الكاف الى حضن الفنون واشرف على الجانب التقني لمسرحية «سر المرآة للجوقة المسرحية بالسواسي».
وعن التظاهرة قال اولاد جبريل من عاصمة المسرح الكاف العالية تضرب تونس موعدا جديدا ومتجددا في مقاومة الإرهاب بالفن والإبداع من خلال تظاهرة «24 ساعة مسرح» بحضور دولي 100 %صورة أكثر من رائعة بالفن نحيا هنا وبالثقافة نستطيع الترويج لسياحة مغايرة ولكن رغم كل هذا نجد سلطة الإشراف غائبة فلا وجود لدعم مادي ولامعنوي ولا استراتيجيا إعلامية لترويج هذا الحدث والذي سبقه حدث آخر قبل أيام قليلة لا يقل أهمية «سيكا الجاز».
هل هناك أجمل من هذه التظاهرات للترويج للسياحة التونسية وخاصة في هذه الربوع؟
«لنا الفن حتى لا تميتنا الحقيقة»
إذا أردت أن تعرف حضارة أمة من الأمم أو حضارة شعب من الشعوب، فانظر إلى مسرحه».
المجموعة المصرية كيف يتم اختيارها؟
للعام الثالث على التوالي تكون الفرقة المصرية اكثر الفرق ازعاجا للمشرفين على التظاهرة والضيوف، فللعام الثالث على التوالي يكون اعضاء المجموعة المصرية غير ملتزمين بالوقت، يحدثون الضجيج اينما حلوا و لا يلتزمون باحترام قاعات العرض فهم يتحدثون باعلى صوت داخل القاعات وأثناء العروض ولا يعيرون اهتماما لمن هم على الخشبة، المجموعة المصرية عرضها متوسط او اقل رغم الشروط التقنية المجحفة التي طلبوها من ادراة المهرجان، الفرقة المصرية ضايقت الجميع في التظاهرة لحدّ خوف المتطوعين من مرافقتهم وللإشارة فإدارة تظاهرة 24ساعة مسرح كانت قد طلبت عرضا اخر وليس العرض الذي ارسل الى الكاف، فعلى أي أساس يتم اختيار عروض التعاون الدولي؟.