فقد كان المسرح شاهدا على أعمال مسرحية اتخذت من الآيات القرآنية تسميات لها على غرار «ويل للممثلين» لتوفيق الجبالي، «وإذا عصيتم» لرشدي بلقاسمي، «عبث وتوّلى» لحبيب المنصوري ... ولكن هذه المرة كان تكفي «هجمة» الإمام المعزول رضا الجوّادي على مسرحية «ألهاكم التكاثر» حتى تتداعى الانتقادات وتتمادى التهديدات المتربصة بحرية الفن والتعبير إلى حدّ أن يبعث «المجلس النّقابي الوطنيّ للأئمة وإطارات المساجد» بمحضر تنبيه إلى مؤسسة المسرح الوطني وأن يتّم حجب التسمية العربية للمسرحية «ألهاكم التكاثر» والاكتفاء بعنوانها الفرنسي.
وبعد حادثة « برسيبوليس « والهجوم على سينما «سيني أفريكا» والاعتداء على معرض «العبدلية» وتعنيف النوري بوزيد والتهجم على المسرحيين في اليوم العالمي للمسرح... يعود إلى الساحة الفنيّة من جديد الجدل بخصوص مسرحية «ألهاكم التكاثر» كما يعود السؤال المتوجس من عودة الرقابة وتكميم الأفواه وإخماد الأصوات تحت غلاف «المقدس» وادّعاء الدفاع عن الدين ...
في هذا السياق تنقل «المغرب» تفاعل أهل الفن والمسرح مع القضية خصوصا بعد تغيير عنوان المسرحية وأيضا توضيح مدير المسرح الوطني فاضل الجعايبي لتفاصيل حكاية تحوّل مسرحية «ألهاكم التكاثر» بسبب مجرد عنوان من حيّز العمل الفني إلى مجال التنديد والتهديد ...
المخرج المسرحي أنور الشعافي:
«ألهاكم التكاثر»... ألهاكم النقاش
علاماتيا..العنوان هو إسم علم للنص، له وظيفة انتظارية قد تتأكد أو تتغير بعد مشاهدة العرض..
«ألهاكم التكاثر» هو عنوان لعرض رقص مسرحي من إخراج نجيب بن خلف الله.. الاستعارة من الآية القرآنية واضحة وهي ليست المرة الأولى في تاريخ المسرح التونسي فمنذ سنوات قدم المسرحي توفيق الجبالي مسرحية «ويل للممثلين» ومرة أخرى الاستعارة القرآنية واضحة.. في أوروبا خلال القرون الوسطى نشطت محاكم التفتيش الكنسية لمحاربة البدع والهرطقة، وكانت الكنيسة تلزم السلطات العلمانية التي تستند شرعيتها من نموذج المجتمع المسيحي بالبحث عن الزنادقة..
يبدو أننا نعيد انتاج هذه المحاكم عن طريق «البابا» رضا الجوادي..
«ألهاكم التكاثر» في معناها الديني: شغلكم التباهي بالمال والتفاخر بالانتماء القبلي فنسيتم بسبب ذلك طاعة الله .. و حسب الورقة التقديمية للعرض هو تعرية لواقع المشتغلين بالسياسة من أفراد و أحزاب وانشغالهم. بالوصول الى السلطة ونسيانهم خدمة شعبهم في إشارة للواقع السياسي في تونس بعد ما سمي بالثورة..و بذلك فهي استعارة جميلة وموظفة.
أما العنوان الثاني للعرض «fausse couche » بمعنى»حمل كاذب» فهو أيضا عنوان استعاري يعني به المخرج أن تونس حملت بـ «ثورة» مع ما ننتظره من تغيير ايجابي في كل المجالات ، لكن هذا الحمل ظهر كاذبا في إشارة إلى الواقع السيء و السلبي لتونس اليوم..
قبل ما سمي بالثورة كانت هناك لجنة رقابة ادارية تمنح رخص العرض للمسرحيات..الكل يجمع ان ما غنمناه اليوم هو حرية التعبير..فهل عادت الرقابة بشكل آخر؟
أين مواقف الهياكل النقابية ووزارة الإشراف... أم أن التوافق الوطني الذي يسير الحياة السياسية اليوم يمنع الجميع من اتخاذ موقف واضح؟
المسرحي حمادي الوهايبي:
لا لإثارة الفتنة بين أفراد المجموعة الوطنية
من الواضح أن الإمام صاحب الاحتجاج في رصيده ما يكفي لعدم اعتماد مواقفه. وموقفه من المعلقة الاشهارية لعمل فني يدخل في باب إثارة الفتنة بين أفراد المجموعة الوطنية وهذا يعاقب عليه القانون وعلى النيابة العمومية تطبيق ذلك...أما تغيير العنوان نزولا عند رغبة نقابة الأئمّة فهذه سابقة خطيرة، كان لا بدّ من التصدي لها ورفضها ومنتجو العمل لهم تقدير التعاطي مع المسألة وتحمل مسؤولية ذلك ولنا تقييم ذلك... أنا عن نفسي أرفض تدخل نقابة الأئمة بهذا الشكل كما أرفض تغيير العنوان نزولا عند رغبتهم ولا تعنيني المبررات...أما عن البيان الأخير للمسرح الوطني فهو غير متناغم مع الإصلاحات التي تقوم بها الإدارة الحالية والنتائج المحمودة التي وصلت إليها وغير متطابق مع الرصيد الفكري والجمالي للمدير».
الفنان أحمد أمين بن سعد:
سابقة خطيرة على أبواب الانتخابات البلدية !
ببساطة نحن على أبواب انتخابات بلدية تعلم النهضة جيدا أن نتائجها غير مضمونة، فالمطلوب هو العودة بسرعة البرق نحو الآليات الكلاسيكية للحركة الإخوانية وذلك من خلال خلق جدل يوحي للمواطن البسيط أن الإسلام في خطر ويجب حمايته وأنه بانتخابه لهم سيحمي دينه... وذلك من خلال خلق جدل حول عنوان مسرحية مثلا وهذا بالضّبط ما حاول نجيب خلف الله عدم السقوط فيه وهذا يُحترم ولكنه سقط في الأخطر وهو خلق سابقة خطيرة وخطيرة جدا في التراجع والتنازل أمام الغربان الناعقة...وقد عبر نجيب في تصريحين إعلاميين أن خيار تغيير المعلقة هو خياره الشخصي باعتباره مخرج العمل و رغم ذلك سلت السيوف القريبة و النيران الصديقة بسرعة و شراسة في وجه فاضل الجعايبي مدير المسرح الوطني ،جهة إنتاج العمل، وكأن نجيب وهو فنان يعمل منذ سنين، كان يتلقى أوامر من الجعايبي أو دروسا، وفي هذا إحتقار لنجيب و محاولة لتشويه الجعايبي ...والمحاولة ليست بريئة...فالمطلوب بالنسبة لـ«الخوانجية» هو رأس الحرية وأصوات الناخبين...والمطلوب بالنسبة للسيوف القريبة و النيران الصديقة هو إبعاد الجعايبي وإخلاء كرسي المسرح الوطني أو على الأقل التشريع لذلك. بدا المشهد وكأن هذه المهنة لا هياكل لها وتعيش شتاتا مريبا فلا موقف لنقابة أو جمعية أو إتحاد...صحيح أن الثورة تتقدم كل يوم رغم أنف الجميع وتفتك في كل لحظة مساحات أخرى للحرية ولكن قوات الشد إلى الخلف مازالت هنا...نحن مطالبون باليقظة التامة وباستدعاء ما تبقى فينا من الحرية لوضع حد نهائي لمثل هذه الهرطقات والصولات والجولات...كل المساندة والدعم والإستعداد لخوض كل الأشكال النضالية من أجل الحفاظ على سقف حرية الإبداع وإفتكاك مساحات أكبر».
الباحث عادل اللطيفي:
ما المشكل في استعمال
آيات الله؟
كتب الباحث عادل اللطيفي على صفحته بالفايس بوك التدوينة التالية: «ألهاكم التكاثر»، ما المشكل في استعمال الكلمتين العربيتين عنوانا لعمل فني؟ الجواب آية من كلام الله؟ طيب... إذا كانت بعض الآيات قد وردت على ألسنة بشر من الصحابة قبل أن تنزل وحيا فكيف لا يمكن للبشر الاستعارة من القرآن؟ أتحدث من حيث المبدأ. كتاب الإتقان في علوم القرآن لجلال الدين السيوطي يزخر بالأمثلة:
- قال عمر: وافقت ربي في ثلاث: قلت: يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى ؟ فنزلت: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى] [ البقرة : 125 ] وقلت: يا رسول الله ، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن ؟ فنزلت آية الحجاب. واجتمع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساؤه في الغيرة، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن [التحريم: 5] فنزلت كذلك.
- وأخرج سنيد في تفسيره، عن سعيد بن جبير: أن سعد بن معاذ لما سمع ما قيل: في أمر عائشة قال : سبحانك هذا بهتان عظيم (النور : 16 ) فنزلت كذلك.
- حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد، فقطعت يده اليمنى ، فأخذ اللواء بيده اليسرى ، وهو يقول : وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم......( آل عمران - 144 ) ، حتى نزلت بعد ذلك .
ويضيف السيوطي في شرح موطأ مالك: قد نصَّ على جوازه (اقتباس القرآن) أئمة مذهبنا بأسرهم، واستعملوه في الخطب ، والرسائل ، والمقامات ، وسائر أنواع الإنشاء، ونقلوا استعماله عن أبي بكر الصدِّيق ، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابنه الحسن، وعبد الله بن مسعود، وغيرهم من الصحابة ، والتابعين، فمن بعدهم ، وأوردوا فيه عدة أحاديث صحيحة . من له مشكل في هذا فليحله مع المصادر الإسلامية».
«ألهاكم التكاثر» في قصيدة
اختار الشاعر سمير طعم الله أن يتفاعل مع الجدل الحاصل بخصوص مسرحية «ألهاكم التكاثر» بنظم أبيات القصيد التالي:
ألهاكم التكاثر
ألهاكم التكاثر
فعشش الخفاش في عقولكم
وعشش في حوافر خيولكم النّمل والغثاء الأحوى
ألهاكم التكاثر
فنامت في أحضانكم خرافة اليمامةْ
وحكمة الأفاعي والعمامةْ
وحينما أفقتم من سباتكم
سباتكم هذا الذي تجاوز القيامةْ
لكن دون كلب يحرس أبوابكم ودونما سلامةْ
غطاؤكم كما فراشكم قمامةْ
يا مفتي الدّيار
يا سماحة الأخلاق وسيد السماحة
لا تكترث بما يقال أفتِ كيف ما اتفقْ
سنعلن توبتنا عن مسرح يحاور البهامه
وصيتي اليك يا سليل الأنبياء وحارس الديانهْ
لا تكتب فوق قبري أية
سآخذ معي في قبريَ قصائدي وقصة
الأقزام السبعة وسورة الفلقْ
واذهب إلى جنّتك وحيدا
وأبقى في تابوتيَ فراشة تلوّن السماء
بالرقص والغناء
حتى لا يلهيك عن فتواك شاعر نزقْ
نجيب خلف الله مخرج المسرحية:
استغنيت عن العنوان العربي للمسرحية لأقطع الطريق أمام تجار الدين
لم أغير العنوان لأن تسمية المسرحية كانت منذ البداية «الهاكم التكاثر» بالعربية وتحتها fausse couche بالفرنسية، أي أن العنوان لم يتم تغييره، فقط تم الاستغناء عن الكلمة العربية بكل روح رياضية حتى لا نترك الفرصة للمتاجرين بالدين ليستغلوا الحدث ونحن على أبواب انتخابات أولا، وثانيا لحفظ ماء الوجه وحتى لا نقحم مؤسسة المسرح الوطني في مثل هذه المتاهات.
أنا لم أبحث عن «الاثارة» مطلقا ومن هاجموا العمل لم يشاهدوه ولا يعرفون ما تحتويه المسرحية التي تساءلت عما حدث بعد ست سنوات من الثورة...وهنا أتساءل لماذا هاجموا المسرحية ولم يتدخلوا لايقاف الخطاب التكفيري في المساجد والخطابات المحرضة على الفتنة؟.