وليست بغداد فقط التي سرقت وتسرق بل كل بلاد كانت مهدا للحضارات وأرضا لتعاقب الثقافات ... ولكن الأمر يختلف ما بين دول ترهقها الحروب وتتنازعها الخلافات فتنتهز ضعفها مافيا الآثار وما بين دول تتمتع باستقرار عام لا بأس به مما يمكنها من التصدي لعصابات سرقة آثارها وتراثها. وإن كانت تونس من الصنف الثاني من هذه الدول فإنها لم تقم بالواجب تجاه حضارتها ولم تحم تاريخها من النهب والاعتداء والاستنزاف !
وليست السرقة الأخيرة للحجرة الأثرية التي يعود تاريخها إلى 2000 سنة من الموقع الأثري بسبيطلة هي بالجريمة الأولى في حق الكنوز التاريخية والنفائس الأثرية فلا يزال نزيف نهب الآثار في عز النهار متواصلا، ولكن إلى متى؟ ومتى تنتهي هذه الكارثة والجريمة والفضيحة؟
إن فتح ملف التراث في تونس يحرج الحكومة والمسؤولين ليس فقط لأنه قضية شائكة ومتراكمة المطالب بل أيضا بسبب التقصير الكبير والخطير في حماية ثروة ثلاثة آلاف سنة من الحضارة والتاريخ وعدم إحكام التصرف وحسن استغلال الموروث الحضاري الثمين فمن جملة 30 ألف موقع أثري لم يتم استغلال سوى 53 معلما أثريا !
في تونس لا وجود لجرد رقمي أو حتى علمي للتراث المادي أو الأثري أو للمنقولات الأثرية في المخازن أو المتاحف... وليس بإمكان أي كان الجزم بالقيمة الحقيقية للثروة الحضارية في بلادنا ! وفي تونس، قانون قاصر لا يحمي الآثار فنصوص مجلة حماية التراث الأثري والتاريخي عامة وفضفاضة ودون المستوى المطلوب من الردع ! وفي تونس أيضا تداخل للصلاحيات وتشتت للمهام ما بين المعهد الوطني للتراث ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية مما يحول دون الاضطلاع بالمسؤوليات في المستوى المطلوب من المردودية والنجاعة...
هكذا هو حال تراثنا وآثارنا وكنوزنا التي كثيرا ما تكون ضحية للنهب والاختلاس وفريسة للتدمير والتخريب ...أمام إهمال المسؤولين عن هذه الأمانة التاريخية وأبسط الإيمان يقتضي عدم تركها دون حراسة !