ريكاب 2016: عام من الثقاقة.. الثقافة في الريف والثقافة البديلة افتكتا الرهان ثلاثة وزراء... تعنّت النقابات... لامركزية تنتظر التحقيق ...

عام مضى على المشهد الثقافي التونسي، عام شهد العديد من الاحداث والتظاهرات بعضها ربما سيرسخ في الذاكرة وبعضها اكتفى «بشهادة انجاز عرض او تظاهرة» عما عاش فيه المثقفون على وقع اسمين جد ثقيلين «مبدعون من اجل الحياة « المشروع الذي افتتحته وزيرة الثقافة

الاسبق لطيفة الاخضر واختتم بـ«مدن الفنون» مشروع وزير الثقافة الحالي محمد زين العابدين، عام شهد ايضا ثلاثة وزراء ثقافة وهم لطيفة الاخضر ثم سنية مبارك فمحمد زين العابدين... والعديد من الاحداث الثقافية ورحيل العديد من المبدعين الذين تركوا فراغا في المشهد الابداعي مع اضراب متواصل لنقابة الثقافة واقتصار دور الثقافة على التوقيت الاداري لتغلق ابوابها امام روادها أيام السبت والاحد.2016 شهد ايضا ولادة العديد من الفضاءات الثقافية لشباب حالم بالابداع وتسكنه رغبة حقيقية لنشر الثقافة وتحطيم فكر ة مركزية الثقافة وأخرى طوت صفحة العام الـ 2016 ولازالت تنتظر موافقة الوالي أو رئيس نيابة خصوصية لتنطلق في العمل.

الرقص:الجسد وعاء للتاريخ
احتفت تونس بتظاهرة تونس عاصمة الرقص في شهر مارس 2016، وطيلة العام هناك العديد من العروض الراقصة اما في المهرجانات الصيفية او التظاهرات طيلة العام ومن العروض الراسخة في ذاكرة المشاهد اولا عرض «ولد الجلابة» للكوريغراف رشدي بلقاسمي وهو عرض يكون فيه الجسد وعاء تاريخ وعرض ثان هو عرض «الهنك» لحافظ زليط، اهتم العرضان بالخطوة التونسية وكان التاريخ محور الانطلاق، لم يكتف المبدعان بالفلكلور بل قاما بدراسات وبحوث بخصوص الجسد الذي كان حاملا لرسائل تاريخية وابداعية.

بجسده عاد رشدي بلقاسمي في ولد الجلابة الى عشرينات القرن الماضي وبجسده نفض الغبار عن راقص منسي ساهم بدوره في الحركة الوطنية في ولد الجلابة ربط رشدي بلقاسمي بين الرقص والجسد وتاريخ تونس قبيل الحرب العالمية الثانية واثناءها.

رشدي بلقاسمي قدم ولد الجلابة في لبنان أيضا وقدم التاريخ من وجهة نظره وبلغته وجسده استفز المشاهد اللبناني برقصه وجسده شبه العاري حينها قال بلقاسمي «لا يهمني ما يقال، ولا تخيفني التهديدات، لاني أعشق ما أقدم، ارقص لأستفزك ارقص رقصة النساء لأنصفهن، وارقص لأكشف كل سلبيات المجتمع و ممنوعاته، جسدي صوت للحرية ولن يخمد هذا الصوت ما دمت أرقص، ومستعد للرقص عاريا تماما ان تطلّب العمل ذلك»..

وللرقص وظيفة تاريخية على حد قول رشدي بلقاسمي فهو يعتقد أن الجسد حامل لتاريخ وثقافة البلاد وان لم يكن كذلك فهو يعيش حالة من الانفصام «وشخصيا أتكلم كثيرا عن ذاكرة الجسد التي تمثل أرشيفا يحدثنا عن مبدعين كانوا بيننا ولكنهم رحلوا دون وثائق أو صور وإنما أجسادهم كانت وسيلة للتعريف بهم كما اللغبابي وزينة وعزيزة وزهرة لمبوبة ولد الجلابة، وأحاول استنطاق الجسد لأعرف تاريخ فترة ما».

«الهنك» هو الاخر حكاية جسد عاشق للغته جسد يصرخ باسم التراث وحكاياته جسد حامل لرسائل عديدة. رسائل تراثية وتاريخية وقائع كتبت بالجسد ولغته الصامتة كانت اداة تعبير، في الهنك عرض لحافظ زليط كانت الاسطورة محل الحديث وبالجسد شاهدنا على الركح مجموعة من الرموز لنجد أسطورة مستحدثة للآلهة تانيت كرمز للأمومة و الخصب و النماء و ازدهار الحياة لتصبح الاسطورة بذلك مصدر للتقوى والمحبة بين القرطاجنيين و كأننا في حضرة طقوس تعبدية لولادة حدث درامي كوريغرافي مختلف.
ليكون الهنك اختزالا فنيا راقيا لجملة من الرموز الدالة على الشخصية التونسية من حيث تجليات الجسد والمظهر وهو امتداد الماضي في الحاضر الذي يفتح على المستقبل دون قطيعة هو كذلك وقفة على فن اللغبابي وزينة وعزيزة والكافيشانطة وهم رجال و نساء عاشوا وأسسوا مهنة كانت ولا تزال تبعث في نفوس الناس البهجة.
وتنطلق المشهدية من الخطوات التونسية للرقص الشعبي كبداية تأسيس كتابة كوريغرافية متقدمة لمحاورة الآخر بلغة الجسد ودفعه للبحث في التالريخ..

مسرح الطفولة...محسن الأدب يصنع الاختلاف
عديدة هي الاعمال التي قدمت للأطفال لهذا العام، عديدة هي المسرحيات الموجهة للطفل التي قدمت في أكثر من فضاء لكل عمل خصوصيته ولكل عمل ما يميزه وربما اجملهم من حيث النص والسينوغرافيا وأداء الممثلين مسرحية «النجدة» للمخرج محسن الادب وإنتاج مركز الفنون الركحية والدرامية بقفصة، مسرحية النجدة عن الارض والبيئة، هي حديث للحيوانات عن التلوث الذي كاد يقتلهم وتوجههم الى النبي سليمان فهو وحده يفقه لغة الحيوانات، في النجدة تميز كل الممثلين دون استثناء تقمصوا الشخصيات حد التماهي، فلك ان تتخيل ان ياسمين التي جسدت دور الحجارة تظل ساكنة منحية لساعة كاملة حتى يعتقد المتفرج انها حجارة مصنوعة من الورق المقوى وبعد ساعة تتحرك وتتكلم حينها تحدث المفاجأة، في النجدة ايضا للسينوغرافيا جماليتها وموسيقى اسامة السعيدي كانت مختلفة اما ازياء واقنعة ايمان العظيمي فجد مميزين، النجدة لمحسن الادب عمل للطفولة بألوان زاهية وموضوع يشد انتباه الطفل مسرحية تثبت ان لهذه الارض مبدعيها.

حديث الجبال...عيد الرعاة..حديث البراد...للجبل والريف حديثه فانصتوا
استمتع برائحة الاكليل والزعتر والازهار البرية ورائحة التربة بعد المطر، حتما نعم ان زرت ارياف الوساعية ومشرق الشمس والأرياف المحاذية لجبل السمامة، فهناك اناس بسطاء يحبون الحياة ويريدون العيش وان قسى من افتكوا الجبل واستوطنوه..
للرعاة حديثهم ولهم موسيقاهم لهم اكليلهم و جبلهم هو مورد رزقهم ولهم طفولة عاشقة للفن تسكنهم ارادة الحياة، ارادة صلبة شاهدها الزوار في تظاهرة عيد الرعاة في افريل 2016 تظاهرة عنوانها شموخ سكان الجبل وصمودهم.
عيد الرعاة التي يشرف عليها عدنان الهلالي ابن الوساعية تظاهرة تحتفي بالجبل وتحاول ان تقدم الصورة الاخرى للجبل فجبل سمامة ليس فقط موطن للموت بل هو ارض للحياة ، للحب للنضال النسوي المتواصل ، تظاهرة كرّمت جامعات الاكليل اللواتي يضحين يوميا لجلب قوتهن، تظاهرة تحتفي بالمرأة بالطفولة وبإرادة الحياة.

من جبال سمامة الى هضاب غرداية من معتمدية بني خيار ولاية نابل وحديث البر اد، وهو موعد ثقافي شهري انطلق اول شهر ديسمبر 2016، موعد محوره الأساسي الفعل الثقافي في الريف وعلى الجبال حسب قول الناشط الثقافي عدنان الهلالي صاحب هذه المبادرة الفريدة..

و«حديث البراد» يستضيف كل شهر مفكرين وأدباء وديبلوماسيين للحديث عن مسائل تخص الريف والثقافة والإبداع على أن تختص كل جلسة بفكرة محددة وطرح مختلف. بالاضافة إلى الاستماع إلى مقترحات أهالي الريف والمناطق المجاورة (انطلاقا من رؤية محلية) والاطلاع على تجارب المقارنة من خلال تقديم نظرة خارجية لنماذج في السياق ذاته يرويها ديبلوماسيون وضيوف تونس لدى حلولهم بالقرية والمشاركة في مجلسها الثقافي.

مهرجاني الحمامات وقرطاج والخروج من المسرح الرئيسي وتميز للعروض التونسية
لمهرجاني الحمامات وقرطاج في الدورة الفارطة خيار جديد وهو الخروج من المسرح الرئيسي الى فضاءات اخرى، ما يحسب لمهرجان الحمامات الدولي في دورة 2016 العمل في الشوارع وعروض out dor و actnowكذلك قدم مهرجان قرطاج لجمهوره مجموعة من العروض في فضاء السان سيباريان عروض تونسية مميزة ومختلفة.

وراهنت المهرجانات الكبرى على العروض التونسية وقدمت للجمهور موسيقى جديدة تونسية الروح مختلفة وعصرية تمازجت فيها الالات الغربية لتثبت أن تونس ولادة ولمبدعيها القدرة على صنع الاختلاف وعلى سبيل الذكر «عطور» محمد علي كمون، و «برقو08» و»حلفاوين شعبي» اللذان تميزا فيهما مجنون الوتر نضال اليحياوي، و «سفر» عماد العليبي وموسيقاه الرقيقة التي تجوب بك العالم وانت في مقعدك، بالاضافة الى «فلاقة» نصر الدين الشبلي وبحثه في خصوصيات الطبلة وتقديمها بطريقة مغايرة ، دون نسيان ساكسوفانز فاخر حكيمة وتطويع الة غربية لتقدم مقطوعات موسيقية تونسية .

المسرح...بين التجريب والواقعي وتميز لعروق الرمل
شهد العام 2016 انتاج عدد من الاعمال المسرحية الموجهة للكبار، بعضها قدم في تظاهرة ايام قرطاج المسرحية وربما بقي في الذاكرة ثلاثة اعمال اول لوليد الدغسني وهو «ثورة دون كيشوط» عمل قدم فيه المخرج الوطن بطريقته المختلفة، في «دون كيشوط» حضر الحب والخوف ونقاش عن الوطن كيف كان وكيف امسى بإشارات ورموز اتحدت فيها السخرية مع النقد فكان العمل مختلفا اعجب الجمهور في تونس والدول العربي والدليل الكم الهائل من الجوائز التي تحصل عليها عمل «ثورة دون كيشوط» والمميز ايضا ان المخرج ولسنوات ظل يعمل مع نفس الفريق وهو ما ولّد تفاهما وحرفية بينهم.

العمل المسرحي الثاني هو «برزخ» انتاج جمعية مسرح المدى ومدير الانتاج هو منير هلال، برزخ حديث عن الشهداء، كيف يشعرون؟ ما احاديثهم؟ وكيف يرون الوطن بعد أن غادروه، تشي غيفارا وحشاد ربما لم يجتمعا في الواقع ولكن كتابات ابراهيم بن عمر جمعتهما ليتباحثا ويتناقشا عن الدم المهدور والأرواح المسروقة والاوطان المغتصبة، برزخ مسرحية بها الكثير من الكوميديا والوجيعة ابدع في تجسيدها ممثلون هواة من عشاق الفن الرابع بتطاوين.

للصحراء أهازيجها للصحراء حكايات لا يعرف كنهها غير أبنائها الصحراء جنة خضراء عند البعض وعند ابراهيم الكوني هي أم الارض وأم البدايات ومن روح الصحراء انطلق العمل الاستثنائي «عروق الرمل» لحافظ زليط.

«عروق الرمل»، بثلاث نقاط فوق حرف القاف، هو محاولة تماهى مع الصحراء ذاك الفضاء الممتد الشاسع،التّجوال في فصول عرض راقص معاصر تتراكم فيه طبقات التاريخ الثمودي وجماليات المكان وتنوّع ألوان الحياة على رمال الصحراء وفي شقوق صخورها ليؤكد العرض أنّ الصحراء تضمّ في أغوارها أسرارا لحضارات مضت وقد آن لنا ان نكشف عن أعماقها وخباياها وبأجسادهم حاولوا ان يقدموا جزءا من عالم منسي لم ينبش في معلمه بعد.

وقد تحصل «عروق الرمل» للمخرج حافظ زليط على جائزة المؤسسة المسرحية البلجيكية « زو هيمان « وجائزة النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين لأفضل مسرحية تونسية ، خلال الدورة الثامنة عشرة لايام قرطاج المسرحية.
عمل يغوص في الصحراء قدم باجساد ممثلين ومبدعين تماهوا مع النص والصحراء، عمل انجز في المركب الثقافي بتطاوين تماهى فيه المبدعون من مختلف الولايات مع حكايات الصحراء واقاصيصهاذ، عمل حاول ان يقدم فيه حافظ زليط رؤية مسرحية مختلفة عن الموجود ونجح في رهانه.

السينما...البديلة يقودها الشباب
القرب من المواطن و تقديم مادة سينمائية مغايرة هو هدف مجموعة من الشباب امن بالصورة وبقدرتها على التغيير، شباب يحمل الكاميرا يوثق للمهن التي تكاد تنقرض ويسجل مع كبار السن لانهم الذاكرة الحية، شباب يعيش الصورة دون تفكير في مقابل مادي أو في الشهرة، هكذا هم فرسان الصور ة اولئك الذين يريدون القرب من المواطن وتقديم ثقافة الشعب لا الدولة على حد تعبير المربي والسينمائي عبد العزيز بوشمال.
من بني خداش وتظاهرة 48 ساعة سينما انطلق الحلم ليرسو بعدها في ملتقى سينما الجنوب بتطاوين ويتركوا بصمتهم هناك ومن ثمة يشدون الرحال الى جبال الكاف و«يزردوا» في زردة السينما ويوثقون لمعاناة ابناء المحجوبة والجريصة و يتنقلون الى اغوار عمار بلغيث وحكايات بئره ويقدمون صورا عن مهن و معالم ربما لا يعرفها ابناء الكاف في افلام قصيرة تشد انتباه المتفرج وتدفعه للسؤال، «كتيبة» السينما هذه لا تزال رحلتها متواصلة وسيجتمعون في جانفي 2017 في توزر وهدفهم بعث ملتقيات في 24 ولاية، يحلمون ان تكون السينما من المواطن وتعبر عنه.

من هناك من بني خداش بدأت الحكاية، وما زالت فصول الرواية تحكي قصة شباب صامد، و قلب نابض، قصة أرض مخضبة وحجارة مناضلة وحكايات تروي الأشجار ”.و بعد مخاض طويل و عسير لا يعرفه الا من كابد من اجل ان يصبح الحلم فكرة... والفكرة مشروعا...و أن ينطلق المشروع بانتقاء ما هو أفضل وبعد أن انطلقت الفكرة باسم المفرد أصبحت تصرف باسم جمعي ... الكاميرا، الصورة ،المونتاج، الميكساج، المكان، الزمن، المخرج... تلك العناصر المتناثرة جمعت بينها الحاجة في الجمع للإنتاج ...للابداع وتحقيق الاحلام للدفاع عن الحق المسلوب.

تظاهرة فسحة الفنون بالمنستير
هي تظاهرة داخل السجون فيها العروض الموسيقية و المسرحية و عروض الفداوي وفي المباريات الثقافية بين المساجين و فيها ورشات في الرسم لاكتشاف المواهب من بين المساجين.

تظاهرة جسور التواصل
هي مجموعة عروض وأنشطة في القري والارياف التي لا توجد بها مؤسسات ثقافية: دور ثقافة او مكتبات عمومية، قرى و مدن صغري ليست لها مهرجانات صيفية في المنستير ايضا.

أسماء رحلت ...
• العام 2016 فقدت فيه الساحة الثقافية وجوه شعرية ومسرحية وفنية تركت فراغ عند متابعيهم وممن رحلوا هذا العام صاحب قولة «نساء بلادي نساء ونصف» و «الاهي اعني عليهم» الشاعر الصغير أولاد أحمد، الذي غادر محبيه في افريل 2016.
• فراشة المسرح التونسي صاحبة الضحكة المميزة والاداء المقنع سعيدة السراي هي الاخرى انسحبت في نوفمبر 2016 تاركة خلفها مجموعة من الاعمال المسرحية والتلفزية التني ستظل شاهدة انها «فارسة ام الفوارس».
• وفي اليوم ذاته 7نوفمبر 2016 ترجل المسرحي منصف السويسي مؤسس الفرقة الجهوية بالكاف وايام قرطاج المسرحية.
وثلاثتهم اختارهم مرض السرطان وعشقهم حد الفناء.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115