ضمن مشروع «آثار حنبعل من قرطاج الى أزمير»: من معركة زاما الى كسرى... التاريخ يخدم السياحة والثقافة

هل أتاك حديث الاولين وعلاقتهم بهذه الأرض اتساءلت يوما عن معركة زاما التي هُزم فيها القائد حنبعل لتسيطر روما على هذه الارض وتتوسع؟ ازرت يوما كسرى اميرة الجبال؟ هل شربت من مائها الزلال وتذوقت تينها الفريد؟ هل تعرفت على شخصيات ولاية سليانة وعلمائها؟

الك معرفة بابن ابي الضياف اصيل سليانة؟ كلها اسئلة تخامر الزائر الذي سيزور كسرى وزاما اسئلة في التاريخ والحضارة والثقافة جميعها يجيب عنها مشروع «أثار حنبعل من قرطاج إلى أزمير».
فمن اغرم بحنبعل ذاك القائد الفريد حتما سيبحث في اثاره والمواقع التي مر منها ومن رغب في اكتشاف اثار حنبعل سيزور زاما وكسرى ومكثر ويكتشف الثراء الطبيعي والثقافي والسياحي لجهة سليانة اثار تعمل على تقديمها سياحيا الجمعية التونسية للتراث والبيئة ومجموعة من جمعيات المجتمع المدني المهتمة بتاريخ تونس.

 

حين يوظف التاريخ لخدمة الثقافة والسياحة
«اثار حنبعل من قرطاج الى ازمير» هو عنوان المشروع الذي تعمل عليه الجمعية التونسية للتراث والبيئة في شراكة مع «المشروع الثقافي الاوروبي بخصوص « طريق الفينيقيين» وهو مشروع ثقافي سياحي يحفر في الذاكرة عن القائد الحربي الذي يعرفه التاريخ جيدا حنبعل الذي ترك اثره في تاريخ قرطاج .

المشروع الثقافي «اثار حنبعل من قرطاج الى ازمير» هو مشروع ثقافي سياحي ينجز على ثلاثة اعوام لخلق ديناميكية وسياحية واقتصادية وثقافية في المناطق والمواقع التي سكنها او مر بها القائد حنبعل.
والمشروع ايضا عملية جرد لمختلف المراحل الحياتية لرحلة حنبعل الحربية، انطلق المشروع من تونس في اكتوبر 2016 بـ«عرس زامة» ثم «اوتيكا» المدينة الفينيقية مارس وافريل 2017 فلمطة اكتوبر 2017 فحضر موت افريل 2018 ثم قرطاج اميرة المتوسط اكتوبر 2018.

«طريق الفينيقيين» مشروع بالشراكة مع المشروع الثقافي الاوروبي مشروع تمثله الجمعية التونسية للتراث والبيئة في تونس من اجل نبش الغبار عن الذاكرة والتاريخ ومعرفة اثار حنبعل ذاك القائد الذي ابهر روما والعالم بحنكته الحربية واتعب الامبراطورية الرومانية واستمات في دفاعه عن قرطاج وان خسر اخر المعارك وسقطت قرطاج ولكن التاريخ كتب ان هناك قوة داخلية تسكن الانسان قوة زادها الحلم ووقودها ارادة قوية للحياة والانتصار.

وفي اطار مشروع «اثار حنبعل من قرطاج الى ازمير» كان الموعد مع مجموعة من جمعيات المجتمع المدني للقاء والنقاش بخصوص السياحة الثقافية فكلاهما «وجهان لعملة واحدة هي تونس الابية التي لا تخنع ابدا» على حد تعبير احمد الطرابلسي رئيس جمعية التراث والبيئة.

في سليانة التي تضم الكثير من اثار حنبعل كان اللقاء، سليانة تضم 1800 موقع اثري ومن اشهرها تلك التي مر بها حنبعل و من بينها «زامة» اين خسر حنبعل معركته الاخيرة، و mustiاو الكريب اليوم فمكثريس وكسرى وبوعرادة وبرقو وهي مواقع تاتي في مرحلة ثانية.

فمشروع اثار حنبعل مشروع يبحث في ذاكرة وحضارة هذا الوطن، مشروع يخلق حركية سياحية وثقافية زادها التاريخ، فالتاريخ هنا ليس مجرد حجارة او كتابات ونقوشات بل مصدر للسياحة الداخلية وللتظاهرات الثقافية المختلفة وذاك ماتعمل عليه الجمعية التونسية للتراث والبيئة، مشروع تشرف عليه جمعيات المجتمع المدني لخلق سياحة حقيقية وبديلة سياحة يكون التاريخ ركيزة اساسية لها.

زاما...هنا خسر حنبعل حربه الاخيرة
من يقول حنبعل حتما سيستحضر معركة زاما ، الرحلة انطلقت من تونس العاصمة فبئر مشارقة ثم الفحص الى سيدي عويدات ثم برقو فسليانة، اين اجتمع عدد من الممثلين عن المجتمع المدني للتحاور والنقاش بخصوص الثقافة والسياحة بجهة سليانة.
تتواصل الرحلة داخل ولاية سليانة يسارا تكون الوجهة الى زاما التي تبعد 9 كيلومترات شمال سليانة وتحديدا على الطرف الشمالي لجبل مسوج.، «هنا خسر حنبعل حروبه الاخيرة» هكذا قال احد الباحثين المرافقين.

زاما او جاما منطقة طبيعتها جد مميزة، رغم برودة الطقس فهناك شمس خجولة ابت إلا بث شعاع من نورها ليعم بعض الدفء المكان.

في زاما التي يقول بعض المؤرخين انها عاصمة افريكا نوفا المقاطعة الرومانية، اسم زاما التصق اسم المدينة بمعارك غيرت تاريخ تونس مثل معركة يوبا الاول ضد يوليوس قيصر لتصبح بعد انهزامه مقاطعة رومانية ثم معمرة يتمتع سكانها بحقوق واجبات سكان روما أنفسهم وفي العهد الوسيط تواصل العيش بالمدينة وخاصة في العهدين الزيري والحفصي.

طريق جبلية، ملتوية، الاشجار تزين الطريق يمينا ويسارا، طريق كتلك الطريق المميزة التي تربط توزر بالرديف، في الطريق الى زاما اينما وليت وجهك استقبلتك الطبيعة باشجارها وازهارها مشرقة وكانها ترحب بزوارها منظر خلاب يجعلك تتساءل ان كانت سليانة تضم كل هذا الجمال الطبيعي فلماذا هي ليست وجهة سياحية؟.

هنا في زاما ربما يكون التاريخ مختلفا فسكان هذه المنطقة يقطنون مدينة اشتهرت اساسا بمعركة زاما التي دارت عام 202قبل الميلاد
في عام 202 قبل الميلاد دارت معركة زاما الشهيرة التي انهزم فيها القائد حنبعل امام عدوه سكيبيو الإفريقي لتنفرد روما آنذاك بالسيطرة على ضفاف البحر الأبيض المتوسط.

الرحلة تنتهي امام المدرسة الابتدائية «زاما» التي تعود الى العام 1927 اي قبل الاستقلال بسنوات فالمنطقة تاريخيا جد متقدمة كيف لا وقد شهدت قبل قرون اشرس المعارك.
قبالة المدرسة الابتدائية وهي مكان اجتماع صغار المنطقة انظر الى يمينك ستجد لافتة كبرى كتب عليها «ممنوع الدخول، ابحاث» فهنا المكان الذي شهد الفصل الاخير لملحمة حنبعل.

في زاما لاتزال الابحاث جارية ومتواصلة، فهنا في الموقع ممنوع التصوير وممنوع دخول الموقع لان الحفريات قائمة للبحث عن تاريخية المكان ولكن من بعيد تبدو للزائر ملامح المدينة القديمة فساحة الكابيتول الرومانية لاتزال ظاهرة للعيان وكذلك المعبد ومنازل بيزنطية.، هنا في زاما التي كان اسمها «زاما ريجيا» أو «زاما الملكية» هنا المدرسة تقابل الموقع وكان بالقدر شاء ان يتربى النشء على الحضارة والتاريخ وشموخ المكان وذكرى قائد صنع مجده ليأفل نجمه هنا.

في زاما المدينة التاريخية وغير بعيد عن الموقع عين الماء الوحيدة التي تزود المنطقة بالماء، هنا اينما وليت وجهك ستجد صغارا يركبون الاحمرة ليملؤوا الماء ثم يمرون جانب الموقع وقليل منهم من يعرف تاريخ ذالك المكان، هنا في مكان تاريخي تبدو للعيان ملامح الحاجة والفقر والتهميش .

في المدينة التي تاتي مباشرة بعد قرطاج من حيث الشهرة واقبال السياح الاجانب الباحثين عن اثار حنبعل لا وجود للماء الصالح للشر اب ولا لاي فضاء يجمع الاسكان غير المدرسة.

كسرى...أميرة الجبال ... تعانق القدم والمستقبل
هنا الشموخ، هنا اعلى القرى الجبلية الاهلة بالسكان، هنا التين والزيتون، هنا طريق جبلية مرهقة وممتعة، هنا طفولة تعاند صعوبة الجبل ونسوة يعشقن المهن اليدوية، هنا اينما نظرت وجدت الجبال عالية تناديك لتعاندها وتشعر انك تلامس السماء فالمدينة تقع على علو 1000كلم هنا فقط اغمض عينيك واستمتع بموسيقى خرير المياه موسيقى الطبيعة الجميلة، هنا كسرى اميرة الجبال او مدينة المياه، مدينة الشلالات التي تتوسط الاحياء السكنية، هنا حارة اليهود بعمارتها الجميلة هنا التاريخ وهنا الجمال الطبيعي.
هنا كسرى التي تعدّ من أقدم القرى في العالم فقد سكنها الإنسان منذ قديم الزّمان، وذلك لارتفاعها وتوفّر عناصر الحياة بها من ماء ومرعى وغاب وأراض خصبة، وبالتّالي تعاقبت عليها الحضارات التّي عرفتها البلاد التّونسيّة كالحضارة البونيّة والحضارة الرّومانيّة والحضارة البيزنطيّة ثمّ الفتح ّالإسلامي.

من سليانة فمكثر بعدها ب 17كلم شمالا وعلى مصب واد القرعات تكون كسرى الجديدة، مدينة تستقبلك بتنصيبة كبيرة لحبة «تين» وهي الثمرة المميزة للمنطقة، طريق جبلية ملتوية الى كسرى القديمة المدينة الرابضة فوق الجبل، طريق تشبه الطريق المؤدية الى القرية البربية تكرونة، نفس المشهد ونفس المناظر وكذلك الالوان الفرق الوحيد ان كسرى لم يهجرها سكانها ولازالو ا مرابطين فوق الجبل.

حين تصعد أعلى المدينة ستلامس السماء في يوم شتوي، كسرى تستقبلك بـ«التاڤ» والرسومات على الحائط، أول الرسومات التي ستشاهدها أول عليه عبارة «احلم» و ثان عليه عبارة «قف على ناصية الحلم وقاتل» وكان بشباب المنطقة يدعونك لتحلم وانت تزور مدينتهم.

ثم مدرج طويل قرابة 500درجة جميعها ملونة وكتوب عليها بعض الاحرف الامازيغية.

ايها الزائر واصل جواتك فاعلى نقطة في المدينة ستعترضك الو فود لان كسر ى مزار السياح والتلاميذ والرحلات ايضا، مكان الاجتماع الساحة المقابلة لدار الثقافة ، فطريق تصعد الجبل، الى يمينك الشلالات وببعض المواطنين يلتقطون الصور التذكارية تحت مياه الشلال الساخنة والى يمينك الوادي وموسيقى المياه وهي تتساقط على الاشجار، واصل جولتك ستجدك امام مفترق طريق الى اليمين ستجدك امام لافتة كتب عليها «حي الغرب» في هذا الحي سكن اليهود ولاتزال الحارة واضحة المعالم، الدكاكين التي كا ن يستغلها اليهود للتجارة ومنازلهم مازالت قائمة بعضها سقط وهدم وبعضها الاخر مازال محافظا ومتماسكا، جميعها مغلقة ومهملة فلم لا تدهن الابواب من جديد لتصبح اجمل وتكون حارة اليهود في المسلك السياحي لزوار كسرى؟.

اما يسارا فستصعد 300درجة ملونة لتجدك امام «متحف كسرى للتراث التقليدي» وقد دشن في 18ماي 2009، متحف يركز اساسا على دور المرأة في المدينة، ففي الداخل أول بهو هو الاستقبال ووضع به بعض الادوات الفخارية من صنع المرأة في كسرى التي تمتهن الفخار، المتحف كما انف الذكر مخصص للمرأة فتجد «النوالة» او المطبخ ب كل تفاصيله، و النسيج و «العلاقة» التي تحضرها ام العريس و طقوس الزواج والولادة وحلي المرأة او العروس في كسر ى ، المتحف هو الذاكرة الحية للمرأة في كسرى ذاكرة متقدة تكرم المرأة وتعترف بدورها في المجتمع.

هنا في القرية البربرية الشاهدة على خمسة عشرة قرنا من الحضارة والتاريخ اينما وليت وجهك قابلت الجمال، هنا للحجارة ميزتها وللعمارة خصوصياتها، هنا للتين والزيتون حضورهما الابرز وللمرأة قدسيتها.
في كسرى عين الماء تحكي عن التاريخ والحضارة عمن سكنوا الجبل ودافعوا عنه عن الامس واليوم هنا عين الماء ترشدك الى الشباب المبدع الذي دعاك الى الحلم اول الرحلة.

بين كسرى وزاما كانت بداية البحث في اثار حنبعل، ومعه تقديم صورة اخرى عن سليانة صورة غير مألوفة صورة جميلة عن مدينة غنية تاريخيا وطبيعيا مدينة لو توفرت ارادة سياسية لتطويرها لكانت اجمل المناطق السياحية الجبلية.

المجتمع المدني في خدمة المدارس
«من خلال عملنا الميداني وبعد كل زيارة نتبنى مدرسة، نحاول ان نوفر لها بعض التجهيزات او الاصلاحات ونحاول التباحث في نقائصها والبحث عن سبل المساعدة» هكذا تحدث احمد الطرابلسي اثناء زيارتهم الى المدرسة الابتدائية كسرى الجديدة .
اثناء النقاش تحدثت مديرة المدرسة عن مشكلة قاعة الاعلامية واكدت ان الحواسيب زينة فهم لا يعملون ولازالوا يراسلون الادارة الجهوية للتربية لإصلاح اجهزة الاعلامية دون مجيب، ومن مشاكل المدرسة ايضا عدم وجود القاعات الكافية فأربع قاعات غير كافية لاستقبال ال 220 تلميذا المرسمين بالمدرسة بالإضافة الى واجهة المدرسة غير الجميلة.
وأكد عدد من ناشطي المجتمع المدني انهم سيتبرعون بمجموعة من الكتب وبعث مكتبة في المدرسة في مرحلة اولى كما اشار لطفي بن يحي عن جمعية التراث والبيئة انهم سيبعثون ناد للبيئة واخر للتراث في مدرسة كسرى الجديدة، وذلك في سياق محاولة جمعيات المجتمع المدني العمل مع الطفولة وتبني بعض المدارس.

ما قاله المسعدي عن قرية كسرى
قرية كسرى على جبل جلاميد من الصخر كقطع العذاب تتراكم وتتراكب ثم يقوم فيها فجأة كالجدار جانب الجبل عاريا، تنشج في أسفله عين ماء باكية تسيل إلى الصخر، فتأكل من أصل الجبل، ثم تقع إلى الغور تحته فتشتت وتضيع كيأس نفس عقيم، وتتبعثر بيوت القرية بين الصخور... كشتمة في وجه قوة قاهرة أو عار على جمال (...) وفوق القرية والجبل والبساط هول أو ساع سماء خالية، وينظر المسافر حوله فإذا الجبل قافلة هول من أشخاص حجارة، كل له ألم وكل له قصة، والأذن تسمع وعين الماء تحكي».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115