لأنها لغة ليست ككل اللغات، وكلماتها ليست ككل الكلمات... فإن العالم يحتفل
باللغة العربية في 18 ديسمبر من كل عام. وقد تَقرر الاحتفال باللغة العربية في هذا التاريخ لكونه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190، والذي يقر بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة بعد اقتراح قدمته المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية خلال انعقاد الدورة 190 للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو.
أكثر من 500 مليون نسمة في العالم يتحدثون العربية، هذه اللغة الخصبة، والثرية، والولاّدة ... وهي المتميّزة بقدرتها على التعريب واحتواء الألفاظ من اللغات الأخرى بشروط دقيقة وصحيحة. وهي المتفردة بتمكنّها من خاصيات الترادف، والأضداد، والطباق، والجناس، والمقابلة والسجع، والتشبيه...
لغة الضاد هي لغة القرآن الكريم ولسان ديوان العرب العربية ومقوّما أساسيا من مقوّمات الهوية العربية... لكنّها ليست بمنأى عن تحديات كبيرة تتربص بها من الداخل والخارج. ففي عصر العولمة تسعى لغات الدول الكبرى للهيمنة والسيطرة على بقيّة بلدان العالم بالتهام اللغات المنافِسة لها. فهذه اللغة الجميلة المعاني والشاسعة المصطلحات حققت أمجاد العرب وكانت عنوان تفوّقهم في جميع العلوم والفنون من أدب وشعر وفلسفة وطب وهندسة وكيمياء وفيزياء... وهو ما يفنّد الادعاءات القائلة بأنها لم تعد مواكبة للعصر!
لعل الأخطر من التهديد الخارجي هو تنّكر أبناء الأمة للغتهم وإحالتها على «التقاعد» مقابل تفضيل اللغات الأجنبية أو استعمال «العاميّة» حتى في المؤسسات التعليمية بدعوى تيسير طريقة التواصل ممّا يجعل الناشئة منبتة عن سياقها الثقافي ومجتثة من أصولها التاريخية والحضارية...
لاشك أن من حق اللغة العربية على أبنائها وشعوبها وأمتّها...إيلاءها المكانة التي تستحق وإيفاءها المرتبة التي هي جديرة بها باعتبارها عنوان عراقة الهوية وعمق الحضارة في زمن تتقاذفه رياح العولمة ... ألم يطلق الشاعر المصري حافظ إبراهيم صرخة مدوية لحماية اللغة العربية ؟ فتحدث بلسان هذه اللغة المليحة، الأنيقة، العذبة ...قائلا:
أنا البحر في أحشائه الدّر كامن
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
فيا وَيحَكُم أبلى وتَبلى مَحاسِني
ومنْكمْ وإنْ عَزَّ الدّواءُ أساتِي
فلا تَكِلُوني للزّمانِ فإنّني
أخافُ عليكم أن تَحينَ وَفاتي