الغياب ولزم الصمت والانزواء إلى أن قرّر أصحابه بعثه للحياة من جديد .... وهكذا سيعود فيلم»كول التراب» للعرض في القاعات انطلاقا من اليوم 30 نوفمبر2016.
إلى أواخر التسعينات يعود تاريخ تصوير مشاهد الفيلم الروائي الطويل «كول التراب» للمخرج نضال شطّا حيث كانت التجربة الأولى لهذا المخرج في عالم الأفلام الروائية الطويلة وأيضا كان الظهور الأوّل للممثل لطفي العبدلي على شاشة السينما إلى جانب فتحي الهداوي، ومحمد علي بن جمعة، وياسمين بحري، وفريد مميش، ودرة مازيغ، وهيفاء بوزويتة...
ما بين عمق البحر وامتداد الصحراء...رحلة بحث عن الذات
ما بين أعماق البحار الغامضة والمخفيّة وامتداد فيافي الصحراء الممتدة والمكشوفة ...اختار المخرج نضال شطا أن ينتقل بكاميرا التصوير ما بين هذين العالمين الكبيرين، المتقابلين، المتكاملين...كما ارتأى أن يرافق بطل فيلمه «حكيم» في رحلة البحث عن تحقيق الذات ونحت كينونته وإثبات استقلاليته سواء بالغوص تحت المياه أو السفر في الصحراء الشاسعة.
وإن يرجع تاريخ تصوير فيلم «كول التراب» إلى سنوات خلت تعود إلى أواخر التسعينات، فإن هذا الفيلم - الذي لم يكتب له الترويج والعرض في القاعات بسبب صعوبات مالية وطوارئ مادية - لم يكن مرتبطا بزمن معين أو رهينا لإطار مكاني محدّد وهو ما جعل إعادة عرضه بعد 16 سنة من تصويره أمرا ممكنا بعد إخضاعه إلى تعديلات فنيّة وتحسينات تقنية...
في «كول التراب»، يجد المشاهد نفسه أمام حكاية الشاب «حكيم» (تقمّص الدور لطفي العبدلي) الذي فقد بوصلة التوازن بسبب تمزّق فكره وإحساسه ما بين عذابات الفؤاد بعد ابتلاع البحر لشقيقته المُقعدة وفقدان أخته الوحيدة إلى الأبد وبين اختناق النّفس وضيقها ذرعا من تسلط الأخ الأكبر (أدّى الدور فتحي الهداوي) وانغلاقه على ذاته... وهو الذي لا يجيد في يومياته شيئا سوى هواية فنّ الغوص والتفتيش في عمق البحر عن ثمين الأشياء الدفينة في جوفه أو قضاء أوقات «متعة « مع حبيبة يريدها عشيقة ويرفضها زوجة ...
وفي سؤال قلق عن حياته وحاضره ومستقبله وصراع شرس مع نزواته وهواجسه وأحلامه ...يقرّر «حكيم» خوض المغامرة المجهولة العواقب التي اقترحها عليه بارون التهريب «فريد» أقوى وأخطر رجل في المنطقة. فتكون رحلة بطل الفيلم من مكان السكن المتاخم للبحر إلى جوف الصحراء لتحقيق المهمّة المطلوبة ، زاده في ذلك رغبة جارفة في تحقيق الذات ومواجهة الحياة في نهاية المطاف.
الفلسفة والشعوذة... كيف يلتقيان!؟
في رحلة البحث عن الذات التي يتجاذبها التيه والحيرة والضياع... كثيرا ما يُقدم بطل الفيلم على وجع السؤال الوجودي والطرح الميتافيزيقي والفلسفي حول الموت، القدر، الحب، الجنس...فعكس الفيلم عمقا في التناول السينمائي لقصة فيلم «كول التراب».
وفي هذا الفيلم، استعان المخرج التونسي نضال شطاّ بمدير تصوير أجنبي لتأمين نقل المشاهد التي تم تصويرها تحت الماء وفي عمق البحر، في شكل شبيه بوثائقيات عالم ما تحت البحار وأقرب إلى حصة التصوير العلميّة حول فنّ الغوص.
إلى حدّ الآن تسير أحداث الفيلم ضمن سياق المنطق والعلم ومؤشرات التطور والتكنولوجيا ... إلى أن ينتهي الفيلم إلى مربع الخرافة والشعوذة !
إذ أن بطل الفيلم الذي خاطب نفسه بلسان الشكّ والسؤال والوعي بالمصير سمح لنفسه في نهاية الفيلم أن يمدّ إصبعه للعرّاف المغربي لإحداث جرح فيه، عسى قطرات دمه تكون شفيعا لإخراج الكنز من باطن الأرض. وفي مفارقة أخرى، تعود «عائشة» من أوروبا بغاية زيارة «عرّاف»بمدينة توزر - قيل عنه أنه شهير ومن حرفائه الرئيس الفرنسي جاك شيراك- عساه يداوي مرضها النادر الذي عجز عنه الأطباء في الخارج... وما بين طلاسم العرّاف والشفرات الغريبة التي يدوّنها على ظهر المريضة، تغيب صورة «عائشة» دون أن يحسم المخرج أمره في الشفاء من عدمه على يد عرّاف الجبل !
وما بين الفلسفة والشعوذة، بقى الخيط رفيعا ما بين الحقيقة والخرافة وكان مصير الإنسان معلّقا ما بين الميتافيزيقيا والعالم المادي ...في فيلم «كول التراب».